31 مارس 2019
جسد المرأة بين أنامل بيكاسو وأعين التطرف
بلوحة بانورامية مرسوم عليها الخريف الباريسي يستفتح كمال داود نصه السردي الأخير الصادر باللغة الفرنسية "الرسام يفترس امرأة" عن منشورات "البرزخ"..
بين شوارع مدينة باريس المتسعة والمنفتحة والجميلة، ومبانيها الفريدة ومحلاتها التجارية الزجاجية الفاخرة والأنوار المضيئة المنتشرة عبر أزقتها عنوان الحياة الزاهية والسعيدة، يتسلل العربي أو هذا الرجل الجنوبي المتحدر من الضفة الأخرى المتوسطية داخل تلك المدينة ليجد نفسه مشتتا ومشوشا ومرتبكا بين صخب وضجيج الشوارع، تحاصر المدينة هذا العربي، تزعجه الأنوار وقبلات العاشقين والعاشقات والنساء العاريات الفاتنات وصور للافتات عليها أجساد عارية وتضايقه الرقابة الأمنية ونظرة الناس المتوجسة والخائفة، فباريس تعرف موجة من أعمال إرهابية.
يختفي العربي عن الأنظار ليقضي الليلة بداخل متحف بيكاسو بجانب لوحات فنية للرسام العالمي، تثير اللوحات فضوله وتشعل رغباته الشهوانية وتوقظ حسه الرافض واللاعن والمستنكر أمام لوحات رسمت عليها أجساد نسائية عارية بأنامل فنية رائعة.
ينتقل بنا كمال داود من الجو البارد الباريسي الخارجي إلى عوالم حوارية داخلية تدور بين الراوي وبين شخصية ثنائية متمثلة بداخله يضع لها اسم عبد الله.
عبد الله يترجمها الكاتب إلى عبيد الله هكذا دون اسم أو هوية ما عدا وظيفة العبودية ودون عنوان أو انتماء، دون تاريخ أو ماض ولا حتى حاضر أو مستقبل ما عدا الهوس بالغيب والغيبيات.
أمام لوحات بيكاسو التي تحكي عن الجسد والمرأة عن الفن والجنس وعن الرغبة الإيروسية، عن الحرية والتحرر، يرسم كمال داود عبرها تصورات ونصوصا تعكس آراء بين شخصيتين مختلفتين، متصارعتين، يحمل كل واحد رؤى متباعدة متناقضة تجاه اللوحات الفنية، تجاه الغرب، تجاه الشرق والجنوب، كشخصية سكيزوفرينية تؤمن ببعض الغرب وتكفر ببعضه.
يبدع كمال داود في رسم الغرب المتحرر فنيا وفكريا، يبدع في وصف إنجازاته الثقافية والفلسفية عبر تحرره من قبضة الكنيسة، يقف منبهرا أمام الإبداع الفني والجمالي لبيكاسو عبر ما رسمته أنامله في لوحات "كالحلم"، "امرأة جالسة" في المقابل يرسم واقع سوداوي ومأساوي يعيشه العالم العربي - الإسلامي يعكس نظرته الدونية والمتطرفة تجاه الفن والثقافة وتحريم الجسد وشيطنته وتدنيسه وكونه مصدر الغواية والانحرافات والفسق والفجور بينما شكل الجسد في تصور الغرب مصدر إلهام وإنتاج معرفي انعكس عن تقدم في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية.
ترجم هذا الواقع التراجيدي العربي عبر إسقاطات وتنزيلات على ما شهدته مدينة تدمر الأثرية في سورية من نسف وتفجير وتخريب متاحف في مدينة الموصل العراقية وحرق المخطوطات التراثية في مدينة تومبكو في مالي وعن محاولات تدمير تمثال عين الفوارة بمدينة سطيف الجزائرية، مشاهد ومسارح تعكس نظرة احتقار العالم العربي والإسلامي للمتاحف والآثار كإرادة ونية في محو الماضي الممتد إلى حضارات متنوعة وديانات متعددة وفرض رؤية تاريخية واحدة أحادية، ويعيب كمال داود غياب المتاحف في العالم الإسلامي واعتبار الماضي غير الإسلامي من الجاهلية وبس..
يغيب الإطار الزمني أو العقدة أو الشخصيات الروائية كي تصنع الحبكة في البناء الروائي، لكن صاحب مزامير داود جعل من القالب الروائي منصة مقالية وسردية في عرض وجهات نظر تتقارب مع طرحه الإعلامي لمختلف المسائل التي تتناول الإسلام والغرب، الإسلام والحداثة، الإسلام والفن، واقع العالم العربي والإسلامي، الإسلام ونظرته إلى المرأة والجسد والجنس والفن وهي ثيمات يعمل عليها كمال داود كثيرا لكن بعيدا عن الطرح الفلسفي والأكاديمي، قريبا إلى التفصيل اليومي.
