الفساد يهيمن على مناقشة البرلمان اللبناني مشروع موازنة 2018

29 مارس 2018
لم يُعتقل مسؤول بتهمة الفساد رغم الإقرار بوجوده (البرلمان)
+ الخط -
بدا الاعتراف بالفساد والعجز عن مكافحته في لبنان عنواناً بارزاً فرض نفسه على مناقشات مشروع الموازنة العامة لسنة 2018 في مجلس النواب على مدى يومين، والتي اختتمها بإقرار الموازنة مساء اليوم الخميس.

وقد صوّت مساء اليوم 50 نائباً بالموافقة على مشروع الموازنة، بينما عارضه نائبان، وامتنع 11 نائباً عن التصويت، علماً أن موازنة 2018 تتوقع عجزاً قدره 4.8 مليارات دولار، بانخفاض ضئيل عن موازنة 2017.

في اليوم الأول، قال رئيس كتلة المستقبل النيابية، رئيس الحكومة السابق، فؤاد السنيورة، إن "الإدارات أصبحت غير منسجمة مع أحكام ومقاصد الدستور أو مع أحكام القانون، وإن الإدارة أصبحت وكأنها أدوات يستعملها البعض للفساد والإفساد من دون أي وازع أو رادع، مسلحة بالحمايات السياسية والطائفية والمذهبية والدعوات الشعبوية والعنصرية".

واعتبر أن "هذا الواقع أصبح يشكل عقبة كأداة تحول دون أداء الإدارة دورها في خدمة الصالح العام أو خدمة مصالح المواطنين وتحول دون تمكين القطاع الخاص من أداء دوره بالإسهام في تحقيق النهوض الاقتصادي".

ورأى أن "هناك حاجة ماسة إلى أن تكون سياساتنا ومواقفنا واضحة على الصعد الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والإدارية"، معدّداً جملة أمور، منها "إعادة الاعتبار إلى الوظيفة العامة وإعادة الاعتبار لمبادئ احترام الكفاءة والجدارة والأداء والإنجاز في تولي المسؤوليات العامة، وذلك مع احترام التوزيع الطائفي وفي الحدود التي يؤكد عليها الدستور، لا سيما في ما تنص عليه المادة 95 من الدستور".

وأضاف إلى ذلك "الحرص على مبادئ الحوكمة والمسؤولية على قاعدة أن لا أحد هو فوق المساءلة والمحاسبة على أساس الأداء. كما الحرص على عدم استتباع الدولة وإداراتها لمصلحة السياسيين والأحزاب والطوائف والمليشيات، حرصاً على المبادئ الواجب الالتزام بها من أجل التصدي العملي والفعلي للفساد والإفساد وأدواته ودعاته".

في السياق، رأى عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور أن "تجربة وزارة الدولة في شؤون مكافحة الفساد هي تجربة فاشلة... وباتت عبئاً على الحكومة والدولة، والمطلوب إلغاء هذا التكليف قبل الانتخابات أو نقل التكليف إلى وزير آخر"، مستغرباً أنه "حتى الآن لا يوجد مفسد واحد!".

وتساءل أبو فاعور: "هل يستطيع أن يُنجز وزير مكافحة الفساد تقريراً حول موضوع بواخر الكهرباء؟". 


ومن خارج ردهة مجلس النواب، غرّد رئيس اللقاء الديمقراطي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على "تويتر" قائلاً إن "هندسة الموازنة تُضلل من كثرة الفذلكات. المطلوب موازنة لتغطية عجز الإصلاح تحضيراً لباريس 4 (مؤتمر المانحين)، حيث لائحة بمشاريع ستزيد من العجز، عجز الخزينة وليس عجز المتعهدين".

وتساءل قائلاً: "أين الأملاك البحرية؟ وأين نظام التقاعد؟ وأين التدبير رقم 3؟ وأين وقف التوظيف؟ وأين وقف السفر العشوائي وغيرها وغيرها؟".

