كاميرا الشرطي الأميركي
في العالمِ يعد قانونُ السيّرِ بمثابةِ أيقونة مقدسة، لا ينقلبُ عليهِ أحد، ففي أَميركا يطبقُ القانونُ على الجميعِ، ولا يطأطئ رأسهُ لثقافةِ الواسطةِ أبداً، فحياةُ المواطنِ ذاتُ قيمةٍ، لا يمكنُ التفريطُ أو المتاجرة بها. هذا الظاهرُ المتعارفُ عليه، لكلِ قاعدةِ شواذ، فإن كنتَ مخالفاً لقواعدِ القانونِ، فأنتَ مدانٌ بحكمهِ، وعقابكَ غاية لا وسيلة، الهدفُ منها ردعِي ووقاية، لا جبائي!
لكن، عندما يُخطئ المواطن، فإن القانونَ لا يحميه، إذ يخضعُ برضا له، وكَأن القانون يقولُ له: أعملْ ما تشاء،، لكنْ لا تخطئ، وإن فعلتَ، فإننا لك باِلمرصادِ، لن نغير "السيستم" إرضاءً لك ولتهورك.
الجميل، أن الجميع يعي القانونَ وأهميتهُ في تنظيمِ الحياة، يحترمونهُ، بل ويخافون تبعاته من سجن، وغرامات مالية، وارتفاعِ كلف التأميِن، ومعالجة المصابين. فإن كنتَ حَصيفاً، تجنبتَ ذلك، وابتعدتَ عن المخالفاتِ، ولا سيما وأن الشرطي يملكُ من قوةِ القانونِ، ما لا يملكهُ الرئيسُ الأميركي عينهُ.
لنأخذ مثالاً: في حالِ كنت تقود سياراتكَ مسرعاً أمام إحدىَ المدراس، متخطياً الإشاراتِ التحذيرية الضوئية والأرضية المكتوبة بالأبيضِ، أو المعلقة الملونة بالفسفوريِ، فإن الشرطيِ يوقفكَ. يعطيكَ رجلُ السيرِ إشارةَ التوقفِ، يترجلُ من سيارتهِ، تَأخذ المسرب الأيمن للشارعِ، توقف السيارة بشكلٍ تامٍ، هنا تمسكُ مقود السيارةِ بكلتا يديك، كما هو متعارفٌ عليهِ، يأتي الشرطي، ويلقي التحيةَ بأدبٍ واحترامٍ، كما تم تدريبه، يخبركَ مباشرةً سبب إيقافكَ، ويطلب منكَ أوراقَ التأميِنِ ورخصةَ القيادةِ والسيارةِ، فإنْ كانتْ الأوراقُ في جيبكَ الخلَفيِ أو في السيارةِ، عليكَ استئذانهُ، يتراجعَ الشرطي للخلفِ، يضعُ يدهُ على مسدسهِ، فإن سمحَ لكَ، تمدُ يدكَ، وتُخرجها له، بدورهِ يذهب إلى سيارتهِ، لتدقيقِ الأوراقِ، هنا لا يسمحُ لكَ بفتحِ بابِ السيارةِ والترجلِ منها، إذ يطالبكَ البقاء فيها، لإنهاءِ عملهِ، وتحرير المخالفةِ، أما إن ركبتَ رأسكَ فإنكَ تعرض حياتكَ للخطرِ، يحررُ المخالفة، يلقي عليكَ تحيةَ الوداعِ، ويذهبُ كلاكما في سبيله. أما إن تكررت المخالفات، فإن العقوبات تتصاعدُ، لتصل إلى السجنِ، والغرامةِ الماليةِ، وسحبِ رخصة القيادةِ بشكلٍ نهائي.
القانونُ هنا، ليسَ حبراً على ورقٍ، بل ثقافةٌ حقيقيةٌ، وجدت من أجلِ تنظيمِ حياةِ الناسِ وحمايتها، لا من أجلِ السخريةِ، فحياة الإنسانِ لديهم ذات قيمةٍ، والإنسان عندهم أغلىَ ما يَملكون!
حتى أكمل المشهد، لأبد من الإشارة إلى أن رجلَ السيرِ في أميركا، مراقب، ففي سيارتهِ كاميرا تربطه بدائرتهِ، وتحددُ تحركاتهِ، وعلى بذلتهِ كاميرا تسجلُ كل حواراتهِ، بحيثُ إن تعدى على المواطن وأساء إليه، فإن العقاب بانتظارهِ، وإن تم تهديدُه فإن سياراتِ التعزيزِ، تتحركُ مباشرةً لحمايتهِ، لا بل إن كل شوارعِ أميركا مراقبة بكاميراتٍ، اللهم عدا ولاية تكساس، فلماذاَ لا يعترضُ أحد منهم، هل يختلفونَ عنا، أم ترانا مختلفين عنهم؟
يا ترى، ما الضير من تطبيقِ القانونِ، حماية لحياة الإنسانِ، من مستهترينِ لا يكترثونَ بها، يشرعونَ استِباحتها، بل وقتلها. هل مطلوب من الدولةِ "الطبطبة" على من يقطعُ الإشارةَ الحمراءِ مثلاً، هل مطلوب من الدولةِ منح من يقود بسرعة جنونية، وساماً لفعلتهِ؟ هل تخطئ الدولة إن عاقبت متهوراً يقودُ مركبتهُ بسرعة أمامَ مدارس البناتِ، أو يتوقف أمامها؟
لهذا، لا أرى مشكلةً في نشرِ كاميراتِ المراقبةِ، ونشرِ ثقافةِ القانونِ قبلها، وتطبيقهِ في كل مناحيِ الحياةِ. كما لا أجد سبباً مانعاً من مراقبةِ شرطةِ السيرِ، لأن بعضهم لا يتقيد بالقوانينِ، ولا يحترمِ الزيّ الذي يلبسه، وتصرفاته مع المواطنين من الأقسامِ ذات الاختصاصِ في الدائرةِ، بحيث يبقى الشرطي كما المواطنِ، حذراً في التصرفِ والتعاملِ مع الآخرينَ. هذه الطريقة تغلق باب شك لدى المواطن من أي قرار يصدرُ عن دائرةِ السيرِ، الدولة، فما ينطبقُ على الشرطي في الشارع، بالضرورة ينطبق على الشرطي في غرفِ مراقبةِ الكاميراتِ، والشرطي الموجود في الطراقاتِ.
أخيراً: من يسيّر أميركا هو القانون، فهو سيد الدولةِ، وقائدها الداخليِ. لذا، لا أجد غضاضة من القول: إن الشرطي لديهم أهم من الرئيسِ الأميركيِ، مثلاً من خطط لاغتيالِ الرئيس الأسبق، رونالد ريغان، عوقبَ بالسجنِ على فعلتهِ، لكن من يجرؤُ على قتلِ شرطي فإنّهُ يعدمُ مباشرةً، فقتلِ الشرطي يعدُ إزهاقاً للقانونِ، ويعني عملياً تحويل البلد إلى غابة، فالشرطي من يطبقُ القانون، لا الرئيس الأميركي، لذا هو، عملياً، أهم من الرئيس، لأنه يمثل القانون.