قد نتفق أو نختلف في رؤيته للأشياء سابقة الذكر أو زواياه التي ينطلق مبدئيا منها في تقييمه لواقع العالم الإسلامي، لكن الرجل يطرح جملة من الأسئلة والاستفهامات ويكسر التابو ويتناول بكل شجاعة المسكوت عنه أحيانا بعنف وراديكالية، إلا أنه اختار الكتابة كوسيلة في الحوار والمخاطبة والنقاش.
تجدر الملاحظة أن كمال داود وقع أيضا ضحية الرؤية الماضوية للفن الغربي الجمالي الذي بات يشغل مسائل تتعدى الطابع الاستيتيكي والفني إلى طرح إشكاليات أخرى معقدة ومتشابكة كالجنس والتكاثر والتناسل، الجنس والهوس المتنامي بالجراحات التجميلية وإعادة تشكيل الجسد الجنسي وفق معايير الجمال المعتمدة من رواد السينما الإيروتكية، وهي رؤية ذكورية محضة، فالجمال بات له مفاهيم استهلاكية أخرى في التسويق والتبضع كالإكسسورات الجنسية والهزازات والدمى الجنسية، الجنس وأبعاده الاجتماعية كالبغاء وتقنين الدعارة ومسائل الإجهاض والمتحولين والبيدوفلية والجنس الإلكتروني - الهاتفي.
كما تجدر الإشارة إلى أن إلغاء الجنس والجسد من الثقافة العربية والإسلامية هو إجحاف في حق هذه الثقافة التي يحتوي قاموسها اللغوي على أكثر من 100 مفردة تصف الجسد والجنس ومختلف المؤلفات التي اهتمت بهذا الجانب، نذكر على سبيل المثال "الروح العاطر في نزهة الخاطر" للنفزاوي و" نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" للقاضي أحمد التيفاشي و"رجوع الشيخ إلى صباه" لكمال باشا..
من جهته مسألة التعفف الجنسي ليست مرتبطة بالمنظومة الدينية المحافظة بقدر ما هي أيضا آلية أو تكنيك في تنظيم علاقة الجسد والجنس والحب أو إطار اجتماعي يحدد وينظم التكاثر والنوع الإنساني.
النص السردي لكمال داود أعاد إلى ذاكرتي رواية متحف البراءة للكاتب التركي أورهان باموك وحديثه عن كيفية إنشائه لمتحف إسطنبول عبر ترميم الذاكرة الطفولية والبحث عن الجزئيات الصغيرة والتفاصيل الجميلة في إنشاء متحفه، لكن لا نستطيع المقارنة، فأورهان ابن مدينة اسمها إسطنبول الكبيرة وداود ابن قرية صغيرة، هذا ما قاله عن نفسه للأسف.
بين شوارع مدينة باريس المتسعة والمنفتحة والجميلة، ومبانيها الفريدة ومحلاتها التجارية الزجاجية الفاخرة والأنوار المضيئة المنتشرة عبر أزقتها عنوان الحياة الزاهية والسعيدة، يتسلل العربي أو هذا الرجل الجنوبي المتحدر من الضفة الأخرى المتوسطية داخل تلك المدينة ليجد نفسه مشتتا ومشوشا ومرتبكا بين صخب وضجيج الشوارع، تحاصر المدينة هذا العربي، تزعجه الأنوار وقبلات العاشقين والعاشقات والنساء العاريات الفاتنات وصور للافتات عليها أجساد عارية وتضايقه الرقابة الأمنية ونظرة الناس المتوجسة والخائفة، فباريس تعرف موجة من أعمال إرهابية.
يختفي العربي عن الأنظار ليقضي الليلة بداخل متحف بيكاسو بجانب لوحات فنية للرسام العالمي، تثير اللوحات فضوله وتشعل رغباته الشهوانية وتوقظ حسه الرافض واللاعن والمستنكر أمام لوحات رسمت عليها أجساد نسائية عارية بأنامل فنية رائعة.
ينتقل بنا كمال داود من الجو البارد الباريسي الخارجي إلى عوالم حوارية داخلية تدور بين الراوي وبين شخصية ثنائية متمثلة بداخله يضع لها اسم عبد الله.
عبد الله يترجمها الكاتب إلى عبيد الله هكذا دون اسم أو هوية ما عدا وظيفة العبودية ودون عنوان أو انتماء، دون تاريخ أو ماض ولا حتى حاضر أو مستقبل ما عدا الهوس بالغيب والغيبيات.
أمام لوحات بيكاسو التي تحكي عن الجسد والمرأة عن الفن والجنس وعن الرغبة الإيروسية، عن الحرية والتحرر، يرسم كمال داود عبرها تصورات ونصوصا تعكس آراء بين شخصيتين مختلفتين، متصارعتين، يحمل كل واحد رؤى متباعدة متناقضة تجاه اللوحات الفنية، تجاه الغرب، تجاه الشرق والجنوب، كشخصية سكيزوفرينية تؤمن ببعض الغرب وتكفر ببعضه.