وتحت قبّة البرلمان، قال نائب كتلة الوفاء للمقاومة (عن حزب الله)، النائب علي فياض، في اليوم الأول من مناقشة مشروع الموازنة، إن "المقاربة في معالجة الفساد أشبه بالمقاربة الشعاراتية، والمطلوب أن تكون هناك مقاربة علمية".

في الإطار عينه، تحدث النائب بطرس حرب، قائلاً: "لقد تناست الحكومة أن أحد شروط المجتمع الدولي الصديق قيام سلطة قضائية مستقلة، وأن ذلك يشكل العنصر الأساسي المشجع لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في لبنان وتوفير فرص العمل للبنانيين... لقد وعدتم الشعب بمكافحة الفساد، ويا ليتكم لم تعدوا".

وتابع حرب: "نسي الناس أنكم أنشأتم وزارة لمكافحة الفساد، لأنها أُنشئت على الورق ولم نشهدها تفتح ملفاً واحداً أو تلاحق فاسداً واحداً، كما لم تطلب سجن مرتكب أو مخالف، بل أكثر من ذلك قمتم بكل أعمالكم ومنعتم على وزير مكافحة الفساد التحرك، فبقي الفساد وطارت مكافحة الفساد".

وخلص إلى القول: "لقد تعاظمت المشكلات معكم... عجز الكهرباء بلغ 31 مليار دولار، ولا نزال ندور في حلقة مفرغة... تتمسكون بصفقة البواخر المشبوهة، وتحاولون فرضها على إدارة المناقصات خلافاً للقوانين، وكأنكم تريدون الصفقة وتوابعها ولا تريدون الكهرباء".

واليوم الخميس، استأنف مجلس النواب مناقشة مشروع الموازنة بكلمة لوزير المالية علي حسن خليل، استهلها بالقول إن "وزارة المال قدمت الموازنة في موعدها الدستوري في أغسطس/ آب، لكن الظروف وتأخير إقرار موازنة 2017 أخّر إقرارها".

ثم جاء الإقرار الرسمي الأول (غير المباشر) بأزمة الفساد من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي قال: "نريد محاربة الفساد، وكل فاسد نريده أن يدخل السجن حتى لو كان من "تيار المستقبل" (الذي يتزعّمه الحريري)، ونحن نعمل على تقوية الأجهزة الرقابية".

أما رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) النائب محمد رعد، فقال: "استمعنا إلى رئيس الحكومة، ولمسنا حسن النية لديه، وهناك أمور تحتاج إلى تعاون لما فيه مصلحة الخزينة والمواطن، لكن هناك عبارة قالها إن الفساد مجرّد إشاعة، والأمر ليس بهذه البساطة، كلنا نعرف أنه يوجد فساد في البلد، لكن نحن معنيون في المجلس والحكومة بمتابعة الثغرات التي يتسلل منها الفساد والهدر".

من جهته، تحدّث رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، عن "ضرورة إصلاحية بإخضاع القروض والهبات إلى الرقابة المسبقة، لأن (الرقابة) اللاحقة أدت إلى صرف 200 مليار دولار منذ التسعينيات بلا رقابة".

وتابع كنعان: "نريد احترام الأصول وحماية المال العام. وكنت أتمنى على من يتحدث عن الهدر والفساد لو شارك في جلسات لجنة المال، حيث قمنا بعمل تدقيقي ورقابي جدي. وفي موضوع القروض والهبات، التزموا بالأصول أو عدّلوها، لأن التجربة دلت على أن الرقابة اللاحقة ليست برقابة".

ويبقى أن المعضلة الأساسية في مسألة مكافحة الفساد في لبنان عدم الإعلان عن اسم أي مفسد في أي مجال كي تتم محاسبته أمام الرأي العام ومحاسبة المرجعية السياسية التي تحميه، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، عندما نقل عن رئيس الحكومة أنه "قال هناك فساد، لكنه قال أعطونا أسماء الفاسدين".
دلالات
المساهمون