في كل دورة انتخابية تركية، منذ العام 2002 حتى اليوم، يتكرر الحديث عن "تركيا الجديدة" وحجم التغيير الحاصل داخلها وفي سياساتها الخارجية. كانت تركيا بعيدة، فصارت قريبة جداً من العرب، لا بل أمست "شبه عربية". تغيّر يضعه رجب طيب أردوغان تحت شعار "الثورة التركية". معارضو "الثورة" التي يتحدث عنها أردوغان في الداخل كانوا ولا يزالون كثراً.
كذلك في الإقليم، عديدون توجّسوا من "عودة تركيا" كفاعل قوي في المنطقة من خارج نادي الدول العربية، إلى جانب إيران وإسرائيل. بالنسبة للمنطقة العربية، ظلّ العنوان الأبرز لـ"الثورة التركية"، حتى عام الثورات العربية 2011، هو القضية الفلسطينية وما فعلته أنقرة كلاماً وسلوكاً إزاء فلسطين وقطاع غزة، وخصوصاً مع موقعة "مافي مرمرة" وما سبقها وتلاها. كل ذلك من دون الحديث عن فتح أبواب السياحة للعرب وتوزيع الاستثمارات التركية ورفع شرط تأشيرة الدخول على مواطني معظم الدول العربية وإقامة مناطق التجارة الحرة وإعادة الاعتبار للمنطقة إعلامياً وأكاديمياً. كان مبدأ أحمد داود أوغلو، "تصفير العداوات"، معمولاً به منذ قبل أن يصبح الرجل وزيراً للخارجية ونائباً حتى ورئيساً للحزب الحاكم، وكانت الساحة الفلسطينية مكاناً وحيداً للخروج عن "الحياد" بالنسبة للسلطات الحاكمة في المنطقة.
التطبيع مع حكام العرب وغير العرب من قبل أنقرة ــ أردوغان كان كاملاً بين 2003 و2011، إلا مع حكام تل أبيب وإن خرج الموقف الواضح والحاد فقط في 2009/2010، خلال العدوان على قطاع غزة وبعده.
اقرأ أيضاً: انتخابات تركيا وتحولات الأمتار الأخيرة
كذلك في الإقليم، عديدون توجّسوا من "عودة تركيا" كفاعل قوي في المنطقة من خارج نادي الدول العربية، إلى جانب إيران وإسرائيل. بالنسبة للمنطقة العربية، ظلّ العنوان الأبرز لـ"الثورة التركية"، حتى عام الثورات العربية 2011، هو القضية الفلسطينية وما فعلته أنقرة كلاماً وسلوكاً إزاء فلسطين وقطاع غزة، وخصوصاً مع موقعة "مافي مرمرة" وما سبقها وتلاها. كل ذلك من دون الحديث عن فتح أبواب السياحة للعرب وتوزيع الاستثمارات التركية ورفع شرط تأشيرة الدخول على مواطني معظم الدول العربية وإقامة مناطق التجارة الحرة وإعادة الاعتبار للمنطقة إعلامياً وأكاديمياً. كان مبدأ أحمد داود أوغلو، "تصفير العداوات"، معمولاً به منذ قبل أن يصبح الرجل وزيراً للخارجية ونائباً حتى ورئيساً للحزب الحاكم، وكانت الساحة الفلسطينية مكاناً وحيداً للخروج عن "الحياد" بالنسبة للسلطات الحاكمة في المنطقة.
التطبيع مع حكام العرب وغير العرب من قبل أنقرة ــ أردوغان كان كاملاً بين 2003 و2011، إلا مع حكام تل أبيب وإن خرج الموقف الواضح والحاد فقط في 2009/2010، خلال العدوان على قطاع غزة وبعده.
