الغارات الجوية الأخيرة على سورية

21 ابريل 2018
+ الخط -
اندفع كثيرون إلى الحديث عن احتمال حرب عالمية ثالثة وإعادة سيناريو العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، بعد الحملة العسكرية الثلاثية التي قادتها كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا واستهدفت فيها مواقع لقوات النظام السوري، قالت عنها مصادر من التحالف إنها منشآت ومخازن تحوي مواد كيميائية. الضربة جاءت كردّ على اختراق جديد من طرف قوات النظام السوري لما سماه الرئيس الأميركي "الخط الأحمر"، المتمثل في استخدام المواد السامة في مدينة دوما، لكن ردود الفعل بعد الضربة التي وصفها بعضهم بالمحدودة وبعض آخر بالاستعراضية، جاءت نتيجة التشكيك في فاعلية الهجوم، وما هي الأهداف والترتيبات المستقبلية بعد الضربة؟ كي نجيب عن هذه التساؤلات، يحتاج الأمر إلى توضيح التباين الموجود وسط هذا التحالف الثلاثي:

الولايات المتحدة الأميركية

منذ دخول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في واشنطن كان واضحًا جدًا عدم رغبة الولايات المتحدة الأميركية في التورط العسكري أو المواجهة الحربية مع الجانب الروسي أو الإيراني في المنطقة السورية. يعكس هذا الموقف التغييرات التي مسّت وزارة الخارجية ومستشار الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية. كثير من الملاحظين رأوا في تلك التغييرات عدم استقرار الإدارة الأميركية على قرار مشترك في التعامل مع الملفات الخارجية والأمنية، كالملف الإيراني أو كيفية التعامل مع الشأن السوري. ضبابية عكسها إعلان دونالد ترامب في وقت سابق من الشهر الجاري عزمه سحب القوات الأميركية، التي يبلغ قوامها ألفي جندي، من الأراضي السورية، الأمر الذي فاجأ متتبعي الشأن الدولي حول حيثيات هذا التدخل، تعود أسباب هذا التردّد في الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية، وفق مصادر صحافية أميركية، إلى اعتبارات شخصية مرتبطة بالرئيس الأميركي. فالتحقيقات بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لا تزال قائمة، والعلاقة التي تربط ترامب بالرئيس بوتين لا تزال حديث الصالونات السياسية والدوائر الأمنية. ولكن المؤكد أن هذه الضربة العسكرية الناعمة هي رسالة موجهة خصوصًا إلى إيران أكثر من كونها استهدافاً النظام السوري في المنظور الأميركي. إيران هي الجهة العقائدية التي يمكن لها أن تبرر استخدام المواد السامة في تصفية المكونات الطائفية غير الشيعية، كون استعمال هذا النوع من السلاح المحظور دولياً يهدف إلى استئصال وإبادة العنصر البشري بكامله من منطقة ما.

 

الموقف الفرنسي

قال الرئيس الفرنسي ماكرون في مقابلة تلفزيونية إن الضربة العسكرية حققت أهدافها العسكرية "لكن لم نعلن الحرب على نظام الأسد، بل هناك رغبة في الوصول إلى حل سياسي شامل يجمع كل الجهات الفاعلة في الأزمة السورية". تصريحات ماكرون هي الرسالة الواضحة التي تحدد فعلياً أهداف الضربة أو أهداف الجانب الفرنسي. إذن هناك علاقة بين الضربة العسكرية وملف المفاوضات السياسية. فماكرون من أكثر الشخصيات الحريصة على بقاء بشار الأسد في الحكم كمرحلة انتقالية تفادياً للتجربة العراقية، ويريد إعطاء المعارضة السورية أوراقاً تفاوضية في الجولة المقبلة من المفاوضات، وتحقيق التوازن على مستوى الصراع، وهذا ما يسميه خبراء الحرب من أجل السلام، أي تحقيق توازنات بين الأطراف المتنازعة من أجل إيجاد أرضية تفاهم. فالنظام السوري توفُّر له روسيا كل الحماية السياسية والدبلوماسية وحتى اللوجستية، وتبقى المعارضة في حاجة إلى الدعم وتأكيد المجتمع الدولي بعدما خسرت الحرب على أرض الواقع.

 
الجانب البريطاني

منذ اندلاع الأزمة السورية، كانت مواقفه دائماً تعبر عن الموقف الأميركي والأوروبي وتبحث عن غطاء دولي شرعي لتدخل إلى سورية، كون الرأي العام البريطاني لديه حساسية مفرطة من التدخلات الأجنبية، خاصة بعد تجربة التدخل البريطاني في العراق بقيادة توني بلير، بعد أكذوبة امتلاك العراق أسلحة نووية. فقد عبرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن فشل الجهود الدبلوماسية في الماضي، وعدم فعاليتها في الحاضر في ردع النظام السوري عن استعمال الأسلحة الكيميائية، إذ إن استخدام القوة لدواعٍ إنسانية وإضعاف قدرات النظام السوري بمجال الأسلحة الكيميائية هو أمر ضروري. توضح السيدة ماي أن الضربة ليست تدخلاً في شأن "الحرب الأهلية"، ولا بقصد تغييرات في معادلات القوى على أرض الواقع، بل لردع حكومة دمشق عن استخدام المواد السامة أو غاز الأعصاب في استهداف المدنيين.

تقول ماي "كنا نفضّل اتخاذ مسار مختلف، لكن هذه المرة لم يكن أمامنا مسار بديل". القراءة الأولية في خطاب السيدة تيريزا هو أنها تبحث عن مبررات إنسانية لشرعنة التدخل العسكري، وفي تصريح لـ"بي بي سي" قال وزير الخارجية البريطاني جونسون: "إن الهجمات على سورية استهدفت إرسال رسالة مفادها "الكيل قد طفح"، وتابع "الأمر لا يتعلق بتغيير النظام".

واضح جداً أن دواعي الضربة العسكرية على سورية كانت أهدافها مختلفة بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، وهذا ما ستسفر عنه الترتيبات المستقبلية ما بعد الضربة. الولايات المتحدة وبريطانيا تريدان تقويض التدخل الإيراني في المنطقة، خدمة لإسرائيل وبعض الدول الخليجية المنزعجة من تغوّل طهران في الإقليم، وفرنسا تريد حلاً سياسياً توافقياً يبعد الانهيار الكامل للدولة السورية، ويفتح الطريق أمام مسار سياسي تصالحي، لكنه يبقى معقداً في وجود أطراف أخرى تبقى تمتلك أوراقاً على أرض الواقع كتركيا، لكن الأكيد الآن هو أن الرهان على إسقاط بشار الأسد من الحكم واستبعاده من خلال عمل عسكري ليس رغبة المجتمع الدولي، بما فيه التحالف الثلاثي.