الكويت: المعارضة تعود إلى البرلمان لمواجهة إجراءات التقشف الحكومية

09 نوفمبر 2016
حصّنت المحكمة الدستورية مرسوم الصوت الواحد (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -


قبيل قرار الحكومة الكويتية حل مجلس الأمة (البرلمان)، قبل موعد انتهاء مدته المقررة في يوليو/تموز 2017، تصاعد الجدل بين التيارات السياسية المعارضة في البلاد التي قاطعت العملية الانتخابية بالكامل منذ عام 2012، احتجاجاً على إبطال مجلس الأمة الذي كانت تسيطر عليه "كتلة الأغلبية" آنذاك، ثم على قرار تعديل الدوائر الانتخابية، أو ما يعرف بمرسوم "الصوت الواحد"، الذي يساهم، بحسب المعارضة، في تعزيز القبلية والطائفية. وتعتبر المعارضة أن بنود القانون صممت خصيصاً لانتخاب أعضاء موالين للحكومة، وحالت دون عودتها للمشاركة في الحياة البرلمانية من جديد، وإنهاء حالة المقاطعة الطويلة التي خسرت فيها الكثير على المستوى السياسي، بحسب مراقبين.

وتعود جذور تأزم العلاقات السياسية بين الحكومة والمعارضة إلى دعوات المعارضة للنزول إلى الشارع أواخر عام 2011، في احتجاجات ضخمة على رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الصباح الذي تورط، بحسب المعارضة، بشبهات وقضايا فساد مالي، بالإضافة إلى تورط وزارة الداخلية بانتهاكات في حق متهم جنائي، فيما عرف بقضية "الميموني"، في إشارة إلى محمد غزاي الميموني الذي قضى نحبه في أحد مقار جهاز المباحث في الكويت، بحسب المعارضة. واقتحم المعارضون، بقيادة نواب برلمان 2009 المعارضين، والذين كانوا أقلية في ذلك الوقت مقر مجلس الأمة، وقاموا بتخريبه، ما أدى بأمير البلاد إلى إقالة حكومة ناصر المحمد الصباح وحل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات عاجلة مطلع 2012، نتج عنها أول مجلس معارض في البلاد، حيث ترأس زعيم كتلة العمل الشعبي أحمد السعدون رئاسة المجلس، فيما سيطر المعارضون، وعلى رأسهم مسلم البراك وفيصل المسلم، على مفاصل الحياة السياسية.

لكن المحكمة أبطلت مجلس الأمة بحجة بطلان إجراءات الدعوة إلى الانتخابات، لتسارع الحكومة إلى إصدار مرسوم يقضي بتغيير قانون الانتخابات، ما يؤثر على وجود المعارضة ويحد من إمكانية وصول عدد كبير من أعضائها. وانطلقت على إثر هذا المرسوم مسيرات وتظاهرات حاشدة في الكويت، عرفت باسم "كرامة وطن". وقال القائمون عليها إن أكثر من 150 ألف شخص شاركوا فيها، فيما قالت المنظمات الحقوقية والراصدة إن عدد المشاركين بلغ 50 ألفاً. وقررت المعارضة مقاطعة البرلمان، في قرار حظي بدعم شعبي واسع، إذ شهدت الانتخابات التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول 2012 أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات البرلمانية الكويتية، وتوسعت الاحتجاجات ضد البرلمان الجديد والحكومة، وارتفع سقف المطالب إلى المطالبة بحكومة منتخبة، لكن الأمير عاد وقرر حل مجلس ديسمبر، الذي كان برئاسة علي الراشد. وقررت المحكمة الدستورية في الوقت ذاته تحصين مرسوم "الصوت الواحد"، معتبرة أنه صحيح قانونياً ويشجع على الوحدة الوطنية ومحاربة الطائفية.

وأعلنت الحكومة موعداً جديداً للانتخابات هو يونيو/حزيران 2013، والذي شهد لأول مرة بوادر كسر المقاطعة، حيث شارك التحالف الوطني (تيار ليبرالي) في الانتخابات، وألقى بكل ثقله فيها. وشارك فيها نواب سابقون، أبرزهم محمد الحويلة وعبد الله الطريجي ومرزوق الغانم. وقال الغانم، مبرراً ترشحه إلى الانتخابات برغم مقاطعته سابقاً ومعارضته لمرسوم "الصوت الواحد"، "علينا أن نكون واقعيين، لقد حصنت المحكمة الدستورية مرسوم الصوت الواحد، ولن يلغى إلا برغبة أميرية، وما دامت هذه إرادة الأمير فلا يمكن لنا أن نكسرها". وأضاف "لن نترك المجلس والحياة السياسية للفاسدين بحجة مرسوم الصوت الواحد. يجب أن نزاحمهم ونحاربهم فيه، ونحاول أن نقضي على الفساد المتفشي في الحياة السياسية".

وترأس مرزوق الغانم، بعد فوزه في الانتخابات، مجلس الأمة بعد إيعاز الحكومة لوزرائها بالتصويت له مقابل تجاهل حليفها السابق علي الراشد الذي أعلن استقالته احتجاجاً على الحكومة، ومقاطعته لانتخابات 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. لكن "كتلة الأغلبية" التي بقيت على قرارها بمقاطعة الانتخابات في 2012 و2013 انقسمت إلى قسمين في هذه الانتخابات، قسم مشارك وآخر مقاطع. ويقول المشاركون إن الحراك السياسي طوال ثلاث سنوات فشل في إجبار الحكومة على التراجع عن مرسوم "الصوت الواحد" الذي أضر بالعملية الانتخابية، بل على العكس، سحبت الحكومة الجنسية من أكثر من 100 معارض، أبرزهم أمين عام مجلس الأمة الأسبق، عبدالله البرغش العجمي، والداعية الإسلامي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ نبيل العوضي، ورئيس صحيفة "عالم اليوم" المعارضة، أحمد الجبر الشمري، والإعلامي سعد العجمي الذي نفته الحكومة خارج البلاد.