اقرأ أيضاً: انتخابات تركيا وتحولات الأمتار الأخيرة
لكن منذ زلزال 2011، لم يعد جائزاً للدبلوماسية التركية أن تبقي على مبادئها في مصالحة الحكام والشعوب معاً، بما أن الانقسام العمودي انفجر بالكامل تحديداً بين هذين الطرفين. اختارت أنقرة الانحياز للفئة الثانية، وهو ما كلّفها كثيراً في الداخل، بما أن السياسة الخارجية بدأت تأتي ببعض النتائج غير المناسبة للداخل ولاقتصاده، وهو ما ليس لتركيا، الدولة غير النفطية، طاقة على تحمله. اليوم، بعد 4 سنوات على الثورات العربية، وأمام مشهد الحروب الشاملة التي تشهدها أربع دول عربية، اثنتان منها جارتان حدوديتان لتركيا (سورية والعراق)، يظهر بشكل جليّ كم تغيرت تركيا بالفعل: الدولة التي عاشت إرادياً عزلة تامة عن محيطها العربي منذ 1923 حتى 2003، تجد نفسها في قلب هذه المنطقة بالمعنى السياسي، أي أن الخارج صار بمثابة الداخل، لا بل صار داخلاً بالفعل يؤدي دوراً رئيساً في الانتخابات.
صار عدد كبير من علويي البلاد يتعاطون مع الدعم الكبير من حكومة بلادهم للثورة السورية، على اعتبار أنه عمل معادٍ لهم، وليس ضد نظام بشار الأسد. صاروا ينظرون إلى الحزب الحاكم من هذه الزاوية، ويصوّتون على هذا الأساس ضد حزب يصرّون على أنه جزء لا يتجزأ من منظومة الإخوان المسلمين. عَبَر الصراع المذهبي حدود تركيا وصار أحد أكثر الملفات الحاسمة في الحملات الانتخابية، وهو ما لم يحاول أردوغان تفاديه أصلاً في شعبويته ومواقفه من "العلويين"، دينياً وسياسياً، مع علمه الأكيد بالفروق الكبيرة بين العلويين الأتراك (البكداشيين) والعلويين السوريين (النصيريين).
اقرأ أيضاً: محاولات أخيرة للأحزاب التركية لحشد الأصوات
بحسب المنطق نفسه، صار عدد كبير من أكراد تركيا ينظرون إلى تشدد أنقرة إزاء منطقة حكم ذاتي كردية في سورية، وكأنه فيتو موجه ضدهم، وتراجع عن التزامات عملية السلام. كل ذلك بعدما حسم القوميون العلمانيون موقفهم باكراً من سياسة بلادهم الجديدة إزاء العرب، وقرروا أن تكون معياراً أول لمقاطعة "العدالة والتنمية" منذ أيامه الأولى، ما خلا الكتلة الانتخابية الوازنة التي "سرقها" حزب أردوغان من نظيره القومي المتطرف يمينياً.
بعد 2011، صارت عيون الاقتصاد التركي أيضاً على الثورات العربية، التي ضربت دولاً كانت قد بدأت تشكل ملعباً ممتازاً للاستثمارات التركية، من ليبيا ومصر وسورية طبعاً. في هذه الدول، وقبلها تونس، أدركت تركيا أن نظريات الحياد الإيجابي و"تصفير المشاكل" ومهادنة الحكام لم تعد مجدية بما أنها كانت لحظة تاريخية لأردوغان وصحبه للاختيار: اختيار الحكام أو الوقوف إلى جانب غالبية الناس على الأقل مثلما أثبتته الشوارع التي نابت عن الانتخابات الحقيقية في هذه الدول؟ اختير الطرف الأول، حصل ما حصل بعدها من انقلابات وثورات مضادة وحروب أهلية (باستثناء تونس)، فقرر أردوغان ورفاقه أن التراجع أمسى مستحيلاً، فزادت جرعات الهجوم التركي تحت شعار "الوقوف مع إرادة الناس"، بالتالي تلقائياً، تحمّل تبعات عداوات الحكام والخسائر الاقتصادية الناجمة عن ذلك.
