يتزاحم العراقيون بشكل غير مسبوق على الرحلات العلاجية المتجهة نحو تركيا والهند وإيران والأردن ولبنان على وجه التحديد، تزامناً مع التراجع المتزايد في الخدمات الصحية والطبية في البلاد، وتصاعد فضائح ملفات الفساد بين آونة وأخرى في وزارات الدولة ومنها وزارة الصحة، إضافة إلى هجرة الخبرات والكفاءات العلمية بسبب تردي الوضع الأمني.
حازم الناصري مواطن عراقي أصيب بالسرطان في الكتف، وأخبروه في العراق أن عليه الخضوع لعملية بتر الذراع بالكامل، وأجبر على بيع ممتلكاته وتوجه إلى الهند حيث تلقى العلاج، من دون أي بتر، وشفي ليعود إلى عمله من جديد.
يقول الناصري لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأطباء في العراق عجزوا عن معالجتي، وقرروا بتر ذراعي من الكتف، لكنّ أحد أقربائي نصحني بالذهاب إلى الهند، وفعلاً قمت ببيع بعض ممتلكاتي وسافرت إلى الهند وهناك خضعت للعلاج لمدة ثلاثة أشهر، وأخبرني الأطباء الهنود بأن حالتي لم تكن تستوجب البتر إطلاقا".
وأضاف "المشكلة تكمن بأنّ المستشفيات العراقية سواء الحكومية أو الأهلية تكاد تخلو من الكفاءات الطبية، لأنّ أغلبها غادر البلاد، فضلاً عن عدم وجود أجهزة وعلاجات طبية متطورة".
ويقول متعهدو شركات الطيران والسفر والسياحة إنّ الزخم أصبح متزايدا أخيرا للحجز والسفر نحو الهند وتركيا وإيران، لكن الزخم الأكبر حالياً نحو الهند.
بارق الربيعي، صاحب شركة للسفر والسياحة في بغداد، يؤكد أنّ "التزاحم على حجز التذاكر للسفر إلى الهند وتركيا وإيران يأتي بسبب رخص كلفة العلاج مقارنة بالأردن وأوروبا مثلاً، فضلاً عن توفر خبرات كبيرة هناك تشخص بدقة وتعطي العلاج المناسب للمرضى".
ويضيف الربيعي لـ"العربي الجديد" شاهدنا كثيراً من الحالات المستعصية التي يستحيل علاجها في العراق، وتمت معالجتها بنجاح في الهند، وهي الدولة التي يقصدها أغلب المرضى العراقيين من ذوي الأمراض المستعصية والخطرة".
ويقدر المراقبون أعداد المرضى العراقيين المتوجهين إلى تلك الدول بنحو نصف مليون شخص، من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار ما جعل العراق أحد أبرز البلدان التي رفعت إيرادات السياحة العلاجية فيها خلال السنوات الأخيرة.
من جهته، رأى المعالج الفيزيائي نامق الجبوري، أنّ "إصابات الحرب والإعاقات الكثيرة نتيجة انفجار السيارات المفخخة أو العمليات العسكرية في ظل عدم توفر الإمكانيات اللازمة في مستشفيات العراق، جعلت الحل الأخير للمرضى بالتوجه للعلاج في الخارج وخاصة في الهند أو تركيا أو إيران".
ويضيف الجبوري لـ"العربي الجديد"، "هذه الإصابات وما تخلفها من أضرار جسدية لا تمكن معالجتها في العراق، لعدم توفر الإمكانيات والأجهزة المتطورة ولذلك فإن أكثر من 500 ألف عراقي يسافرون سنوياً للعلاج خارج البلاد".
وبسبب الإقبال الكبير من المرضى العراقيين على السياحة العلاجية أصبحت هناك شركات وصفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي مهمتها التنسيق بين المستشفيات في تلك الدول وبين المريض، وإرسال التقارير الطبية وتحديد موعد السفر.
علي حسن، صاحب مكتب بغداد للعلاج يقول: "مهمتنا تتمثل بمرحلتين؛ الأولى تتضمن التنسيق بين المستشفيات الهندية والتركية والمريض الراغب بالعلاج بعد عرض التقارير الطبية الخاصة بالمريض على الأطباء المتخصصين هناك، والاستحصال على الموافقة من قبل المستشفى المعني". ويوضح لـ"العربي الجديد، أنّ "المرحلة الثانية حصول المريض على تأشيرة السفر ثم استقباله هناك وتوفير مترجم يرافقه في رحلته العلاجية".
وتعدّ فضائح الفساد المتتالية في وزارة الصحة، وارتفاع ثمن العلاج وعدم توفر أجهزة ومعدات طبية متطورة قادرة على علاج الأمراض المستعصية، من أسباب بحث العراقيين عن العلاج في مستشفيات الخارج.
الشاب مصطفى الأنباري، أصيب بورم في الدماغ، ونصحه الأطباء في العراق بعدم إجراء عملية جراحية في مستشفيات البلاد، نظراً لانخفاض نسبة نجاحها. ويقول الأنباري، لـ"العربي الجديد"، "أخبرني الأطباء في العراق بأن نسبة نجاح العملية لا تتجاوز 10 في المائة ونصحوني بإجرائها في الخارج".
ويضيف "بما أنّ العلاج في الهند متطور وقليل الكلفة مقارنة بأوروبا والأردن وباقي الدول العربية، توجهت إليها وأجريت العملية بنجاح".
وتواجه وزارة الصحة العراقية بإدارتها الحالية والسابقة عشرات ملفات الفساد المالية والإدارية، إلا أن تجاذبات سياسية بين القوى البرلمانية تمنع من تفعيل ملاحقة قضائية لقضايا فساد تقدر بنحو 25 مليار دولار في الوزارة خلال السنوات العشر الماضية.