وقال عضو الحركة الإسلامية الدستورية "حدس"، الجناح السياسي لجماعة "الإخوان" في الكويت، محمد الدلال، لـ"العربي الجديد""، إن الحركة قررت أثناء اجتماع مكتبها السياسي قبل شهر من حل البرلمان المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن عدم المشاركة يعني خلق حياة سياسية كاملة من غير المعارضة، كون مجلس الأمة هو المكان الوحيد الذي يسمح فيه للمواطن الكويتي بممارسة السياسة من دون قيود أو شروط. وأضاف "أولوياتنا واضحة ومحددة، وهي محاربة التقشف الاقتصادي الذي تقوم به الحكومة، والسعي إلى حل مشكلة سحب الجنسية والعمل على إزالة قوانين البصمة الوراثية والحبس الاحتياطي. سنحاول الإصلاح من الداخل، وبلا شك قطع الطريق على المفسدين". وتخوض الحركة الاسلامية الدستورية الانتخابات بأربعة مرشحين، كانوا أعضاء في "كتلة الأغلبية"، وهم أسامة الشاهين، وحمد المطر، وجمعان الحربش، ومحمد الدلال، وهي تحالفت مع أحد رموز المعارضة، عبدالله فهاد العنزي.

وكان تجمع ثوابت الأمة (كتلة سلفية مستقلة) أول من أعلن مشاركته في الانتخابات المقبلة على لسان أمينه العام، محمد هايف المطيري، برفقة عضو البرلمان السابق، بدر الداهوم، قبل أن ينفرط عقد المقاطعة بإعلان النواب المستقلين والمنتمين إلى "كتلة الأغلبية"، وعلى رأسهم وليد الطبطبائي، ومبارك الوعلان، والصيفي مبارك الصيفي، وعادل الدمخي، وعبد الرحمن العنجري، وعلي الدقباسي، وشعيب المويزري، وأسامة المناور، المشاركة في الانتخابات الحالية، لتتبعهم الحركة الدستورية، في إطار كسر للمقاطعة التي استمرت ثلاث سنوات، فيما تمسك أعضاء آخرون من "الأغلبية" بموقفهم من المقاطعة، مؤكدين أنهم لن يشتركوا في المسرحية المعدة سلفاً وأن الحكومة ستمارس نفس الدور الذي كانت تمارسه من قبل، عبر حل أي مجلس يقف في وجهها كما حدث عام 2012. ويتزعم هذا المعسكر زعيم المعارضة المسجون حالياً بتهمة ازدراء الأمير، مسلم البراك ورئيس مجلس المعارضة السابق، أحمد السعدون، وعبيد الوسمي، ومن الاسلاميين فيصل المسلم، وخالد سلطان بن عيسى، وعبد اللطيف العميري، وخالد الطاحوس، وخالد شخير المطيري، وفيصل اليحيى.

وقال الوسمي، في تصريحات صحافية، إن "الشعب الكويتي أخذ، خلال السنوات الماضية، جرعة فهم كبيرة وعالية، أوضحت له حقيقة المقاطعة. أما مشاركة عدد من الأشخاص فتعود لهم، وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها بعض السياسيين عن إجماع سياسي عام. هم لهم مرئيات بأن المقاطعة أوصلت رسالة، والآن يشاركون، كما يرون، لتلافي الخسائر وليس شرعنة ما حدث سابقاً. والأمر الآخر أن المقاطعة كانت خياراً للشارع، وليست خياراً للأفراد، وهذا الذي يجب أن يفهمه بعض البرلمانيين. في الفترة الماضية الناس أخطأوا بربط المقاطعة بالأغلبية، والمعارضة السياسية ليست الأغلبية، إنما الأغلبية هي جزء من الاعتراض السياسي. كل ما حدث أن المظاهر المادية للاعتراض خفت نتيجة التضييق الحاصل، كما رفعت الحكومة أكثر من ألف قضية ضد الأشخاص". وأضاف "ما الفائدة من المشاركة إذا كانت جميع القوانين، التي لا تريدها الحكومة ونجح المجلس في تمريرها، ستبقى حبيسة الأدراج. هذه مسرحية لن نقبل المشاركة فيها أبداً، إذ إن الخلل في بنية البرلمان نفسه وليس في أعضاء البرلمان أو غيرهم". وأعلنت عدة تيارات سياسية مقاطعتها للبرلمان، أبرزها الحركة المدنية "حدم"، والمنبر الديموقراطي، والحركة الشعبية "حشد" التي يقودها مسلم البراك، وحزب الأمة الإسلامي الذي يقوده حاكم المطيري. ورأى مراقبون أن الحركات المقاطعة، سوى "حشد"، لا تملك أملاً في الانتصار في البرلمان المقبل، كون مرسوم "الصوت الواحد" سيضعف حظوظ مرشحيها الذين كانوا يعتمدون في الأغلب على التحالفات السياسية والطائفية.