02 يونيو 2017
الليبراليون الخليجيون والانقلابات العسكرية
هاشم الرفاعي
باحث وكاتب سعودي في علم الاجتماع، مهتم بدراسات علم الاجتماع الثقافية والدينية، ومهتم بدراسة الحركات الاجتماعية في الجزيرة العربية، مبتعث لدراسة علم الاجتماع في الولايات المتحدة.
الديمقراطية والعدالة من أهم الركائز والمفاهيم في الليبرالية كإطار مفاهيمي، وغالباً ما يتكرّر التأكيد عليهما، وعلى الحرية وحق التعبير والاختيار، لدى الحديث عموماً عن الليبرالية. خليجياً بشكل خاص وعربياً بشكل عام، يُعتبر أن التيار الليبرالي العام يؤكد هذه المفاهيم في عدة مواضع، لكن البوصلة العامة للتيار الخليجي الليبرالي تختلف قليلاً عن هذا الإطار المفاهيمي، حيث إن المهمة الأساسية التي تجمع أغلب أطياف هذا التيار هي عداوة الإسلاميين بأطيافهم كافة، ومحاولة إثارة الرأي العام ضدهم تحت أي ظرف، فضلاً عن المناكفه الانتهازية التي تكاد تكون الشغل الشاغل لهذا التيار.
هناك لحظة حاسمة حدثت بعد الربيع العربي، حيث تطور الخطاب الليبرالي، من خطابٍ يدعو إلى الديمقراطية وحرية التعبير والاختيار، إلى تيارٍ يتبنى روح الثورة المضادّة، حيث وظّفت المؤسسات التي تقف خلف الثورة المضادة في مصر تحديداً هذا التيار لصالحها، ونقلت المعركة التقليدية له من مناكفة الإسلامين إلى مناكفة الشارع العربي العام، وذلك بمواكبته كل تطورات أحداث الربيع العربي. هناك مؤسساتٌ خليجيةٌ تحاول، بكل جهدها، إجهاض رياح التغيير الديمقراطي الذي دشّنه العرب في مصر وتونس وليبيا، بعد عقودٍ من الاستبداد والحكم التعسفي.
حدثت اللحظة المفصلية لدى التيار الليبرالي الخليجي، بكل وضوح، عند تتويج الرئيس المصري الديمقراطي محمد مرسي، فلأول مرة في تاريخ مصر، يفرض الواقع نتائج الانتخابات على الشارع المصري والواقع السياسي. للأسف، لم تقبل بعض دول المنطقة هذا الواقع الجديد، وإن قبلته فبشكل صوري، وفي الوقت نفسه وظفت قواها وأدواتها المخابراتية، بالتعاون مع دول أخرى، في إسقاط الديمقراطية المصرية. وفعلاً، لم تمر على مصر سنة إلا وحشدت العدة والعتاد لتدشين ثورةٍ مضادّة، احتشد لها الإعلام المدعوم وأصوات وأقلام ليبرالية ما انفكت حتى تبشر بالفشل الذي ستبوء به هذه الديمقراطية، بحجة أن الإسلاميين ليسو أهلاً للديمقراطية، وأنها مجرد سلم لهم للصعود عليها، والسيطرة على المجتمع. ربما لم يكن "الإخوان المسلمون" على قدر من فهم قواعد اللعبة الديمقراطية، لكنهم لم يكونوا بالسوء الذي عرفته مصر في تاريخها مع العسكر.
كان التوظيف السياسي للخطاب الليبرالي في الخليج أحد أهم شواهد الثورة المضادة على الديمقراطية في الوطن العربي وأبرزها، حيث كان وما زال هناك تكرارٌ ممجوجٌ، بنوع من الافتراء على الواقع، أن العسكر خير وأصلح لمصر من حكم الديمقراطية، فضلاً عن ما حدث ويحدث من شواهد، تؤكد عكس ذلك، وخصوصاً بعد المجزرتين في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، إلى الانتهاكات الإنسانية التي تحدث يومياً في مصر من اعتقالات واغتيالات.
