30 أكتوبر 2024
العقدة الأميركية
على الرغم من مرور ما يقرب العام على وصولها إلى السلطة، مازالت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عاجزة عن إنتاج استراتيجية متكاملة في السياسة الخارجية. هذا لا يغير مع ذلك من حقيقة أن واشنطن تبقى اللاعب الأهم في السياسات الإقليمية والدولية. لا بل تحولت العلاقة معها إلى مفتاحٍ لرسم الاصطفافات الجديدة في المنطقة، وفهمها، في ضوء سيولة شديدة تغذيها حالة قصوى من عدم اليقين. ويمكن أن نتجاوز ذلك إلى القول إن سياسات أكثر اللاعبين في المنطقة لا تعدو كونها، في الغالب الأعم، مجرد ردود أفعالٍ على سياسات أو لا سياسات واشنطن فيها. ينطبق هذا الكلام على تركيا، كما على روسيا وإيران والسعودية وغيرها من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة.
انظر مثلاً إلى سياسة التقارب التركي- الإيراني أخيرا، والتي تكاد تكون مدفوعةً بالمطلق بالموقف من الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة. خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، اتسمت العلاقة الإيرانية - التركية بالتوتر الشديد، بعد أن دخل البلدان في حرب وكالة في سورية، ساندت خلالها طهران النظام السوري، فيما وقفت أنقرة إلى جانب المعارضة. وفي الوقت الذي بلغت فيه العلاقات التركية- الأميركية في عهد أوباما الحضيض، شهدت العلاقات الإيرانية- الأميركية حالةً من الدفء، عكستها الاجتماعات الثنائية المتكرّرة التي جمعت وزيري الخارجية الإيراني، جواد ظريف والأميركي جون كيري، خصوصا بعد التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو/ تموز 2015.
مع وصول ترامب إلى السلطة، بدا أن الأمور على وشك أن تتغير، إذ كانت تركيا تستعد لعلاقات أفضل مع واشنطن، في حين أخذت طهران تتحضر لمواجهة الرجل الذي وعد "بإزالة آثار أوباما"، لكن تركيا التي سرها رحيل "الرئيس الليبرالي الأسمر" لم تحصل على ما تبتغيه من "الرئيس المحافظ الأصهب"، إذ استمر البنتاغون (وزارة الدفاع) في دعم الأكراد وتسليحهم، باعتبارهم وكيلا حصريا معتمدا في سورية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. دفع القلق التركي من تمكين الأكراد والإيرانيين من تهديدات ترامب الطرفين إلى تضييق خلافاتهما في سورية، لا بل وإيجاد صيغةٍ للتعاون من خلال مسار أستانة، بلغت ذروتها في التفاهم أخيرا بشأن إدلب.
تبدو المواقف والسياسات الروسية في المنطقة، هي الأخرى، محدّدة بنظيرتها الأميركية، وبمثابة رد فعل عليها، فعدا عن أن الرئيس بوتين يريد إثبات أنه ند للأميركيين، لا بل يستطيع من خلال الاستراتيجيات والتكتيكات التي يستخدمها الفوز عليهم بالنقاط، يبدو أن هدفه الرئيس بات يتمثل في إخراج واشنطن كليا من المنطقة، ردا على إخراجه من أوكرانيا، وإذلاله بالعقوبات التي فرضت عليه عقب ضمه القرم. وبعد أن خاب أمله بإمكانية تحسين العلاقات معها في عهد ترامب، أخذ بوتين يستغل أخطاء واشنطن واستخفافها بمصالح حلفائها، محاولا استمالة من يستطيع منهم في مسعىً يبدو أنه يؤتي ثمارا لتشكيل معسكر يضم قوىً مختلفة، نقطة التقائها الأساسية العداء للسياسات الأميركية. حتى الآن، تمكن بوتين من اجتذاب تركيا إلى جانب الصين وإيران، ويبدو أنه في طريقه لضم باكستان، بعد التهديدات التي تلقتها أخيرا من إدارة ترامب بذريعة دعمها جماعات متشددة في أفغانستان.
هناك دول أخرى في المنطقة تحرّكها السياسات الأميركية أيضاً، انما من زوايا أكثر ضيقاً، فالأردن مثلاً بدأ يتحرك بخطى أسرع نحو إعادة العلاقات مع النظام السوري، والتخلي عن فصائل الجبهة الجنوبية (بالطلب إليها التحول إلى جهاز شرطة محلي)، بعد أن أوقفت واشنطن برامج المساعدة التي تقدمها للمعارضة السورية. وضربت السعودية موعداً لزيارة ملكها إلى موسكو بعد نحو سنتين من التأجيل، في لحظة تنامي مستوى عدم اليقين لديها إزاء الموقف الأميركي الذي كان يفترض أن يكون داعماً لها في الأزمة مع قطر، فضلاً عن قلقها من تنامي مشاعر العداء تجاهها في أوساط الكونغرس ودوائر الإعلام الأميركي. أما نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، فهو وإن كان يجد نفسه على سجيته، وبين أصحابه في موسكو، إلا أن عينه تبقى معلقة بالحبيب الأول (واشنطن).
