واللقاء مع المخترع اللبناني الأميركي، وائل أبو شقرا، عن بُعد، كونه مقيما في ولاية نورث كارولاينا الأميركية، أخذنا إلى أبعاد إنسانية وحياتية كسرت جفاف التكنولوجيا وتعقيداتها.
عاد بنا إلى قراره مغادرة لبنان أثناء الحرب عام 1986، وكيف قابلته صعاب كثيرة في أميركا حتى درس واستقر ونال أول إجازة جامعية، وصولاً إلى عمله في شركة IBM العملاقة عام 1995، ونيله كذلك الماجستير في مجال إدارة التكنولوجيا بين عامي 2004 و2006.
سألناه كيف أدرك أنه شخص موهوب ومخترع، فأشار إلى أنه خلال تحضيره للماجستير، كان ينجز بحثاً كل أسبوع، يصل الليل بالنهار أحياناً، ويبرمج يومياته محتسباً الدقائق، باذلاً أقصى طاقته. وبعد تخرجه، ونتيجة اعتياده على البحث والدراسة، تمكن عام 2007 من تسجيل رقم قياسي من الاختراعات في حينه جعله ينتزع لقب كبير المخترعين، أو المخترع الأول في شركة تضم نحو 425 ألف موظف.
ويبسّط لنا الأمر قائلاً: "يبدأ الاختراع بوجود مشكلة ومحاولة البحث عن حلول لها، ونستعرض احتمالات الوصول إلى الحل، فنغربلها لنعتمد الحل الأفضل". ويوضح أن الاختراع يكون أحياناً بتحسين ما هو موجود مثل تطبيقات التكنولوجيا، أو البرامج والبنى التحتية المعلوماتية، فعندها نتخطى الإمكانيات المحدودة إلى آفاق أخرى أكثر تطوراً.
ويقول وائل "تتالت الاختراعات، وزاد عددها تباعاً". واختراعاته مسجلة في أميركا وألمانيا وبريطانيا والهند والصين وتايوان، كما أن لديه عدد كبير من الأفكار القابلة للتطوير لتصبح اختراعات يملك حقوقها الفكرية في أكثر من دولة.
نصائح للشباب العربي
وعن نصيحته للشباب العربي، يقول: "إن لم تكن البيئة المحيطة بالإنسان مساعِدة وداعمة، وكانت المعوقات اليومية كثيرة، عليه إيجاد بيئة مستعارة يضع نفسه فيها".
ويتابع "من ليس لديه بيئة تحتضن وتهتم بقدراته وموهبته، عليه أن يسعى لإيجاد واحدة. فوسط الأزمات القاهرة تتاح أمام الإنسان خيارات عدة. ورغم الانشغال اليومي بتفاصيل العيش، على الإنسان أن يتحدى. ومن يمتلك شرارة الموهبة والتفكير خارج السياق، يحتاج إلى بيئة بديلة حتى وإن كانت خيالية، يخترعها الشخص لتعزله عن واقعه المحبط ويتمكن من التفكير في ما هو أبعد وأعمق".
ويعتبر أن الأعذار لم تعد مقبولة اليوم، فالوصول إلى المعرفة صار متاحاً، والإنترنت موجود في كل مكان. ويشير إلى أن بعضهم يستخدمون الإنترنت للهو والتسلية، وبعضهم للتخريب والاستغلال والقرصنة، وهناك من يستفيد من الإنترنت في التعلّم وكسب المعرفة. ويرى أن الأمثلة كثيرة على تذليل العقبات والتميّز، لافتاً إلى أن "الإبداعات والشركات الرقمية التي تنجز اليوم في دول أفريقية كتنزانيا وغانا على سبيل المثال، فيها إبداع يضاهي ذلك الموجود في أكثر البلدان تطوراً".
وعن نفسه يقول: "صادفت أشخاصاً شدوني إلى الخلف بدل تشجيعي. قدمت إلى أميركا من لبنان من بيئة حرب وكان عمري 17 عاماً، لم أكن أعرف الإنكليزية، درست وعملت واجتهدت، واخترعت بيئة مغايرة لواقعي، انغمست فيها حتى نلت شهادتي الجامعية".
نصيحة أخرى يعطيها وائل أبو شقرا بأن "على الشخص المثابر أن يدوّن يومياته وأهدافه، لكي يتمكن من مراقبة التغيير الذي يمر به، ويتلمس الطريق الذي يسير عليه، بصعوده وهبوطه، بنجاحه وإخفاقه، وهذا يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل".
