القروض الحكومية تغرق القطاع البحري في الجزائر

11 يونيو 2016
56 ألف صياد يعملون في الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -


تحولت من صياد عاطل إلى صيادٍ مدين بخمسة ملايين دينار جزائري ( 45.5 ألف دولار) للدولة .. بهذه العبارة يلخص الشاب سعيد امزوقان، أحد أصحاب قوارب الصيد بميناء "الجميلة"، غرب العاصمة الجزائرية، حياته وحياة الآلاف من مهنيي قطاع الصيد البحري، الذين لم يجدوا وسيلة لإنعاش نشاطهم سوى الاقتراض من الحكومة.
يعود امزوقان في حديثه مع "العربي الجديد"، سبع سنوات إلى الوراء، حين قرر خوض تجربة إنشاء مشروع خاص به يتمثل في اقتناء قارب صيد من الحجم المتوسط يعمل فيه 5 عمال، وكان أول مقصد توجه إليه صاحب 39 ربيعا هو "الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب"، أو ما يعرف في الجزائر اختصاراً بوكالة "لوسناج".

وتمنح "لوسناج" الشباب البالغين من العمر بين 30 إلى 50 سنة ذوي الشهادات المهنية أو تعليم معين، قروضا من أجل إنشاء مؤسسات صغيرة أو نشاط حرفي أو مهني مُصغر، مع إعفاء من دفع الضرائب في السنوات الأولى من إطلاق المشروع.
وتعد هذه الصيغة من القروض الموجهة للشباب، من بين الملفات التي راهن عليها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة فور انتخابه للمرة الأولى سنة 1999، وظلت تستعمل كورقة انتخابية من محيط الرئيس عند الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية في البلاد، وبلغ الأمر إلى حد مسح ديون المستفيدين الأوائل من قروض "لونساج" قبل عقد من الآن.
إلا أن حلم امزوقان ومعه الآلاف من الصيادين، بات مهددا بالإجهاض، وذلك بعد تلقيهم للإنذار الثاني من طرف وكالة "لونساج" قبيل الشهر الجاري بأيام قليلة، تدعوهم فيها الوكالة إلى تسديد الديون المترتبة عليهم، والتي تصل لدى بعض الناشطين في مجال الصيد البحري إلى 75% من قيمة القرض، وإلا ستتوجه الوكالة إلى القضاء من أجل الحجز على الأصول إن لزم الأمر بذلك.
ويرى، صاحب قارب "الياقوت" لصيد السردين بميناء "شرشال" بمحافظة تيبازة، غرب العاصمة الجزائر، الذي عرف نفسه بـ" رضوان"، والمستفيد من قرض "لونساج"، أن هذا القرار "يعد مجحفا في حق الصيادين، وخاصة أن قطاع الصيد البحري يعيش ركودا غير مسبوق".



ويعدد المتحدث ذاته، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، المشاكل التي يوجهها مع زملائه الناشطين على طول 1200 كلم من الشريط الساحلي للجزائر، قائلا: "في وقت تدعونا فيه الحكومة إلى دفع ديوننا، ندعوها نحن إلى النزول إلينا للوقوف على حجم المعاناة التي نعيش فيها".
وتابع: "يشتغل في فريقي 8 عمال يجب أن أدفع شهريا اقتطاعاتهم في الضمان الاجتماعي مع احتساب مرتباتهم، تضاف إلى ذلك مصاريف الوقود والصيانة الدورية واليومية للعتاد وللقارب والتي تبلغ يوميا 20 ألف دينار(190 دولارا)، في حين أبيع يوميا ما بين 50 ألف دينار (450 دولارا) إلى 150 ألف دينار (1300 دولار)، حسب حال البحر، دون احتساب أيام الشتاء التي لا نخرج فيها إلى الصيد".

ويتساءل رضوان: "كيف يمكن لي أن أدفع القسط الشهري للوكالة، وكيف سأعيش أنا وعائلتي وكم سأدخر في نهاية الشهر، كان ممكنا لو تدخلت الحكومة الجزائرية من خلال توفير عقود تلزم الفنادق والشركات بشراء السمك من عندنا أو أن تمنحنا هيئة تساعدنا على تطوير قدراتنا في تسيير المشاريع، إذ لا يعقل أن تُمنح القروض لشباب دون متابعتهم دوريا وتقييمهم".