باختصار شديد، تشهد المنطقة حالة غير مسبوقة من الاصطفاف وإعادة الانتظام في معسكرات، تحرّكها جميعاً الرغبة في الثأر من واشنطن، الخوف منها، أو الأمل في استعادة اهتمامها.
انظر مثلاً إلى سياسة التقارب التركي- الإيراني أخيرا، والتي تكاد تكون مدفوعةً بالمطلق بالموقف من الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة. خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، اتسمت العلاقة الإيرانية - التركية بالتوتر الشديد، بعد أن دخل البلدان في حرب وكالة في سورية، ساندت خلالها طهران النظام السوري، فيما وقفت أنقرة إلى جانب المعارضة. وفي الوقت الذي بلغت فيه العلاقات التركية- الأميركية في عهد أوباما الحضيض، شهدت العلاقات الإيرانية- الأميركية حالةً من الدفء، عكستها الاجتماعات الثنائية المتكرّرة التي جمعت وزيري الخارجية الإيراني، جواد ظريف والأميركي جون كيري، خصوصا بعد التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو/ تموز 2015.
مع وصول ترامب إلى السلطة، بدا أن الأمور على وشك أن تتغير، إذ كانت تركيا تستعد لعلاقات أفضل مع واشنطن، في حين أخذت طهران تتحضر لمواجهة الرجل الذي وعد "بإزالة آثار أوباما"، لكن تركيا التي سرها رحيل "الرئيس الليبرالي الأسمر" لم تحصل على ما تبتغيه من "الرئيس المحافظ الأصهب"، إذ استمر البنتاغون (وزارة الدفاع) في دعم الأكراد وتسليحهم، باعتبارهم وكيلا حصريا معتمدا في سورية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. دفع القلق التركي من تمكين الأكراد والإيرانيين من تهديدات ترامب الطرفين إلى تضييق خلافاتهما في سورية، لا بل وإيجاد صيغةٍ للتعاون من خلال مسار أستانة، بلغت ذروتها في التفاهم أخيرا بشأن إدلب.
تبدو المواقف والسياسات الروسية في المنطقة، هي الأخرى، محدّدة بنظيرتها الأميركية، وبمثابة رد فعل عليها، فعدا عن أن الرئيس بوتين يريد إثبات أنه ند للأميركيين، لا بل يستطيع من خلال الاستراتيجيات والتكتيكات التي يستخدمها الفوز عليهم بالنقاط، يبدو أن هدفه الرئيس بات يتمثل في إخراج واشنطن كليا من المنطقة، ردا على إخراجه من أوكرانيا، وإذلاله بالعقوبات التي فرضت عليه عقب ضمه القرم. وبعد أن خاب أمله بإمكانية تحسين العلاقات معها في عهد ترامب، أخذ بوتين يستغل أخطاء واشنطن واستخفافها بمصالح حلفائها، محاولا استمالة من يستطيع منهم في مسعىً يبدو أنه يؤتي ثمارا لتشكيل معسكر يضم قوىً مختلفة، نقطة التقائها الأساسية العداء للسياسات الأميركية. حتى الآن، تمكن بوتين من اجتذاب تركيا إلى جانب الصين وإيران، ويبدو أنه في طريقه لضم باكستان، بعد التهديدات التي تلقتها أخيرا من إدارة ترامب بذريعة دعمها جماعات متشددة في أفغانستان.
هناك دول أخرى في المنطقة تحرّكها السياسات الأميركية أيضاً، انما من زوايا أكثر ضيقاً، فالأردن مثلاً بدأ يتحرك بخطى أسرع نحو إعادة العلاقات مع النظام السوري، والتخلي عن فصائل الجبهة الجنوبية (بالطلب إليها التحول إلى جهاز شرطة محلي)، بعد أن أوقفت واشنطن برامج المساعدة التي تقدمها للمعارضة السورية. وضربت السعودية موعداً لزيارة ملكها إلى موسكو بعد نحو سنتين من التأجيل، في لحظة تنامي مستوى عدم اليقين لديها إزاء الموقف الأميركي الذي كان يفترض أن يكون داعماً لها في الأزمة مع قطر، فضلاً عن قلقها من تنامي مشاعر العداء تجاهها في أوساط الكونغرس ودوائر الإعلام الأميركي. أما نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، فهو وإن كان يجد نفسه على سجيته، وبين أصحابه في موسكو، إلا أن عينه تبقى معلقة بالحبيب الأول (واشنطن).
باختصار شديد، تشهد المنطقة حالة غير مسبوقة من الاصطفاف وإعادة الانتظام في معسكرات، تحرّكها جميعاً الرغبة في الثأر من واشنطن، الخوف منها، أو الأمل في استعادة اهتمامها.