العالم إلى المعرفة... العرب إلى أين؟

29 يوليو 2015
هل يتجه العرب نحو اقتصاد المعرفة؟
+ الخط -
مع نهاية الألفية الثانية اجتاحت العالم جملة من التغييرات والتطورات العميقة والمؤثرة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. قد يختلف المحللون في توصيف وشرح هذه التغييرات أو في تصنيفها، إلا أنهم يتفقون على جذريتها وعمقها وقدرتها على نقل البشرية إلى حقبة تاريخية جديدة. تاريخياً، مرت البشرية بتغييرات متلاحقة وهذا جوهر التطور، لكنها ظلت قليلة تلك التطورات التي شكلت منعطفات تاريخية.

قد تكون الشمولية هي الميزة الأهم التي طبعت تطورات الفترة الأخيرة، إذ طاول التغيير عمق البنية الاقتصادية على الصعيدين الكلي والجزئي. كما سُجل تغيير ملحوظ في بعض الأنماط المحددة لسلوك الأسواق الثلاثة للاقتصاد: سوق السلع والخدمات، سوق العمل وسوق النقد. كما شهدنا أخيراً تغييرات مهمة في السلوك الاقتصادي بجناحيه الاستهلاكي والإنتاجي. هذه الشمولية في التغييرات حدت بالكثير من الباحثين للحديث عن اقتصاد مختلف تحت عناوين عدة: كالاقتصاد الرقمي، الاقتصاد الحديث أو الاقتصاد الجديد، وصولاً إلى اقتصاد المعرفة.
تاريخيا تبدل النموذج أو السلع المركزية (محرك) الاقتصاد: من قوى العمل إلى البخار ثم النفط مروراً بالكهرباء وصولاً إلى رأس المال البشري، ومع نهاية الألفية الثانية بدأت المعرفة تأخذ مكانها كنموذج أو قاطرة للاقتصاد.

اقرأ أيضاً: اللامساواة: الاقتصادات العربيّة تدفع ضريبة التهميش الاجتماعي والجندري 

في اقتصاد المعرفة تحل المعرفة في المركز من العملية الاقتصادية سواء لجهة الإنتاج أو لجهة الاستهلاك. وهنا نتجاوز أنمطة الإنتاج التقليدية وأنمطة الاستهلاك السابقة على حد سواء. بمعنى آخر، في عصر المعرفة تصبح المعرفة السلعة الأهم والمنتج المركزي الذي تتمحور حوله الاقتصاديات الحديثة. انتشار هذا المفهوم وشيوعه سيقطع مع الأشكال الاقتصادية السابقة التي لا تستطيع أن تضع المعرفة في المركز من العملية الاقتصادية.
في منطقتنا العربية، قاومت الاقتصاديات العربية التغييرات الكبيرة تحت مسميات عدة: مكافحة العولمة والحفاظ على السيادة وحماية الصناعات الوطنية ... إلخ. ولكن في حقيقة الأمر، كانت معظم الاقتصاديات العربية تتقوقع حول نفسها موصدة الباب على الكثير من التغييرات الإيجابية، ما جعلها اليوم في مواقف متأخرة إذا ما قارناها ونظيراتها من الدول التي كانت تملك نفس مستويات التطور في حقبة الستينيات، كوريا الجنوبية مثلاً.

اقرأ أيضاً: طغاة الاقتصاد‏

طبعا ليست الاقتصاديات العربية على مستوى واحد من التطور أو على درجة واحدة من التأخر بالنسبة لاقتصاد المعرفة، لكنها تشترك بصفتين أساسيتين مع تفاوت في نسبة حضور كل صفة من اقتصاد عربي إلى آخر. الأولى: سطوة "الريع" كمفهوم ناظم لأغلب السياسات الاقتصادية العربية، على حساب "الإنتاج" كمفهوم مؤسس لأي تطور اقتصادي. الأمر الذي حرم هذه الاقتصادات من أهم حافز؛ وهو" الربح" وأفسح المجال لحوافز أخرى ليست بالضرورة اقتصادية كحافز "التكسب". الثانية: فقر في التراكم المعرفي المندمج في الاقتصادات العربية، وإن سجل بعض الاقتصادات نسبة تراكم معرفي غالباً ما اقتصرت على جانب الاستهلاك دون قطاع الإنتاج. لقد حدد اقتصاد المعرفة الطريق لمعظم اقتصادات العالم، لكن للأسف ما زالت معظم الاقتصادات العربية تتخبط بعيدة عن هذه الطريق.
(باحث اقتصادي)

اقرأ أيضاً: مخصصات المسؤولين العرب ورواتبهم: فضيحة الفضائح!
المساهمون