عند دراسة الاجتماعات الدورية لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" طيلة السنوات الأخيرة نلاحظ أنها تهدف إلى تقليص الإنتاج بهدف تجنب انهيار الأسعار. بمعنى آخر أن الأسعار في حقيقتها تتدهور باستمرار ولا يوقف انخفاضها إلا تقليص العرض.
سيقود هذا الأمر إلى تراجع الإيرادات النفطية وما يترتب عليه من نتائج خطيرة نظراً إلى الوضع الاقتصادي، خاصة في بلد كالعراق. بيد أن الاعتماد على سياسة اقتصادية وطنية سيفضي بالضرورة إلى تحسين الحالة المعيشية للعراقيين حتى وإن هبطت أسعار الخام.
في فبراير/ شباط 2020 وضع صندوق النقد الدولي تحليلاً لاقتصاديات دول مجلس التعاون. توصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الدول سوف تفقد ثرواتها المالية بعد 15 سنة. بل وسوف ترتفع ديونها ارتفاعاً هائلاً. وحسب الصندوق يعود السبب الأساس إلى هبوط أسعار النفط وما ينجم عنه من انخفاض الإيرادات.
اعتمد الصندوق على مؤشرات عدة للوصول إلى هذه النتيجة المنطقية التي تستوجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها. لذلك تحاول دول المجلس تقليص الريعية بطرق عديدة، أهمها التصنيع والخصخصة. لكن صندوق النقد الدولي يرى أن هذه الإجراءات لن تكون كافية. لذلك ينصح بتقليص النفقات وزيادة الضرائب.
في عام 2035 إذا كانت النتائج خطيرة في دول مجلس التعاون، حسب هذه التوقعات، فإن التداعيات ستكون حتماً أخطر بكثير في العراق، بسبب السياسة المتبعة حالياً. لتوضيح ذلك لا بد من إجراء المقارنات الأربع التالية:
المقارنة الأولى تتعلّق بالبنية التحتية
تتوفر بلدان الخليج على بنية تحتية قوية من جوانب عديدة. في حين يعاني العراق بشدة من ضعف في قطاعات التعليم والصحة والسكن والكهرباء وغيرها. يتطلب التصدي لهذا الضعف رصد أموال طائلة. ولن تكون الاعتمادات المالية متوفرة بسبب هبوط إيرادات النفط.
المقارنة الثانية تنصرف إلى الفساد المالي
كلما زاد الفساد المالي تعقّدت المشاكل الاقتصادية، خاصة في حالة هبوط الإيرادات النفطية. لأن قسطاً من هذه الإيرادات المنخفضة يذهب بصورة أو أخرى إلى حسابات أصحاب النفوذ بدلاً من أن تخصص جميع الإيرادات للصالح العام.
وتحقق قطر درجات أفضل لا تقل عن البرتغال وإسبانيا. في حين سجل العراق المرتبة العالمية رقم 162، وهو بذلك لا يختلف عن تشاد والكونغو. ومن المعلوم أن العراق يعاني هذه الأزمة منذ ثلاثة عقود، لكنها أصبحت مستشرية بعد الاحتلال.
- المقارنة الثالثة تخصّ مستوى الريعية
لا شك في ريعية اقتصادات دول الخليج والعراق. فهي تقوم على الحصول على إيرادات نفطية لاستيراد المواد المختلفة. وبالتالي فإن أي هبوط في حجم هذه الإيرادات سيؤثر سلبياً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى معيشة المواطنين. وكلما زادت درجة الريعية ارتفعت التداعيات السلبية. الأمر الذي يفسّر الخطورة الكبرى في العراق قياساً بدول مجلس التعاون.
كذلك تحاول دول مجلس التعاون منذ عقود بذل الجهود في سبيل تنويع مصادر إيراداتها العامة وصادراتها. في حين لا يعير العراق أية أهمية لمثل هذه الجهود.
المقارنة الرابعة تهم الثروات السيادية
تلعب الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون، خاصة الإمارات وقطر والكويت والسعودية، دوراً أساسياً في مالية الدولة. فعندما تهبط العوائد النفطية يمكن لهذه الصناديق تعويض النقص كلياً أو جزئياً.
وحسب صندوق النقد الدولي بلغ حجم هذه الصناديق 2000 مليار دولار. رأس مال صندوق أبوظبي وحده يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي للإمارات. وكذلك حال صندوق الاستثمار القطري. أما العراق فلا يملك مثل هذه الصناديق، وبالتالي لا يمكنه تعويض أي نقص في حالة هبوط العوائد النفطية.
نتيجة تضافر هذه العوامل ستكون تداعيات انخفاض العوائد النفطية في العراق أكثر خطورة مقارنة بدول مجلس التعاون.
كيف ستكون إذن صورة العراق في عام 2035؟
يتسم الوضع الحالي كما هو معلوم بفقدان السيادة والمحاصصة الطائفية في جميع المجالات والفساد المالي المستشري والتمزّق الاجتماعي الخطير والسياسة الاقتصادية الفاشلة وارتفاع العجز المالي وتفاقم المديونية. فضلاً عن الدمار الحاصل في الأنبار ونينوى وجميع المناطق الجنوبية. أضف إلى ذلك الدور السلبي الذي يلعبه إقليم كردستان في المالية العراقية.
تحت ظل هذا الوضع سيقود انخفاض الإيرادات النفطية إلى تزايد الفقر المدقع وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتدهور القيمة التعادلية للدينار وتصاعد العبء الضريبي. ستزداد البطالة في القطاعين العام والخاص. وترتفع مرة أخرى الديون.
في عام 2035 سيكون عدد سكان العراق 57 مليون نسمة، أي بزيادة قدرها 46% مقارنة بالعدد الحالي. وبسبب انخفاض الإيرادات النفطية التي تنعكس مباشرة على الميزان التجاري والميزانية العامة، ستبرز حالة جديدة ظهرت معالمها في الوقت الحاضر وهي المجاعة.
كذلك سيزداد الوضع الأمني تأزماً نتيجة تفاعل ثلاثة عوامل: الأول وجود أحزاب وجماعات مسلحة ومؤثرة. الثاني تدهور الوضع المالي للبلد مما يؤثر على حساباته المالية ويجعله يصارع في سبيل الحصول على مزيد من المكاسب. والثالث أن النظام منذ الاحتلال الأميركي مبني أساساً على استمرار الصراعات العنيفة في أغلب الأحيان. ما من أزمة تنتهي حتى تظهر أخرى.
بات من الضروري العمل بجدية وسرعة على معالجة الريعية عن طريق الاهتمام بالتقدم التكنولوجي والتطوير الصناعي والزراعي. كذلك يتعيّن التخلص من القيم التي جاءت بعد عام 2003.
العراق في هذه الحالة سيكون مؤهلاً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. أما الزيادة السكانية فسوف تكون من العوامل الإيجابية. إذ تتطلب التنمية توفر اليد العاملة والخبرات العلمية والإمكانات الفنية في جميع الميادين.
يتعيّن أن تعتمد ميزانية الدولة على مبادئ جديدة تلبّي تطلعات الشعب من جهة وتنسجم مع المؤشرات الاقتصادية المقبلة، خاصة تناقص الإيرادات النفطية من جهة أخرى. لا بد من برنامج إنفاقي ملائم ومن مصادر تمويل تعتمد بالدرجة الأولى على جهود المواطنين.