في صدر منزله في مخيّم جنين في الضفة الغربية، يعلّق محمود عبد الفتاح أحمد غنام (43 عاماً) الذي تعود جذوره إلى قرية عين غزال جنوب حيفا، خارطة فلسطين. بدبّوس يؤشّر إلى موقع قريته المهجّرة على تلك الخارطة، وبالقرب منه يقف أطفاله الثلاثة مسك وغيث وليث، الذين لم يتجاوز أكبرهم السادسة من عمره. هكذا، "تبقى عين غزال حاضرة في أذهانهم ووجدانهم".
كلّ ما يعرفه محمود غنام عن قريته وعن أحداث النكبة، هو ما نقله والده إليه. في عام النكبة، 1948، كان والده يبلغ من العمر 16 عاماً وجدّه 40 عاماً. كذلك ما زالت ذاكرته تحمل بعض تفاصيل من عين حوض التي زارها مع والده وجدّه حين كان صغيراً، في ثمانينيات القرن الماضي. العائلة كانت قد اعتادت زيارة أطلال القرية ومدينة حيفا قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987.
في عين غزال، كان الجدّ والوالد يبكيان على أطلال المنزل قائلَين لأبنائهما وأحفادهما: "هنا بئر المياه، وهنا شجرة التوت، وهناك أرضنا". ويتحدّث محمود عن "حنين إلى القرية بات نهجاً في حياتي". ويستذكر ما ترسّخ في ذهنه من معلومات عن لاجئي عين غزال المهجّرين من قريتهم خلال النكبة إلى بعض مناطق الضفة الغربية، خصوصاً شمالها. بعض منهم تهجّروا إلى سورية والعراق. بالنسبة إليه، "لن أنسى إطلالة عين غزال على بحر حيفا الذي لا يبعد كثيراً عن قريتنا الجميلة، وعيون مائها وأشجار زيتونها".
يخبر محمود أنّ "أبي علّمني مذ كنت في رياض الأطفال، أن أعرّف عن نفسي مستخدماً اسمي وأتابع بجملة: من عين حوض عند سلسلة جبال الكرمل". ويؤكّد على أنّ "اليوم سيأتي.. يوم أدخل فيه إلى حيفا مع أبنائي عندما يكبرون، مهما كلفني ذلك من ثمن وبأيّ طريقة. لا بدّ أن تبقى العودة، بوصلتهم".
حفيد القسّام
أحمد القسّام (50 عاماً) هو نجل الابن الوحيد للشيخ عزّ الدين القسام. عاد إلى الأراضي الفلسطينية مع دخول السلطة في عام 1994، نزولاً عند رغبة جدّته. يقول إنّ "جدتي المرحومة أمينة نعنوع أوصتني قبل وفاتها، أن أذهب عندما أكبر إلى حيفا وأقرأ الفاتحة على قبر جدّي عز الدين".
تجدر الإشارة إلى أنّ عزّ الدين القسّام عاش هو وزوجته وعائلتهما المؤلّفة من ثلاث بنات وابن وحيد، في حيّ الحليصة في حيفا. بعد استشهاد الثائر ضدّ الإنجليز الذي كان إمام مسجد الاستقلال في المدينة وخطيبه، بقيت العائلة في المدينة. كان ذلك قبل نكبة فلسطين، إلى أن هجّرت إلى سورية مسقط رأس الشهيد الأصلي. في ذلك الحين، كان محمد القسّام نجل الشهيد ووالد أحمد يبلغ من العمر 25 عاماً.
حفيد الشهيد القسّام "مؤمن بالعودة إلى حيفا. وفي حال خُيّرت ما بين العيش في حيفا أو سورية، فإنني أختار حيفا. جذوري هناك، ورفات جدي الشهيد فيها". ويؤكد "العودة آتية لا محالة".
ما زالت عنوانه
سري عبد الفتاح سمور (42 عاماً) من قرية أم الشوف المهجّرة جنوب شرق حيفا. هو يعيش اليوم في مخيّم جنين، إلا أنّه يصرّ على توقيع منشوراته على صفحة "فيسبوك" الخاصة به وعلى مواقع إلكترونية مختلفة، باسمه مرفقاً بعنوان سكن العائلة الأصلي في قرية أمّ الشوف. بالنسبة إليه، "هذا تأكيد عمليّ على أهمية العودة وعدم نسيان نكبة الفلسطينيين". ويشدّد على "ضرورة ألا تتحوّل النكبة مبكى للفلسطينيين في كل عام، عند ذكراها المؤلمة".
يجمع سري في ذاكرته معلومات عن قريته المهجّرة. هو حفظ ما نقله له أقاربه وما جمعه من لاجئين آخرين متقدّمين في السنّ، بالإضافة إلى ما زوّدته به بعض المؤلفات حول حيفا. يمكن القول إنه ضليع بحيفا، تاريخها وأوضاعها الاجتماعية والثقافية والدينية.
22 أبريل 1948
منذ احتلال حيفا، تحاول إسرائيل جعل سكّانها العرب أقلية. هم يشكّلون اليوم 10 في المائة فقط من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 300 ألف نسمة. وكانت حيفا قد سقطت في 22 أبريل/ نيسان 1948، في يد العصابات الصهيونية التي استخدمت كلّ أنواع الأسلحة والمجازر والترهيب لتهجير أهلها.