وينصح أيضاً بأن "نعرف سيئاتنا ونقاط ضعفنا، ولا نتوهم بأننا أفضل من الآخرين، علينا أن نرى ضعفنا من ناحية إيجابية، فالإضاءة على ما يجب أن نزيله ونبعده، أو نطوره ونبقيه من قدراتنا هو الدافع لنا نحو الأحسن".
التكنولوجيا والإنسانية ... والعالم العربي
وعن البعد الإنساني للتكنولوجيا، يقول وائل أبو شقرا: "أسس الإنسانية لا تتغيّر مهما تطورت التقنيات". ويشير إلى مقالة قرأها لأحد العلماء يعود تاريخها لعام 1802، يتساءل فيها العالِم عن مسار البشرية في عصر السرعة آنذاك. ويعلق وائل بالقول "الكلام عن عصر السرعة سيظل مناسباً لكل الأوقات، مع التكنولوجيا نحن دوماً في عصر السرعة، لكن مهما تطورت التكنولوجيا فالقرار بشأنها يعود للإنسان".
كما يشير إلى جانب إنساني آخر يرتبط بالتكنولوجيا، المرتكز على العلاقات الإنسانية، مثل مواكبته مبدعين ومساعدتهم على تلمّس الطريق حتى صاروا من كبار المخترعين، ما يعتبره حالة إنسانية رائعة تكسر جفاف التكنولوجيا.
وعن مواكبة البلدان العربية للتطور التكنولوجي، أوضح "إن الطلب على التكنولوجيا المتطورة يحصل من جهتين في الوطن العربي، الجهة الأولى هي الحكومات، وتحديداً دول الخليج العربي، والثانية هي الجهات الأكاديمية والجامعات في بلدان عربية عدة، أبرزها مصر والأردن".
وأشار إلى مشاريع تطوير تحصل على مستوى الدولة في كل الخليج العربي، لافتاً إلى امتلاك هذه الدول أفضل البنى التقنية والبرمجيات.
ومن موقعه كمرشد للابتكارات، يرى أن "الوضع العربي ليس سوداوياً، فهناك أمل، وعندما طلبت مني إحدى الدول الخليجية أن أدرس وأقيم الاختراعات المسجلة لديها، ووجدت بينها ما هو جدير بالتطبيق، اعتبرته دليل أمل".
وعن تقديره كمخترع عربي من بلده الأم، قال: "سيكولوجياً لا نرى ما هو قريب منا، فالمرج يبدو لنا أكثر خضرة من بعيد. وتبعاً لهذه السيكولوجيا، فالدول العربية تعطي الأهمية للمخترع البعيد". وأوضح أن عدداً من اختراعاته يدرّس في جامعات بالصين وماليزيا، في حين أنه عربياً غير معروف.
اختراعاته كثيرة ومتشعبة، ومنها مثلا تحويل الكمبيوتر من جهاز يتلقى الأوامر بدون فهم، إلى آلة تدرك وتطبّق ما يفكر فيه العقل البشري. وبمعنى آخر يجعل الكمبيوتر يعمل كالعقل البشري، ويصبح العمل بينه وبين من يشغله عملاً تعاونياً وشراكة بين عقلين.
التطوع لمحاربة الاتجار بالبشر
يعمل وائل أبو شقرا في مجال التطوع أيضاً. وقال: "جرى اختياري لأكون في مجلس إدارة مؤسسة Interact في نورث كارولاينا، التي تنشط في الدفاع عن ضحايا العنف، ومحاربة الاتجار بالبشر".
وأضاف "مع استفحال ظاهرة الهجرة عالمياً، ازداد نشاط العصابات والمافيات التي تتاجر بالبشر في أنحاء الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "أغلب المهاجرين الذين يقعون في فخ تلك العصابات هم من فيتنام وكمبوديا ودول آسيوية أخرى، يدخلون بطريقة غير شرعية إلى أميركا، تقودهم الوعود بعيش حياة رغيدة ومريحة".
ولفت إلى أن نحو 8500 مهاجر، وأغلبهم من النساء والأطفال، تمكنت المؤسسة من مساعدتهم، منذ نحو 7 سنوات وحتى اليوم، عبر طواقمها القانونية والصحية والنفسية.
ينتهي اللقاء مع وائل بتأكيده أن إيمان الشخص بقدراته وإمكانياته هو أحد أسس الاختراع. ووائل متزوج وأب لولدين، كما أن زوجته لمى أبو شقرا مهندسة كمبيوتر، ولديها اختراعان باسمها في أميركا، وهي من النساء العربيات القليلات اللواتي سجلن اختراعات في عالم التكنولوجيا الرقمية.