العنف الانتخابي في تركيا بذروته

27 مايو 2015
من حملة حزب "العدالة والتنمية" (أوزان كوزه/فرانس برس)
+ الخط -
لطالما كان العنف سمة أساسية للعمل السياسي في تركيا، منذ تأسيس الجمهورية مروراً بالانقلابات العسكرية الدموية، والصراعات التي وقعت بين اليمينيين واليساريين في سبعينيات القرن الماضي، والتي تفجّرت مع اندلاع تمرّد حزب "العمال" الكردستاني، وما تلاه من حرب أهلية لم تضع أوزارها بعد، انتهاءً بالشجارات بالأيدي، التي تحصل كل فترة بين النواب تحت قبة البرلمان.

وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته الحياة السياسية التركية، أقلّه في الانتخابات البلدية والرئاسية العام الماضي، يعود العنف السياسي الآن ليتصدّر مرحلة الدعاية الانتخابية الحالية، التي تسبق الانتخابات البرلمانية العامة، قبل أقلّ من 15 يوماً من موعدها في 7 يونيو/حزيران المقبل.

وفيما تعرّض حزب "الشعب الجمهوري" لهجمتين بسيطتين، بالإضافة إلى تعرّض مرشحته في أضنة، إليف دوغان توركمان، لإطلاق نار من محاميها لأسباب شخصية، أمس الثلاثاء، لم يتعرّض حزب "الحركة القومية" إلى هجماتٍ حتى الآن، ليبقى كل من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وحزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، من أكثر الأطراف التي تعرّضت للهجوم.

كذلك تعرّضت مقرّات "العدالة والتنمية" ومرشحيه، لأكثر من 20 اعتداءً، بدأت مطلع شهر أبريل/نيسان، بعد اقتحام أحد المسلحين لمقرّ "العدالة والتنمية" في بلدية كارتال، في الجزء الآسيوي من مدينة إسطنبول. وهوجم مقرّ الحزب في مدينة باتمان، شرق البلاد، ذات الأغلبية الكردية، مما أسفر عن مقتل أحد أبناء النواب السابقين.

وطالت الاعتداءات رئيس إحدى بلديات بورصة، الموالي لـ"العدالة والتنمية" جنيد يلدز، الذي لا يزال بحالة خطرة في المستشفى، كما طُعن رمضان دِمير مرشح "العدالة والتنمية" في أضنة، لتتركز باقي الهجمات على مقرّات الحزب في الشرق التركي، حيث نفوذ "الشعوب الديمقراطي".

اقرأ أيضاً: بالصور سوريون خارج القيد..آلاف العائلات بلا وثائق في تركيا 

وبحسب الرئيس المشارك لـ"الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرتاش، فقد تعرّض حزبه لأكثر من 50 اعتداءً، بلغت ذروتها بالتفجيرين المتزامنين اللذين ضربا مقرّي الحزب في مدينتي أضنة ومرسين، وأديا إلى جرح ستة من أنصار الحزب.

وتتركز مقرّات "الشعوب الديمقراطي" التي تتعرض للهجمات في الغرب التركي، ذي الأكثرية التركية، الكارهة لحزب "العمال" الكردستاني، والتي خسرت الكثير من أبنائها في المعارك، التي اندلعت بينه وبين الجيش التركي منذ الثمانينات.

وأكثر من هذا، أكد أحد أبرز قادة "الشعوب الديمقراطي" سري ثريا أوندر، منذ أيام، أن "الحزب تلقى عدداً من التقارير التي تؤكد وجود خطط لاغتيال الزعيم المشارك للحزب صلاح الدين دميرتاش". وقال "تلقينا تحذيرات عدة من مصادر جادة بشأن وجود خطط لاغتيال دميرتاش، لكننا نتجاوز ذلك بزيادة عملنا واتخاذ احتياطاتنا".

ويستمر "الشعوب الديمقراطي" بتحميل ما أُطلق عليه "خطاب العدالة والتنمية الدموي"، مسؤولية التفجيرات، متهماً "داعش" بالوقوف وراءها. مع العلم أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، أكد في وقت سابق، أن المنفذ ينتمي إلى "جبهة تحرير الشعب الثورية"، المعروفة بعلاقاتها مع النظام السوري و"العمال" الكردستاني.

وعلى الرغم من أن قائد قوات "حماية الشعب" التابعة لـ"العمال" مراد كرايلان، أكد في وقت سابق، أن "الحزب قد اتخذ قراراً واضحاً بعدم شنّ أي عمليات عسكرية، أو التدخل في سير العملية الانتخابية"، فقد شهدت مدينة موش، شرق البلاد، خطف أحد الجنود الأتراك، وتعرّضت إحدى القواعد في ولاية هكاري لهجوم بقذائف الهاون.

ونشرت وكالة "الأناضول" رسائل وجّهتها قوات "حماية الشعب" بإرسالها للمدنيين في مناطق جنوب وشرق الأناضول، ذات الأغلبية الكردية، تهددهم فيها في حال التصويت لـ"العدالة والتنمية"، جاء فيها "عليكم أن تعرفوا بأن الثمن الذي ستدفعونه سيكون كبيراً، لو أن أياً من أفراد عائلتكم قام بالتصويت للعدالة والتنمية. كيف يمكنكم الوقوف مع العدالة والتنمية، على الرغم من فساده، أو ربما لأنكم لا تفهمون أو بعتم أنفسكم له؟ عليكم أن تعرفوا أننا قادرون على تخريب المتعة التي حصلتم عليها بهذه الأموال".

تؤكد الباحثة في العلوم السياسية في جامعة برينستون الأميركية دنيز أكسوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "أحد أهم أسباب العنف السياسي في تركيا في هذه الفترة، هو العتبة الانتخابية لدخول الأحزاب إلى البرلمان، والتي تُعتبر مرتفعة جداً، مقارنة بباقي الدول الأوروبية، كما تُغيّب الكثير من الشرائح الاجتماعية عن البرلمان، مما يدفعها للعنف كوسيلة لتعبّر عن نفسها".

في غضون ذلك، يعيد الكثير من المراقبين حالة العنف إلى الخطاب السياسي العنيف، الذي بات ميزة للسياسيين الأتراك، كزعيم "الحركة القومية" دولت بجلي، المعروف بشتائمه اللاذعة، والرئيس رجب طيب أردوغان، المعروف بلهجته الخطابية القاسية، التي لا ترحم أبداً. كما يبدو خطاب قادة "العمال" غير بعيد عن التهديد الدائم بالسلاح، فيما يعيد آخرون ذلك للتنافس الشرس، الحاصل بين "العدالة والتنمية" و"الشعوب الديمقراطي".

وفي سبيل الحفاظ على أغلبيته البرلمانية، يشنّ "العدالة والتنمية" حملة شرسة على الأخير، رابطاً إياه بـ"المنظمة الإرهابية الانفصالية"، أي "العمال" الكردستاني، وأيضاً بعقلية الحزب الواحد، التي مارست قمعاً شديداً ضد المتدينين، بحجة "حماية علمانية الدولة"، مما أدى لإثارة المتدينين والقوميين الأتراك في الغرب، على حساب تصاعد العداء من قبل أنصار "الشعوب الديمقراطي" ضد "العدالة والتنمية" في الشرق التركي.

اقرأ أيضاً: أنقرة وواشنطن تتفقان على دعم جوي للمعارضة السورية
المساهمون