تركيا من أهم الدول التي رفضت انقلاب العسكر على مصر، وهنا موقف سياسي أكثر من أن
يكون موقفاً أيديولوجياً. يعتبر الجيش عدو الديمقراطية في تركيا، حيث تحفظ الذاكرة التركية تاريخ أربع انقلابات، قام بها جنرالات الجيش ضد الديمقراطية التركية في فترات مختلفة، بالذريعة نفسها التي يتحدّث بها الليبرالي الخليجي التي يبرّر فيها الانقلاب. كان لحكومة "العدالة والتنمية" وما زال موقف حاسم تجاه مصر، حيث ترفض الاعتراف بحكومة الانقلاب، وهناك رمزية على أنه لا مكان للجيش في سدّة الحكم، وأن الجيش ينبغي أن يكون في قواعده العسكرية، ويحمي حدود الدولة، ويلتزم بأعماله المكلّف بها، لا مناكفة الشعب في سدة الحكم.
ما حدث في الخطاب الليبرالي الخليجي خصوصاً هو توجيه التُهم نحو الديمقراطية التركية، تارةً أخونة المجتمع، وتارة الوقوف إلى جانب "الإخوان"، فضلاً عن استثمار الأحداث السياسية في تركيا لصالح تشويه صورة حكومة "العدالة والتنمية".
لم يخف الليبرالي الخليجي سعادته وسروره في أثناء ليلة الانقلاب. ما يعرفه الجميع أن الليبرالية هي حامية الديمقراطية، لكنها، للأسف، في الخليج العربي، ولدى أغلب النخب، مختلفة عن ذلك. هناك موقفان سيبقيان عالقين في ذاكرة علاقة الليبرالية بالديمقراطية: تبرير مجزرة "رابعة" التي قام بها العسكري المنقلب على الحكم عبد الفتاح السيسي، ومباركة الليبرالية الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا. وتوحي السعادة التي لوحظت عبر شبكات التواصل الاجتماعي للتيار الليبرالي بأن هناك ثمة مشكلة في المفهوم الأساسي الذي يرتكز عليه الليبرالي الخليجي عند نظرته إلى الأحداث. وهناك غموضٌ في محاولة فهم هذه العلة وتشخيصها، فالليبرالية، كمفهوم عالمي، ترفض العسكر، ولا خيار أساسياً ورئيسياً لها غير الديمقراطية. ولكن، ثمة العكس تماماً في الخليج، أي الترحيب بالعسكر في السلطة، إذا كانوا يقمعون خصوهم من إسلاميين، أو مؤيدين للإسلاميين.
يبدو أن ما حدث واحدةٌ من جولات الثورة المضادة الفاشلة، ومحاولة دعمها ومباركتها ما هي إلا مرحلة خططت لها عدة قوى ومؤسسات إقليمية وتركية، وسط مواقف باردة، وغير شفّافه عن ردة الفعل الأول على بيان الانقلاب، من قبل دول عديدة. كان الليبرالي الخليجي، ووسائل إعلامه خصوصاً، والعربي عموماً، الأكثر حماسة نحو هذه الخطوة الانقلابية التي فشلت في ليلتها. وللأسف، هناك من الليبراليين الخليجيين من لا يخفي سعادته، وفي الوقت نفسه، حسرته على انفلات زمام الأمور من الانقلابيين، وعودة الرئيس المنتخب أردوغان، ووقوف الشارع التركي، بأطيافه كافة، ضد الانقلاب العسكري بشكل حاسم.
هناك لحظة حاسمة حدثت بعد الربيع العربي، حيث تطور الخطاب الليبرالي، من خطابٍ يدعو إلى الديمقراطية وحرية التعبير والاختيار، إلى تيارٍ يتبنى روح الثورة المضادّة، حيث وظّفت المؤسسات التي تقف خلف الثورة المضادة في مصر تحديداً هذا التيار لصالحها، ونقلت المعركة التقليدية له من مناكفة الإسلامين إلى مناكفة الشارع العربي العام، وذلك بمواكبته كل تطورات أحداث الربيع العربي. هناك مؤسساتٌ خليجيةٌ تحاول، بكل جهدها، إجهاض رياح التغيير الديمقراطي الذي دشّنه العرب في مصر وتونس وليبيا، بعد عقودٍ من الاستبداد والحكم التعسفي.