اقرأ أيضاً أوغلو: مفجر مقرات حزب الشعوب الديمقراطي مرتبط بالأسد
باتت تركيا، مع رجب طيب أردوغان وعبد الله غول وأحمد داود أوغلو، بالنسبة للعرب، مواطنين وحكاماً ووسائل إعلام، أشبه بدولة عربية لناحية الأهمية والاهتمام، بعدما كانت لفترة طويلة دولة العسكر المعادية لكل شيء عربي وفق عقيدة قومية ــ شوفينية ــ تاريخية لطالما حكمت سلوكيات حكام هذه الدولة، العسكر منهم والمدنيين. منذ العام 2003 عملياً، تغيّر وجه تركيا بالنسبة إلى العرب. لا تنقص الأمثلة عن كيف تغيّر العرب بالنسبة لتركيا أيضاً بفعل القطيعة التاريخية التي مارستها الدبلوماسية التركية في أزمان "العدالة والتنمية". بعيداً عن القرارات السياسية الكبرى للدبلوماسية التركية إزاء منطقتنا، يكفي إدراك أن العرب ولغتهم وقضاياهم صاروا أولوية مراكز الدراسات التركية وطلاب الدكتوراه في مجالات السياسة والعلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا والألسنيات والإعلام والاقتصاد والاستثمار.
ويروي أكاديميون أتراك كيف كانوا في جامعاتهم يستميتون، قبل 2003، لنيل مِنَح لمتابعة دراساتهم حول إحدى الدول العربية من دون جدوى، وكيف انقلبت الأمور اليوم لتصبح أقسام الشرق الأدنى (أي الدول العربية) من الأهم والأكثر تقديماً للمنح في مختلف فروع العلوم الإنسانية. في الصحافة، تكاد الأمثلة تكون الأكبر حول الجهل المطبق الذي كان يشكل القاعدة في الإعلام التركي حول منطقتنا، وفق كره النفس إزاء هذا "الشرق المتخلّف"، بما أن أوروبا هي الهدف والمبتغى، بحسب الحكمة الأتاتوركية. أما اليوم، فصار الإعلام التركي، على ضعفه إزاء قضايانا، لا يُقارَن بما كان عليه، وهو ما تختصره حالة وكالة أنباء الأناضول اليوم، بما هي وكالة عالمية وضعت المنطقة العربية في مقدمة أولوياتها بالاتجاهين، لناحية المتلقي التركي والعربي.
اقرأ أيضاً: "القضية الكرديّة" الغائب الأكبر في الانتخابات التركية
ملامح "الثورة التركية" التي يتحدث عنها أردوغان ويقصد بها المسار الذي بدأ في بلاده منذ وصول حزبه إلى الحكم بعد انتخابات 2002 (التي حُرم من المشاركة فيها)، عديدة جداً، وتتم مهاجمتها تحت شعار العثمانية الجديدة مع استحضار كافة مساوئ الحقبة العثمانية، لمجرد أن تركيا عادت مع "العدالة والتنمية" لتقول إن إغفال المنطقة العربية كان خطأً تاريخياً لمرحلة ما بعد الأمبراطورية العثمانية، وأن طي صفحة تلك الأمبراطورية لا ينبغي أن ينتج رد فعل عكسياً عنصرياً ضد العرب وقضاياهم، وأن المنطقة العربية والشرق عموماً يبقيان ظهر تركيا و"مجالها الحيوي"، بحسب مصطلحات أحمد داود أوغلو في كتابه الشهير "العمق الاستراتيجي".
يقف طيف واسع من المواطنين العرب، اليوم، ليشاهدوا الانتخابات التركية وكأنها انتخاباتهم المفوّتة، انتخاباتهم المحرومين منها. يدركون جيداً أن تعثُّر حزب أردوغان أمر محتمل، لكنه لن يصل بأي حال إلى مستوى الخسارة. يعرفون أنّ قضاياهم بعيدة تماماً عن هموم الناخب التركي، لكنهم متأكدون أيضاً أن الانتكاسة الأردوغانية ستعني خطوة إلى الوراء، أكان فلسطينياً أم سورياً أم مصرياً أم عراقياً حتى. يكفيهم أن يتخيلوا عدد السوريين الذين قد تصبح ظروف حياتهم في تركيا مشابهة لظروف وجود إخوانهم في لبنان اليوم. يكفي المصريين المنفيين المعارضين للانقلاب، ممن وجدوا في تركيا مكاناً آمناً لهم، أن يتصوروا مصيرهم في حال تم ترحيلهم لو قرر حكام أنقرة تخفيف أوجاع الرأس وترك المنطقة العربية لتخلفها بحسب المصطلحات الأتاتوركية. ستكون الخيبة الفلسطينية كبيرة لا شك إن عاد شهر العسل الإسرائيلي ــ التركي إلى سابق عهده، ليعود اسم تركيا هو "الميركافا"، بحسب ما كان رمزها في الشيفرة العسكرية الإسرائيلية ذات زمن.
