حين سُئلت الروائية البريطانية دوريس ليسينغ إن كان في رواياتها أحداث من حياتها، أجابت: "لماذا أعيد كتابة حياتي، أليس هذا مملاً!". تبدو ليسينغ محقة إلى حد كبير، لا سيما إذا فكرنا أن الأدب هو لعبة الخيال، وإذا فقدت هذه اللعبة أداتها الأساسية، أي الخيال، تفقد متعتها وتصبح مملة ومكررة.
رغم ذلك، لا شك أن الكتّاب والكاتبات يستخدمون حياتهم في أدبهم، وربما يلمحون إلى ذلك. الروائي اللبناني رشيد الضعيف مثلاً يطلق اسمه على أبطاله في كثير من رواياته، وقد فسر ذلك مرة بأنه يحاول إرضاء فضول القارئ المتلصص، أي أنه في هذه الحالة يرمي طُعماً للقارئ.
لكن الأمر مختلف حين يكون مؤلف الرواية أو القصيدة امرأة، إذ يبدو أن درجة الفضول ترتفع ويحمّل القارئ الكاتبة نقائص بطلاتها معتبراً نفسه يقلّب في يومياتها، وليس في كتابة لعب الابتكار الدور الأساسي فيها.
حين نشرت الروائية المصرية منى الشيمي قصة "بياع الحلوين" التي تدور حول شخصية لصة، ناداها كثيرون بـ "السارقة". تقول صاحبة "بحجم حبة عنب" لـ "العربي الجديد" إنها كانت تظن أن استمرارها في الكتابة كفيل بأن يبدأ القارئ بالفصل بينها وبين شخصياتها، لكن الأمور تفاقمت حين نشرت قصتها "إيقاع البندول" و"أصبحت، أقرأ في عيون المحيطين نظرات شك وكأنني الزوجة الخائنة وليست بطلة القصة".
تعيش الشيمي في جنوب مصر، حيث المجتمع ما زال يتدخل في خصوصيات المرأة. تقول: "منذ بدأت الكتابة، وأنا موصومة بتصرّفات شخصياتي، ومسؤولة عن أخلاقهن. ربما يكون استخدام ضمير المتكلم في السرد هو السبب في الربط بيني وبين الشخصيات". وتضيف: "لم أعد أهتم كثيراً، يسعدني أن أكون امرأة ملتبسة في أذهانهم".
أمّا الروائية اللبنانية لنا عبد الرحمن فتعترف بأن كتابتها تحمل الكثير من حياتها، بنفس القدر الذي تحمل فيه تفاصيل لا تخصّها أبداً، وتلفت لنا أن همّها الفعلي أن تنجح في رسم البناء السردي الأمثل للرواية وشخصياتها من دون الاكتراث بالشكوك التي تثار حول الكتابة، مشيرة إلى أنها، في بعض الأحيان، كما حدث في روايتها "أغنية لمارغريت"، تقاطعت فعلاً مع مشاعر بطلتها.
الروائية المصرية منصورة عز الدين كان لها رأي مختلف قليلاً في ما يخص التلصص، ولا تقصره فقط على كتابة المرأة لتقول: "يُخيّل لي أن التلصص لصيق بفعل القراءة على إطلاقه. من الفضول نبعت الرغبة في القراءة".
وتضيف صاحبة "متاهة مريم" أن الأمر لا يتعلق فقط بالقراء العاديين، بل بالنقاد الذين كثيراً ما ربطوا بين شخصيتها وشخصية بطلة هذه الرواية. تذهب عز الدين بعيداً حين تستذكر مقولة كونديرا في سياق حديثه عن وليام فوكنر: "الروائي يهدم بيت حياته ليبني بحجارته بيتاً آخر، بيت روايته"، فتقول "طموحي المستحيل هدم بيت حياتي بل حياتي نفسها لبناء بيت أعمالي الفنية".
تتفق الروائية السورية مها حسن، المقيمة في فرنسا، مع عز الدين، وترى أن ثمة خلطاً يصلها من القراء بين حكايات شخصياتها وبين حياتها الخاصة. وتوضّح أن الكتابة العربية لا تزال تنتمي إلى المنطقة الملبدة بغيوم النميمة والثرثرة، ما يؤثر بالتأكيد عليها ويجعلها مشلولة.
ورغم أن صاحبة "الروايات" تعيش حالياً في فرنسا، إلا أنها ما زالت تقلق عند استخدامها عبارات جنسية، فهذه العبارات في الأدب العربي تلقى استهجاناً ليس فقط من القارئ الحيادي، بل من النخب.
أما عن المضاهاة بين الكاتبة وحياتها الشخصية، فترى الروائية المصرية عزة سلطان أن هذا الأمر مزعج حقاً، لكنها تعتبر الجدل المثار حول كتابتها في كل مرة مكسباً لها. تستخدم سلطان تعبيرات جنسية صريحة، كما هو الأمر في روايتها الأخيرة "تدريبات على القسوة"، حتى أن بعض المكتبات رفعت الرواية من العرض كي لا "تخدش الأخلاق العامة". لا تنكر سلطان أن الإبداع تثريه التجارب والخبرات الشخصية والحياتية، لكن ذلك لا يعني أن العمل الأدبي مجرد نافذة تطل على الحياة الخاصة للكاتبة.
الشاعرة العراقية منال الشيخ، التي ربما تساعدها إقامتها في النرويج في الكشف عن تفاصيل من حياتها الخاصة، تقول إنها كثيراً ما تُسأل عن أبطال قصائد الحب التي تكتبها، وبعد أن تشير إلى الروائية التشيلية ايزابيل الليندي التي قالت إنها وجدت صعوبة كبيرة في البوح عن كثير من أسرارها لأن والدتها ما زالت على قيد الحياة، تنوّه الشيخ:
"وجدتُ وأنا أكتب ذاكرتي أن هناك بعض الأسرار التي لا أحتمل تدوينها حتى ولو بشكل مموه، وبظني أن ما نملكه الآن ليس أسراراً بمعنى الكلمة، وإنما إخفاقات وخيبات نكابر في أن نعلن عنها، وننزعج عندما يتلصص عليها الآخر أو يفسر ما نكتب".
وفي ما يخص الكتابة عن الحب والجنس الموضوعين الأثيرين لدى محبي التلصص، تبيّن صاحبة "رسائل لا تصل" أن الكاتبة تريد أن تفصح عن الحب والمحبوب احتفاء بالحالة، والقارئ يحاول أن يملأ ما بين السطور.