العيد ليس لجميع الأطفال في لبنان

06 أكتوبر 2014
يشتاق الأطفال للعيد في سورية (حسين بيضون)
+ الخط -
يحمل محمد، الطفل السوري البالغ من العمر سبع سنوات، عدة التنظيف ويبدأ بتلميع أرضية المطعم. يريد إرضاء صاحب العمل علّه يكسب أجراً مضاعفاً ليعطي المال لوالدته لتشتري لأخواته ثياب العيد، فيفرحون بعدما فقدوا منزلهم في حمص نتيجة قصف الطيران الحربي قبل شهرين.
محمد أو "البطل الصغير" كما يُطلق عليه الكثيرون، أنقذ عائلته المكونة من 4 أفراد من تحت الركام، بعدما استهدف منزلهم الصغير صاروخ حربي كاد أن يقضي على كل من يقطن في داخله. نفض الغبار عن جسمه وأشعل ضوء قداحة كانت موضوعة في جيب بنطاله المغطى بالتراب. وبدأ يبحث عن أهله ويرفعهم واحداً تلو الآخر وينقلهم الى المستشفى.
يخفق قلبه ويبكي في كل مرة يروي فيها القصة. يقول لـ"العربي الجديد": "حين سمعت صوت حيدر الطيار (تسمية متعارف عليها في حمص) لم أهتم لحياتي. كنت سأصبح يتيماً بلا أهل في العيد. بعد هذه الحادثة، قررت أنا وأبي المجيء إلى لبنان للعيش هنا حتى لو تشرّدنا على الطرقات. ذلك أرحم من العيش تحت رحمة الطائرات الحربية".
يعمل محمد طيلة النهار. يستيقظ عند الساعة السابعة ولا يعود إلى منزله قبل السابعة مساء. يخشى الخروج في الليل حتى لا يتعرض للسرقة أو الاعتداء، وخصوصاً خلال العيد.
يرفض مناداته بـ "الصغير". هو البطل والرجل الذي تمكن من إنقاذ أهله. يعمل بكد ونشاط ليحصل على أجر مقبول يدفعه لصاحب الغرفة التي يعيش فيها مع أهله.
يقول: "بعد أن أنهي عملي في التنظيفات، أحمل علبة أملأها بأسطوانات لمختلف المطربين وأجول بها على المارة. في العيد، سأبيع هذه الأسطوانات للناس وأشتري لأخواتي الصغيرات ملابس جديدة. لن أحزن على نفسي. فقد فرحت حين أنقذت أحبائي من الموت". ينهي حديثه قائلاً: "هذه عيديتي من الله".

مفرقعات وفشار
هيثم حزين. يبدو حانقاً على ظروفه. يقول: "إنه يومنا نحن الأطفال. عيدنا الجميل. يجب ألّا نعمل بل نلعب ونستمتع بالمفرقعات ونأكل الفشار". يرفض "استغلال الأطفال السوريين، ومصادرة فرحهم". يقول إن "العمل في المطعم يوم العيد مزعج جداً. أريد أن أتشارك السعادة مع أهلي في المنزل". يضيف: "شراء الملابس الجديدة أمر مقدس بالنسبة إلي. سأرتديها وأذهب للعمل. لن أخلعها حتى اليوم التالي مهما كانت حالتها مزرية".
على الجانب الآخر من الطريق البحري لبيروت، ينتظر قاسم (16 عاماً) مرور السيارات لبيع العلكة و"السمسمية". يقول: "للعيد في حلب طعم آخر. في لبنان، يبدأ وينتهي مع صلاة الفجر فقط". هذا العام، لم يكترث لعدم شرائه ثياباً جديدة. فرحته غائبة بسبب غياب أهله عنه. يضيف: "سأكتفي بأداء الصلاة في الجامع كما كنت أفعل مع والدي في حلب". يروي بعضاً من ذكرياته مع الأعياد في بلدته بسورية. يؤكد أن "الحرب سلبته فرحة العيد. في مدينتي تعج أسواق الحامدية وسوق التل وسوق النسوان والسوق القديم بالناس. يخرج الجميع لشراء الأحذية لأطفالهم. كنا سعداء. اليوم أسواقنا مدمرة وبات للإبرة صوت".
قدم قاسم إلى لبنان بعدما رفض والداه بقاءه في منطقة بيبنج بسورية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". الأخير يعرف اسمه جيداً وخصوصاً أنه كان يُشارك قوات النظام في عمليات التفتيش على الحواجز والتدقيق في هويات المارة لحماية أهله. يقول: "لم أكن أعلم أننا سنعيش في عصر الدولة الإسلامية. يتحكمون بأرواحنا كما يريدون. لا يرحمون كل من يخالف شريعتهم. قبل شهر من قدومي إلى لبنان ذبحوا طفلاً اتّهم بالزنى".
يشتاق قاسم إلى حلويات العيد. يحكي عن "الغلية" المعروفة أيضاً باسم مكسرات العيد، وهي عبارة عن قمح يغسل بمياه مالحة قبل أن يغلى على النار. هناكَ "المعمول" و"الرز بحليب" وغيرها. كان يحب "معمول الجوز". يشتاق أكثر إلى "طعام والدته".
مرت أيام طويلة على هروب قاسم من سورية. قتل والده وباتت والدته مقعدة بعدما تعرضت لوعكة صحيّة. شقيقه الأصغر يامن يهتم بها وبشقيقته الصغيرة التي يخاف عليها من عناصر "داعش". لكنّ يديه مكبلتان، فهو لا يستطيع التوجه إلى سورية. لن يشارك من بقي من عائلته العيد. أكثر ما يحزن قاسم هو عدم تمكنه من قراءة الفاتحة عن روح والده الذي قتل في الحرب الدائرة في سورية. ينهي حديثه قائلاً: "لا عيد بلا وطن وعائلة".
إلى جانب قاسم، يجلس طفل صغير لا يتجاوز عمره 6 سنوات. يضع يديه على خديه وينتظر من يشتري الورود من السلة التي يحتضنها بين رجليه خشية أن تسرق. يختصر العيد بعبارة: "سألعب في الشارع".
المساهمون