اقرأ أيضاً: الخيط الرفيع بين أردوغان وبوتين
صار عدد كبير من علويي البلاد يتعاطون مع الدعم الكبير من حكومة بلادهم للثورة السورية، على اعتبار أنه عمل معادٍ لهم، وليس ضد نظام بشار الأسد. صاروا ينظرون إلى الحزب الحاكم من هذه الزاوية، ويصوّتون على هذا الأساس ضد حزب يصرّون على أنه جزء لا يتجزأ من منظومة الإخوان المسلمين. عَبَر الصراع المذهبي حدود تركيا وصار أحد أكثر الملفات الحاسمة في الحملات الانتخابية، وهو ما لم يحاول أردوغان تفاديه أصلاً في شعبويته ومواقفه من "العلويين"، دينياً وسياسياً، مع علمه الأكيد بالفروق الكبيرة بين العلويين الأتراك (البكداشيين) والعلويين السوريين (النصيريين).
اقرأ أيضاً: محاولات أخيرة للأحزاب التركية لحشد الأصوات
بحسب المنطق نفسه، صار عدد كبير من أكراد تركيا ينظرون إلى تشدد أنقرة إزاء منطقة حكم ذاتي كردية في سورية، وكأنه فيتو موجه ضدهم، وتراجع عن التزامات عملية السلام. كل ذلك بعدما حسم القوميون العلمانيون موقفهم باكراً من سياسة بلادهم الجديدة إزاء العرب، وقرروا أن تكون معياراً أول لمقاطعة "العدالة والتنمية" منذ أيامه الأولى، ما خلا الكتلة الانتخابية الوازنة التي "سرقها" حزب أردوغان من نظيره القومي المتطرف يمينياً.
بعد 2011، صارت عيون الاقتصاد التركي أيضاً على الثورات العربية، التي ضربت دولاً كانت قد بدأت تشكل ملعباً ممتازاً للاستثمارات التركية، من ليبيا ومصر وسورية طبعاً. في هذه الدول، وقبلها تونس، أدركت تركيا أن نظريات الحياد الإيجابي و"تصفير المشاكل" ومهادنة الحكام لم تعد مجدية بما أنها كانت لحظة تاريخية لأردوغان وصحبه للاختيار: اختيار الحكام أو الوقوف إلى جانب غالبية الناس على الأقل مثلما أثبتته الشوارع التي نابت عن الانتخابات الحقيقية في هذه الدول؟ اختير الطرف الأول، حصل ما حصل بعدها من انقلابات وثورات مضادة وحروب أهلية (باستثناء تونس)، فقرر أردوغان ورفاقه أن التراجع أمسى مستحيلاً، فزادت جرعات الهجوم التركي تحت شعار "الوقوف مع إرادة الناس"، بالتالي تلقائياً، تحمّل تبعات عداوات الحكام والخسائر الاقتصادية الناجمة عن ذلك.
اقرأ أيضاً أوغلو: مفجر مقرات حزب الشعوب الديمقراطي مرتبط بالأسد
باتت تركيا، مع رجب طيب أردوغان وعبد الله غول وأحمد داود أوغلو، بالنسبة للعرب، مواطنين وحكاماً ووسائل إعلام، أشبه بدولة عربية لناحية الأهمية والاهتمام، بعدما كانت لفترة طويلة دولة العسكر المعادية لكل شيء عربي وفق عقيدة قومية ــ شوفينية ــ تاريخية لطالما حكمت سلوكيات حكام هذه الدولة، العسكر منهم والمدنيين. منذ العام 2003 عملياً، تغيّر وجه تركيا بالنسبة إلى العرب. لا تنقص الأمثلة عن كيف تغيّر العرب بالنسبة لتركيا أيضاً بفعل القطيعة التاريخية التي مارستها الدبلوماسية التركية في أزمان "العدالة والتنمية". بعيداً عن القرارات السياسية الكبرى للدبلوماسية التركية إزاء منطقتنا، يكفي إدراك أن العرب ولغتهم وقضاياهم صاروا أولوية مراكز الدراسات التركية وطلاب الدكتوراه في مجالات السياسة والعلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا والألسنيات والإعلام والاقتصاد والاستثمار.
