اللاجئات السوريات الخيمة عورة وطن

08 مارس 2014
+ الخط -

تحاول الصبية العشرينيّة عبثاً أن تؤكد أنّ حياتها العادية مستمرة. تخلع حذاءها عند باب الخيمة، فهذا هو منزلها الجديد. تُسارع إلى إعداد القهوة، إكراماً لضيوف لا تعرفهم ولا تعرف سبب زيارتهم. بالنسبة إليها، أصول الضيافة لا تتغير مع تغيّر السكن من منزلٍ حجري إلى خيمة "أنعم علينا بها أهل عرسال".

قبل أشهر، كانت أم أحمد تعيش في القصير. يعمل زوجها في إصلاح إطارات السيارات، وتُدير منزلاً صغيراً، مع بنت وصبيين. جاءت أم أحمد بالقهوة. فجأة تغيّر حجم عينيها، عندما رأت الكاميرا. الصورة ليست خياراً بالنسبة إليها. لا تُريد أن تكون "نجمة". لا تُريد إلا السترة، كما تقول. في البدء، منعت تصوير أطفالها ثم وافقت لاحقاً. لم يكن خوفها "أمنياً" هذه المرة، بل سوء هندام أطفالها.

لمحت أم أحمد سترة لأحد الشبان المتطوعين في جمعية إغاثية، فخرجت. طلب منها الشاب رؤية أطفال صغار، فتجاوبت سريعاً دون أن تفهم سبب الطلب. "نريد فحص الاطفال بشأن سوء التغذية"، قال المتطوع وهو يعرّي أحد الأطفال لأخذ مقاس يده ورقبته. عبثاً حاولت تهدئة طفلها الباكي. حاولت الاستفتسار عن طبيعة الفحص.

تنتبه أم أحمد لمسألة ارتداء هندامها كاملاً لأن الزوار كُثر. صحافيون وناشطون اجتماعيون يستأذنون ويدخلون، لذلك تبقي الحجاب على رأسها طوال اليوم، رغم الطقس الحار. كذلك يدفع تلاصق الخيم اللاجئات المحجبات إلى التزام اللباس الطويل والفضفاض طوال الوقت.. فيغيب مفهوم الراحة في المنزل، كما تغيب الخصوصية.
 

نساء ورجال

 

هنا، في مخيّمات عرسال المنتشرة في تلالها، باتت النسوة مسؤولات عن إطعام عائلاتهن والاهتمام بنظافتها، وإدارة الأمور الماليّة. زادت المسؤوليّات مع النزوح. انزوى الرجال في حلقات صغيرة يتسلّون بألعاب بسيطة، وهناك من بقي منهم في سوريا ليقاتل في صفوف المعارضة.

تعطي اللاجئات التوجيهات للأزواج في المخيم. تبدو حركة أجسادهن في ملاحقة الأطفال وتنظيف الخيم أقرب إلى النظام العسكري. أما الرجال المنتشرون في أرجاء المخيم فحركتهم العشوائية تجسّد حالة الضياع التي يعيشون.

أم علي جارة أم أحمد، اللاجئة من النبك، اختارت طرف المخيم للإقامة فيه. جيرانها في الخيم المجاورة هن بناتها الخمس وكنّتها. تشير المرأة السبعينية إلى أنها تتابع تفاصيل شؤون بناتها كما كانت تفعل في منزلها. تسمح لبناتها بزياة صديقاتهن في الخيم المجاورة أحياناً، وتمنعهن في أحيان أخرى. لا تزال صاحبة السلطة المطلقة.

تشرف أم علي على المطبخ الصغير وتتابع تربية الاطفال. أثناء حديثها  تستأذن إحدى بناتها بالدخول. على يدها طفل يبلغ من العمر شهراً واحداً. تضعه على الفرشة الإسفنجية بتمهل. تقول: "لا أخشى عليه سوى من البرد، فأمي وأخوتي يساعدوني في تلبية احتياجاته والاهتمام بزوجي وخيمتي".

تبقى الاهتمامات نفسها مع تنوع الخيم والوجوه. الطعام والسكن وضيق الحال في الصدارة. بينما يغيب همّ تعليم الأطفال أو حتى تلقينهم حرفة.

في خيمة مجاورة لـ"تجمّع" خيم عائلة أم علي، تجلس إحدى اللاجئات. تغسل ملابس زوجها في دلو بلاستيكي. تتوقف خجلاً لدى رؤية الكاميرا قبل أن تشرح: "الأصل أن أكون في منزلي أغسل وأكوي وأهتم بأسرتي، إلا أن النزوح فرض عليّ التأقلم". الغسيل اليدوي مهمّة جديدة تضطر النازحات إلى تعلّمها، وكذلك الطبخ على الغاز النقّال وحرارته المنخفضة.

 

رز ومعلبات

 

تتقبل أم محمد، المقيمة في مخيم آخر في منطقة وادي حميد في عرسال، صعوبات اللجوء بالتدريج. تقول: "أتأقلم مع الظروف وألبي حاجات أسرتي. هذا هو دوري". ترفض نهر أطفالها أو تعنيفهم "لا تنقصهم الكربة بعد الغربة". تجلس أثناء الحديث لاستكمال إعداد طعام الغذاء. الطبق اليومي الدائم هو الرز أو المعكرونة. إما ذلك أو المعلبات أو.. الجوع.

تحاول أم محمد أن تتكيف مع الظروف. تحاول ألا تخدش صورة زوجها، وهو الذي كان يُدخّن بالقرب منها. تعذره. "ما الذي يُمكن أن يفعله؟"، تسأل بصوت خافت.

تحاول فاطمة إبعاد الجوع عن أسرتها التي لم تنجح في الحفاظ على كافة أفرادها أثناء النزوح. فقدت الأسرة طفلة في الرابعة عشرة من عمرها في الطريق من القصير الى يبرود، قبل أن تفقد الأمل بالعثور عليها بعد النزوح الثاني من يبرود الى عرسال. تتحدث فاطمة وهي تجلس القرفصاء في خيمتها بجانب زوجها. بيدها سكين قديمة تنظف بها أوراق الهندباء الخضراء، والتنهدات لا تفارق حديثها.

المعركة فرضت على الأسر السورية اللجوء.. فلجأت بأفرادها الى عرسال، والتجأت بكيانها الى الأم بحثاً عن سند.

دلالات
المساهمون