يبدع كمال داود في رسم الغرب المتحرر فنيا وفكريا، يبدع في وصف إنجازاته الثقافية والفلسفية عبر تحرره من قبضة الكنيسة، يقف منبهرا أمام الإبداع الفني والجمالي لبيكاسو عبر ما رسمته أنامله في لوحات "كالحلم"، "امرأة جالسة" في المقابل يرسم واقع سوداوي ومأساوي يعيشه العالم العربي - الإسلامي يعكس نظرته الدونية والمتطرفة تجاه الفن والثقافة وتحريم الجسد وشيطنته وتدنيسه وكونه مصدر الغواية والانحرافات والفسق والفجور بينما شكل الجسد في تصور الغرب مصدر إلهام وإنتاج معرفي انعكس عن تقدم في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية.
ترجم هذا الواقع التراجيدي العربي عبر إسقاطات وتنزيلات على ما شهدته مدينة تدمر الأثرية في سورية من نسف وتفجير وتخريب متاحف في مدينة الموصل العراقية وحرق المخطوطات التراثية في مدينة تومبكو في مالي وعن محاولات تدمير تمثال عين الفوارة بمدينة سطيف الجزائرية، مشاهد ومسارح تعكس نظرة احتقار العالم العربي والإسلامي للمتاحف والآثار كإرادة ونية في محو الماضي الممتد إلى حضارات متنوعة وديانات متعددة وفرض رؤية تاريخية واحدة أحادية، ويعيب كمال داود غياب المتاحف في العالم الإسلامي واعتبار الماضي غير الإسلامي من الجاهلية وبس..
يغيب الإطار الزمني أو العقدة أو الشخصيات الروائية كي تصنع الحبكة في البناء الروائي، لكن صاحب مزامير داود جعل من القالب الروائي منصة مقالية وسردية في عرض وجهات نظر تتقارب مع طرحه الإعلامي لمختلف المسائل التي تتناول الإسلام والغرب، الإسلام والحداثة، الإسلام والفن، واقع العالم العربي والإسلامي، الإسلام ونظرته إلى المرأة والجسد والجنس والفن وهي ثيمات يعمل عليها كمال داود كثيرا لكن بعيدا عن الطرح الفلسفي والأكاديمي، قريبا إلى التفصيل اليومي.
قد نتفق أو نختلف في رؤيته للأشياء سابقة الذكر أو زواياه التي ينطلق مبدئيا منها في تقييمه لواقع العالم الإسلامي، لكن الرجل يطرح جملة من الأسئلة والاستفهامات ويكسر التابو ويتناول بكل شجاعة المسكوت عنه أحيانا بعنف وراديكالية، إلا أنه اختار الكتابة كوسيلة في الحوار والمخاطبة والنقاش.
تجدر الملاحظة أن كمال داود وقع أيضا ضحية الرؤية الماضوية للفن الغربي الجمالي الذي بات يشغل مسائل تتعدى الطابع الاستيتيكي والفني إلى طرح إشكاليات أخرى معقدة ومتشابكة كالجنس والتكاثر والتناسل، الجنس والهوس المتنامي بالجراحات التجميلية وإعادة تشكيل الجسد الجنسي وفق معايير الجمال المعتمدة من رواد السينما الإيروتكية، وهي رؤية ذكورية محضة، فالجمال بات له مفاهيم استهلاكية أخرى في التسويق والتبضع كالإكسسورات الجنسية والهزازات والدمى الجنسية، الجنس وأبعاده الاجتماعية كالبغاء وتقنين الدعارة ومسائل الإجهاض والمتحولين والبيدوفلية والجنس الإلكتروني - الهاتفي.
كما تجدر الإشارة إلى أن إلغاء الجنس والجسد من الثقافة العربية والإسلامية هو إجحاف في حق هذه الثقافة التي يحتوي قاموسها اللغوي على أكثر من 100 مفردة تصف الجسد والجنس ومختلف المؤلفات التي اهتمت بهذا الجانب، نذكر على سبيل المثال "الروح العاطر في نزهة الخاطر" للنفزاوي و" نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" للقاضي أحمد التيفاشي و"رجوع الشيخ إلى صباه" لكمال باشا..
من جهته مسألة التعفف الجنسي ليست مرتبطة بالمنظومة الدينية المحافظة بقدر ما هي أيضا آلية أو تكنيك في تنظيم علاقة الجسد والجنس والحب أو إطار اجتماعي يحدد وينظم التكاثر والنوع الإنساني.
النص السردي لكمال داود أعاد إلى ذاكرتي رواية متحف البراءة للكاتب التركي أورهان باموك وحديثه عن كيفية إنشائه لمتحف إسطنبول عبر ترميم الذاكرة الطفولية والبحث عن الجزئيات الصغيرة والتفاصيل الجميلة في إنشاء متحفه، لكن لا نستطيع المقارنة، فأورهان ابن مدينة اسمها إسطنبول الكبيرة وداود ابن قرية صغيرة، هذا ما قاله عن نفسه للأسف.