ويروي أكاديميون أتراك كيف كانوا في جامعاتهم يستميتون، قبل 2003، لنيل مِنَح لمتابعة دراساتهم حول إحدى الدول العربية من دون جدوى، وكيف انقلبت الأمور اليوم لتصبح أقسام الشرق الأدنى (أي الدول العربية) من الأهم والأكثر تقديماً للمنح في مختلف فروع العلوم الإنسانية. في الصحافة، تكاد الأمثلة تكون الأكبر حول الجهل المطبق الذي كان يشكل القاعدة في الإعلام التركي حول منطقتنا، وفق كره النفس إزاء هذا "الشرق المتخلّف"، بما أن أوروبا هي الهدف والمبتغى، بحسب الحكمة الأتاتوركية. أما اليوم، فصار الإعلام التركي، على ضعفه إزاء قضايانا، لا يُقارَن بما كان عليه، وهو ما تختصره حالة وكالة أنباء الأناضول اليوم، بما هي وكالة عالمية وضعت المنطقة العربية في مقدمة أولوياتها بالاتجاهين، لناحية المتلقي التركي والعربي.
اقرأ أيضاً: "القضية الكرديّة" الغائب الأكبر في الانتخابات التركية
ملامح "الثورة التركية" التي يتحدث عنها أردوغان ويقصد بها المسار الذي بدأ في بلاده منذ وصول حزبه إلى الحكم بعد انتخابات 2002 (التي حُرم من المشاركة فيها)، عديدة جداً، وتتم مهاجمتها تحت شعار العثمانية الجديدة مع استحضار كافة مساوئ الحقبة العثمانية، لمجرد أن تركيا عادت مع "العدالة والتنمية" لتقول إن إغفال المنطقة العربية كان خطأً تاريخياً لمرحلة ما بعد الأمبراطورية العثمانية، وأن طي صفحة تلك الأمبراطورية لا ينبغي أن ينتج رد فعل عكسياً عنصرياً ضد العرب وقضاياهم، وأن المنطقة العربية والشرق عموماً يبقيان ظهر تركيا و"مجالها الحيوي"، بحسب مصطلحات أحمد داود أوغلو في كتابه الشهير "العمق الاستراتيجي".
يقف طيف واسع من المواطنين العرب، اليوم، ليشاهدوا الانتخابات التركية وكأنها انتخاباتهم المفوّتة، انتخاباتهم المحرومين منها. يدركون جيداً أن تعثُّر حزب أردوغان أمر محتمل، لكنه لن يصل بأي حال إلى مستوى الخسارة. يعرفون أنّ قضاياهم بعيدة تماماً عن هموم الناخب التركي، لكنهم متأكدون أيضاً أن الانتكاسة الأردوغانية ستعني خطوة إلى الوراء، أكان فلسطينياً أم سورياً أم مصرياً أم عراقياً حتى. يكفيهم أن يتخيلوا عدد السوريين الذين قد تصبح ظروف حياتهم في تركيا مشابهة لظروف وجود إخوانهم في لبنان اليوم. يكفي المصريين المنفيين المعارضين للانقلاب، ممن وجدوا في تركيا مكاناً آمناً لهم، أن يتصوروا مصيرهم في حال تم ترحيلهم لو قرر حكام أنقرة تخفيف أوجاع الرأس وترك المنطقة العربية لتخلفها بحسب المصطلحات الأتاتوركية. ستكون الخيبة الفلسطينية كبيرة لا شك إن عاد شهر العسل الإسرائيلي ــ التركي إلى سابق عهده، ليعود اسم تركيا هو "الميركافا"، بحسب ما كان رمزها في الشيفرة العسكرية الإسرائيلية ذات زمن.
اقرأ أيضاً: الخيط الرفيع بين أردوغان وبوتين