العودة إلى المستقبل

يأتي كتاب الدكتور حسن البراري، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، "الأردن وإسرائيل ـ علاقة مضطربة في إقليم ملتهب"، ليختتمه بواقعية لا تنكر الماضي، بل تدعو إلى الاستفادة منه، والبناء عليه، وهذا ما يدعوه إلى توجيه دعوة إلى مَن يهمه الأمر بالعودة إلى المستقبل، من باحثين ومهتمين بالتفكير الجدي بـ"سيناريو الاصطدام" الحتمي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأيام المقبلة، كنتيجة لا بد منها للغياب القاتل للمشاريع الأردنية في مواجهة المشاريع الإسرائيلية التي لا تؤمن إلا بمصلحتها، مشاريع ترى أن حل الدولة الواحدة المتعددة مجرد نكتة سمجة، وأن التوسع المنفرد ضرورة لاستمرارها، يسهم ويضمن يهوديتها، ويضمن نقاءها العرقي.

في مواجهة المثالية القاتلة التي تسيطر على منظّري السياسة الأردنية، مثالية أسهمت في إيصال الأردن إلى ما هي عليه، الآن، بحيث لم تستفد من التجارب الماضية التي أسهموا، إلى حد بعيد، في رسم مشاهدها، وباتوا ينظرون إليها فقط باعتبارها تاريخاً لا يتوجب الالتفات اليه، إلا من زاوية الاستعراض الشخصي لإنجازاتهم، ولا يتوجب الأخذ به أساساً لبناء أنموذج مستقبلي دفاعي. مثالية ترى أن إسرائيل ومشاريعها التاريخية ليست إلا مجرد أوهام كاذبة، لا تدعو إلى الحذر والخوف، وكأن إسرائيل، إن أرادت تطبيق مشاريعها، استأذنتهم، وأخذت بآرائهم!

البراري، والذي أخذ على عاتقه تقييم العلاقة الأردنية ـ الإسرائيلية قبل معاهدة السلام التي وقعها الجانبان في عام 1994 وبعدها، يرى أن النظام الأردني الحالي لم يستفد من تجربتي الملك عبد الله الأول والملك الحسين، اللذين طورا نهجاً مميّزاً لمواجهة المشاريع التوسعية الإسرائيلية، والتي ترتكز فقط على الأردن. إضافة إلى ذلك، خسر الأردن، منذ توقيع معاهدة السلام، كثيراً من وزنه الإقليمي والدولي، كما خسر استراتيجياً، بعدما تحوّل إلى لاعب هامشي، بعدما كان أساسياً لا غنى عنه، ولا سيما أن موقعه الجيوسياسي يؤهله لذلك.

إلى جانب ذلك، وبعيداً عن التاريخ، جاء الكتاب استشرافياً مستقبلياً يعتمد، أساساً، على مراجعة العلاقة الإسرائيلية ـ الأردنية وتطورها، ليؤصل ديناميكية تبني رؤيتها نتيجة اطلاعها على الداخل الإسرائيلي، لا على تشابكها معه. هذا التفكير لم يختلف، أكان المسيطر حزب الليكود أم العمل، إضافة إلى التيارات الدينية المتشددة داخلها، أسهمت جميعاً في رسم استراتجيات تناسب الأمن القومي الإسرائيلي. المؤسف أن أغلبية من الباحثين يعرفون تلك الاستراتيجيات، إلا أن الاستراتيجيات المضادة للدولة الأردنية لا وجود لها، مثلاً، ماذا يمكن عمله، أردنياً، في حال قررت إسرائيل اعتماد سياسة الترانسفير القسرية للفلسطينيين، لضمان يهودية الدولة؟ ماذا يستطيع الأردن أن يفعل، في حال عملت إسرائيل على تطبيق قانون الخيار الأردني فعلياً.

وصحيح أن عنوان الكتاب إشكالي، جعل بعضهم يعترض عليه، فوصف العلاقة بين البلدين بالمضطربة، نتيجة لالتهاب الإقليم، لا يتناسب مع حقيقية العلاقة الأردنية ـ الإسرائيلية، بمعنى أن المعترضين على العنوان اعتبروا اضطراب الإقليم متن العلاقة بين الجانبين. إلا أن هؤلاء أسقطوا من معارفهم أن وجود إسرائيل في المنطقة، منذ البداية، كان، وما زال، وسيبقى العنصر الأساس لاضطراب الإقليم واشتعاله.