العلم "واسطة" وليس "نوراً"

28 فبراير 2016
التعليم والمال (Getty)
+ الخط -
في مثل ذلك الوقت من كل عام، تفتح المدارس أبوابها أمام الراغبين في الالتحاق بها للعام الدراسي الجديد. ولأن التعليم في مصر له وضع خاص جداً، بل شديد الخصوصية، ولا أعتقد أن له مثيلا في دول العالم أجمع، قررت أن ألحق ابني بالتعليم الخاص، أو ما يسمى بـ"الناشيونال"، وهو مرحلة وسطيّة ما بين التعليم الحكومي والتعليم الدولي "الإنترناشيونال"، الذي يحتاج إلى عشرات الآلاف.

ولأني أمّ للمرة الأولى، لم تكن لدي خبرة في ذلك المجال، لكني سعيت جاهدة لاختيار الأفضل لابني، أو "أحسن الوحشين" كما تقول النصيحة الشعبية. تلقيت نصائح ممن مروا بمثل تجربتي في وقت سابق، وخلصت إلى مدارس بعينها، يمكنني التقديم فيها.

بداية، التعليم "الناشيونال" في مصر، تبدأ تكاليفه من 8 آلاف جنيه إلى 25 ألف جنيه سنوياً، بحسب المدرسة ومستواها التعليمي، وسمعتها بين المدارس الأخرى. تلك التكاليف لا تشمل الكتب الدراسية والزي المدرسي والباص، الذي يصل إلى 6 آلاف جنيه سنوياً. أي بحسبة بسيطة، في حال إذا اخترت الأفضل لطفلك، فستجد نفسك تدفع ما يقرب من 35 ألف جنيه في السنة الأولى للتعليم قبل الابتدائي، وهو تعليم "ناشيونال" وليس "إنتر ناشيونال" الذي يبدأ من 40 ألف جنيه لنفس السنة التعليمية. ورغم العبء المادي الذي ينتج عن تلك المجازفة، إلا أنَّ ذلك لم يكن هو همي الشاغل، قدر اجتياز مرحلة المقابلة، أي الـinterview، لي وله على حد سواء. أخبرني بعض الأصدقاء، عن مهازل تحدث أثناء المقابلة. فحكت لي صديقة عن أنه تم رفض ابنتها ذات الأربعة أعوام في إحدى المدارس، رغم اجتيازها كل أسئلة المقابلة، بدءاً من الألوان والأشكال والحيوانات وغيرها، وجاء سبب الرفض مكتوباً، على ورقة التقديم الـ application، ذات الـ 800 جنيه: "بسبب الملابس". جاء موعد التقديم، وبدأت في ملء استمارة أكثر من مدرسة، حتى أضمن قبوله في إحداها على الأقل. وأسعار الـapplication في المدارس تبدأ من 400 جنيه إلى 1000 جنيه، مع احتمالية الرفض وعدم استرداد المبلغ.

وأثناء ملء إحدى الاستمارات، جاءت الصدمة، وأدركت ما قالته لي صديقتي في السابق، رغم أني لم أكن حينها قد وصلت إلى مرحلة المقابلة، فجاء أحد الأسئلة في الاستمارة "هل تشترك الأسرة في ناد؟ وما اسم النادي الذي تشترك فيه؟"، أما السؤال الآخر في استمارة نفس المدرسة "هل سافرت الأسرة خارج مصر؟ وما هي الدول التي سافرت إليها الأسرة؟ والغرض من الزيارة؟". لم أستوعب تلك الأسئلة وأنا أملأ الاستمارة، وما دخلها في تقديم المدارس؟
ظلت الأسئلة تحيّرني، وتتلاعب برأسي، وأنا حانقة وناقمة، إلى أن جاءت الطامة الكبرى، عند ملء إحدى الاستمارات لمدرسة ما. جزعني السؤال وتجمدت مكاني، ولم أعرف إن كنت سأجيب عليه، أم سأرحل غير عابئة بالاستمارة، ومبلغ الـ 1000 جنيه ثمنها، وبالمدرسة ذاتها. كان السؤال "ما عدد السيارات التي تمتلكها الأسرة؟ وما نوعها؟".

بعد جولة من الأوراق والاستمارات والأسئلة التي تتخطى حدود العقل البشري، جاءت المقابلات، وفي كل مقابلة، يشيد المعلمون بطفلي وذكائه وتواصله مع الغرباء دون خوف أو قلق، وأخرج من المدرسة وقد ضمنت قبوله فيها، وتمر الأيام، ويأتي الرد بالرفض، أو قد لا يأتي أصلاً. اشتركت في مجموعات خاصة بأولياء الأمور في تلك المدارس، وتكشفت الحقيقة أمامي، وكأني لم أكن أعرفها في السابق، كانت الكلمة السحرية التي تحدث عنها الأولياء، وفتحت الباب أمامهم هي "الواسطة". أعرف تمام المعرفة أن كل شيء يجري في بلدي بالواسطة، لكن عقلي لم يستوعب أن تكون للواسطة يد في قبول ابني في مدرسة تطلب مني أن أدفع 35 ألف جنيه سنويًا، ألا يُعدُّ ذلك المبلغ كافياً ليكون في حد ذاته واسطة؟!


اقرأ أيضاً: 10 فنانين عرب ارتبطت أسماؤهم بالأغاني الكئيبة
المساهمون