ويتفق العديد من الصيادين ممن التقتهم "العربي الجديد" ليلة أول أيام شهر رمضان بميناء "الجميلة" الشهير، غرب العاصمة الجزائرية، على أن الحل الأمثل لهذه المعضلة هو في اتخاذ قرار سياسي يسمح بـ"مسح ديون" الصيادين، كما فعلت الحكومة من قبل مع الذين استفادوا من قروض "لونساج"، أو كما فعلت قبل سنوات مع المزارعين الذين تم مسح ديونهم كاملة، في سياق إعادة تحريك عجلة القطاع الفلاحي.

ويأتي اقتراح مسح ديون ممتهني الصيد البحري عقب إطلاق رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال لوعود عشية الانتخابات الرئاسية السابقة في البلاد قبل سنتين، بمسح ديون "لونساج" في حال فوز الرئيس بوتفليقة بمدة رئاسية رابعة.
إلا أنه بعد فوز الرئيس بوتفليقة بالمدة الرابعة، نفى مدير الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب في العديد من المرات أن تكون قضية مسح ديون المستفيدين من قروض "لونساج" في أجندة الوكالة، خاصة في الوقت الراهن الذي تعيش فيه البلاد وضعية اقتصادية صعبة بفعل تهاوي إيرادات النفط بنحو 70%.

وكشفت أرقام رسمية صادرة عن وزارة العمل، أن الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب سمحت بتمويل 1143 مشروعا تخص قطاع الصيد البحري، مكّنت من خلق 5400 فرصة عمل، بمبلغ استثماري إجمالي ناهز 7 مليارات دينار جزائري، منها 1.7 مليار دينار منحت كقروض بدون فوائد.
ويقول رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري حسين بلوط، لـ "العربي الجديد"، إن عدد المطالبين برد قروضهم هو 2500 من أصحاب القوارب الصغيرة و5500 من أصحاب القوارب الكبيرة، موزعون على المحافظات الساحلية الأربع عشرة.
ويبلغ عدد الصيادين في الجزائر نحو 65 ألف شخص، كلهم معنيّون بقضية القروض التي باتت تهدد القطاع كاملا.

ويضيف بلوط أن "الديون باتت تثقل كاهل الصيادين، منهم من علّق عمله، ومنهم من باع مجوهرات عائلته حتى يدفع مستحقاته لدى الوكالة، ومنهم من بلغ به الأمر إلى حد إغراق قاربه هروبا من المتابعة القضائية".
وينتقد عدم أخْذ الضرائب والوكالة المانحة للقروض بعين الاعتبار فترة توقف الصيادين عن النشاط بفعل الأحوال الجوية السيئة أو في فترة "الراحة البيولوجية" للسمك المنصوص عليها في القانون الجزائري.

ويؤكد أن بعض الصيادين وأصحاب قوارب الصيد اضطروا للعمل في نقل المهاجرين السريين للضفة الشمالية من المتوسط إلى أسبانيا وإيطاليا لكي يوفروا بعض الأموال.
ولم يخف رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري ، سخطه من طريقة تسيير قطاع الصيد البحري من طرف الحكومة الجزائرية، التي "لا تولي اهتماما للقطاع رغم الإمكانات التي تزخر بها البلاد، ونظرا للوضعية الاقتصادية التي تلزم الجزائر بفك ارتباط اقتصادها بالريع النفطي".

وكان تقرير أعده الاتحاد الأوروبي مطلع السنة الجارية، قد أقر بأن الجزائر تضيّع فرصة توفير أكثر من 500 ألف وظيفة في قطاع الصيد البحري، إلا أنّ الجزائر، بحسب التقرير، فضّلت عدم الاستثمار في هذا القطاع لأسباب مجهولة، في حين يبلغ المعدل السنوي للإنتاج السمكي في الجزائر نحو 18 ألف طن، وهو رقم بعيد عن الجارتين الشرقية والغربية للبلاد تونس والمغرب.

المساهمون