حدثت اللحظة المفصلية لدى التيار الليبرالي الخليجي، بكل وضوح، عند تتويج الرئيس المصري الديمقراطي محمد مرسي، فلأول مرة في تاريخ مصر، يفرض الواقع نتائج الانتخابات على الشارع المصري والواقع السياسي. للأسف، لم تقبل بعض دول المنطقة هذا الواقع الجديد، وإن قبلته فبشكل صوري، وفي الوقت نفسه وظفت قواها وأدواتها المخابراتية، بالتعاون مع دول أخرى، في إسقاط الديمقراطية المصرية. وفعلاً، لم تمر على مصر سنة إلا وحشدت العدة والعتاد لتدشين ثورةٍ مضادّة، احتشد لها الإعلام المدعوم وأصوات وأقلام ليبرالية ما انفكت حتى تبشر بالفشل الذي ستبوء به هذه الديمقراطية، بحجة أن الإسلاميين ليسو أهلاً للديمقراطية، وأنها مجرد سلم لهم للصعود عليها، والسيطرة على المجتمع. ربما لم يكن "الإخوان المسلمون" على قدر من فهم قواعد اللعبة الديمقراطية، لكنهم لم يكونوا بالسوء الذي عرفته مصر في تاريخها مع العسكر.
كان التوظيف السياسي للخطاب الليبرالي في الخليج أحد أهم شواهد الثورة المضادة على الديمقراطية في الوطن العربي وأبرزها، حيث كان وما زال هناك تكرارٌ ممجوجٌ، بنوع من الافتراء على الواقع، أن العسكر خير وأصلح لمصر من حكم الديمقراطية، فضلاً عن ما حدث ويحدث من شواهد، تؤكد عكس ذلك، وخصوصاً بعد المجزرتين في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، إلى الانتهاكات الإنسانية التي تحدث يومياً في مصر من اعتقالات واغتيالات.
تركيا من أهم الدول التي رفضت انقلاب العسكر على مصر، وهنا موقف سياسي أكثر من أن
ما حدث في الخطاب الليبرالي الخليجي خصوصاً هو توجيه التُهم نحو الديمقراطية التركية، تارةً أخونة المجتمع، وتارة الوقوف إلى جانب "الإخوان"، فضلاً عن استثمار الأحداث السياسية في تركيا لصالح تشويه صورة حكومة "العدالة والتنمية".
لم يخف الليبرالي الخليجي سعادته وسروره في أثناء ليلة الانقلاب. ما يعرفه الجميع أن الليبرالية هي حامية الديمقراطية، لكنها، للأسف، في الخليج العربي، ولدى أغلب النخب، مختلفة عن ذلك. هناك موقفان سيبقيان عالقين في ذاكرة علاقة الليبرالية بالديمقراطية: تبرير مجزرة "رابعة" التي قام بها العسكري المنقلب على الحكم عبد الفتاح السيسي، ومباركة الليبرالية الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا. وتوحي السعادة التي لوحظت عبر شبكات التواصل الاجتماعي للتيار الليبرالي بأن هناك ثمة مشكلة في المفهوم الأساسي الذي يرتكز عليه الليبرالي الخليجي عند نظرته إلى الأحداث. وهناك غموضٌ في محاولة فهم هذه العلة وتشخيصها، فالليبرالية، كمفهوم عالمي، ترفض العسكر، ولا خيار أساسياً ورئيسياً لها غير الديمقراطية. ولكن، ثمة العكس تماماً في الخليج، أي الترحيب بالعسكر في السلطة، إذا كانوا يقمعون خصوهم من إسلاميين، أو مؤيدين للإسلاميين.
يبدو أن ما حدث واحدةٌ من جولات الثورة المضادة الفاشلة، ومحاولة دعمها ومباركتها ما هي إلا مرحلة خططت لها عدة قوى ومؤسسات إقليمية وتركية، وسط مواقف باردة، وغير شفّافه عن ردة الفعل الأول على بيان الانقلاب، من قبل دول عديدة. كان الليبرالي الخليجي، ووسائل إعلامه خصوصاً، والعربي عموماً، الأكثر حماسة نحو هذه الخطوة الانقلابية التي فشلت في ليلتها. وللأسف، هناك من الليبراليين الخليجيين من لا يخفي سعادته، وفي الوقت نفسه، حسرته على انفلات زمام الأمور من الانقلابيين، وعودة الرئيس المنتخب أردوغان، ووقوف الشارع التركي، بأطيافه كافة، ضد الانقلاب العسكري بشكل حاسم.
دلالات
هاشم الرفاعي
باحث وكاتب سعودي في علم الاجتماع، مهتم بدراسات علم الاجتماع الثقافية والدينية، ومهتم بدراسة الحركات الاجتماعية في الجزيرة العربية، مبتعث لدراسة علم الاجتماع في الولايات المتحدة.
هاشم الرفاعي
مقالات أخرى
02 ابريل 2017
22 فبراير 2017
07 فبراير 2017