القضاء التركي ساحة للعراك السياسي مجدّداً

24 ديسمبر 2014
احتجاجات إعلاميين ضدّ الاعتقالات في أنقرة (أوزان كوزيه/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال القضاء التركي طرفاً أساسياً في اللعبة السياسية التركية منذ تأسيس الجمهورية. وتحوّل في الفترة الأخيرة إلى حبل تجاذب بين التيارات السياسية، أهمها العلمانيون والإسلاميون، الذين تعرضوا في الفترة الأخيرة لانشقاقات نقلت النزاع من علماني ـ إسلامي إلى إسلامي ـ إسلامي يسير بشكل واضح نحو حسم المعركة لصالح حزب "العدالة والتنمية"، ضدّ ما يطلق عليه الأخير "الكيان الموازي"، ممثلاً بحركة "الخدمة" بقيادة الداعية، فتح الله غولان.


واعتادت الحياة السياسية التركية في العقد الأخير على تفجير قضايا تثير الرأي العام، من قضيتي "الإرجنكون" و"المطرقة"، اللتين أدتا إلى إنهاء، أو الحدّ، من الوصاية العسكرية، ومنح المزيد من السلطات إلى الحكومة المدنية. وفجّر هاتين القضيتين تحالف إسلامي مكون من "العدالة والتنمية" وحركة "الخدمة"، قبل تحول التحالف الى حرب بين الأخيرين.
ليتحول عام 2014 إلى القضايا التي تعكس النزاع بين "العدالة والتنمية" وحركة "الخدمة".

وتربع على رأس هذه القضايا قضية "الفساد"، التي مثلت ضربة قوية لحزب "العدالة والتنمية"، طالت عدّة وزراء ومقرّبين من رئيس الوزراء حينها رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، ليردّ الأخير بسلسلة من القضايا ضدّ حركة "الخدمة"، كان آخرها قضية "التحشية جيلار". والأخيرة هي جماعة دينية سلفية تتمركز بشكل أساسي شرق البلاد، وتسمى "التحشية" نسبة إلى كتابة الحواشي، وكانت معروفة بعدائها لحركة "الخدمة". وجرى في قضية "التحشية" الأخيرة اعتقال عدد من الصحفيين وضباط الأمن المقربين من "الخدمة"، وأثارت ردود فعل عالمية ومحلية.


ويعود تاريخ القضية إلى عام 2010، حين تم اعتقال أكثر من 120 من الناشطين في جماعة "التحشية" من بينهم زعيم الحركة محمد دوغان الذي قضى أكثر من 17 شهراً في السجن بتهمة الارتباط بتنظيم "القاعدة".
غير أن الحكومة أعادت فتح الملف مرة أخرى في إطار صراعها مع حركة "الخدمة"، مشيرة إلى أن القضية كانت ملفّقة ومعدّة من قبل "الكيان الموازي"، لتدمير هذه المجموعة التي كانت تناصب حركة "الخدمة" العداء.

وكان موقع التسريبات "ويكيليكس"، قد كشف تفاصيل حول قضية "التحشية"، إذ أكّدت وثيقة مؤرخة بتاريخ 27 كانون الثاني/ يناير 2010 ومرسلة من سفير الولايات المتحدة لدى أنقرة، جيمس جيفري، إلى واشنطن، بأن جماعة "التحشية لا تهدد بأي خطر على الولايات المتحدة الأميركية"، وتنفي أي علاقة تنظيمية بين الجماعة وتنظيم "القاعدة"، بحسب ما ادّعت القضية حينها.


ويؤكد السفير جيفري في الوثيقة بأنه لا علاقة بين المتهمين وتنظيم "القاعدة"، قائلاً "أشار كل من الشرطة التركية والصحافة إلى المحتجزين على أنهم مرتبطون بالقاعدة، لكن تقييمنا المبني على أساس علاقاتنا بالشرطة التركية وباقي أجهزة الأمن التركية هو أن المشتبه بهم لا علاقة لهم بالقاعدة، بدلًا من ذلك، يتم استخدام تنظيم "القاعدة" من قبل وسائل الإعلام والشرطة كمصطلح جامع للمتطرفين الإسلاميين المشتبه بهم بغض النظر عن الانتماء التنظيمي، أو ما إذا كان لديهم الانتماء التنظيمي".


ويضيف السفير "يبدو أن الاعتقالات وقائية. ربما كانت أهداف الشرطة التركية هي تعطيل بذرة خلية إسلامية بأن تظهر لأعضائها بأنهم تحت المراقبة، ونحن نعرف بأن التهم الموجهة للعديد من المعتقلين قد يكون من الصعب إثباتها".
ورغم أنّ جماعة "التحشية تحمل أفكاراً متطرفة، ليس لديها أي تاريخ من العنف. كما يتجنّب زعيم الجماعة محمد دوغان التعبير عن تلك الآراء المتطرفة في الإعلام، كي لا تُربط الجماعة بـ"القاعدة"، ويقول في برنامج تلفزيوني عُرض أخيراً على قناة "سي أن أن" التركية: "أنا أحب أسامة بن لادن لإيمانه كمسلم، ولكن لا أعرف عن منظمته أي شيء، حتى أني لست مهتماً بالسياسة ولا متابعة الأخبار".


ويبدو أن أعضاء جماعة "التحشية" قضوا أشهراً في السجن رغبة من السلطة في فرض هيبتها، أو ربما بسبب رغبات حركة "الخدمة" بمعاقبة جميع معارضيها من باقي الحركات الإسلامية. وتعود اليوم جماعة "التحشية" مرّة أخرى إلى الأضواء كأداة في الصراع بين "العدالة والتنمية" وحركة "الخدمة".
وهكذا، يستمر القضاء التركي، كما كان منذ تأسيس الجمهورية، أداة سياسية تخدم مصالح الدولة العميقة منذ إعدام رئيس الوزراء التركي السابق عدنان مندريس بمحاكمة صورية على يد انقلابيي عام 1960، وليس كسلطة مستقلة مهمتها ضمان العدالة في البلاد.
المساهمون