الطيب الصديقي.. نقطة فاصلة

07 فبراير 2016
(1937- 2016)
+ الخط -

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، انتشرت على الإنترنت صور الزيارة التي قامت بها كل من المسرحيتين نعيمة زيطان وثريا جبران إلى بيت الطيب الصديقي.

الصور جاءت بعد ابتعاد الرجل عن الأضواء لمدة طويلة وكانت مفجعة للغاية، حيث ظهر مسنوداً إلى ضيفتيه في ضعف شديد ووهن كبير. عندها حزن الوسط الفني في المغرب لحال الرجل الذي بدا وكأن المرض يصفّي معه حساباً قديماً. بعد تلك الصورة صار الكل يترقب خبر موته الذي لم يتأخر كثيراً، فقد رحل "شيخ المسرح المغربي" أول أمس في إحدى مصحات الدار البيضاء.

في المغرب مثلما هو الحال في باقي البلدان العربية، لا يختلف أحد حول مكانة الطيب الصديقي، الفنان الذي أسّس مكانة المسرح المغربي عربياً وعالمياً، وله فضل كبير في تأصيل التجربة المسرحية المغربية، وعدم الارتماء بها كلية في أحضان المسرح الغربي.

صحيح أن المناداة بتأصيل المسرح العربي بدأت في المشرق، من خلال كتابات سعد الله ونوس، وسويف ادريس، وقاسم محمد وغيرهو، لكنها في المغرب اتخذت شكلاً تطبيقياً مباشراً إلى جانب التنظير من خلال تجربة الصديقي ومسرح التراث وعبد الكريم برشيد في المسرح الاحتفالي.

قبل اختياره للعمل على التراث، اقتبس الصديقي من المسرح العالمي بتقديمه لمسرحية "الحسناء" التي اقتبسها عن "أسطورة ليدي كويغا" لجان كسانو، ثم "مولات الفندق" عن كارلو جولودني و"محبوبة" عن "مدرسة النساء" لموليير، و"في انتظار مبروك" عن "في انتظار غودو" لصمويل بيكيت.

سرعان ما تجاوز الصديقي النصوص الغربية لمجموعة من الأسباب؛ منها نصيحة أستاذه جان فيلار الذي دعاه إلى تجاوز المسرح الغربي، ثم شعور الفنان العربي بضرورة التخلص من تبعيّة الغرب، فجاءت أعمال في هذا الاتجاه في وقت مبكر مثل مسرحيته "سيدي عبد الرحمن المجذوب".

هكذا إلى أن قدّم عام 1971 أحد أهم مسرحياته وأكثرها التصاقاً باسمه، "مقامات بديع الزمان الهمذاني"، العمل الذي جعل فيه فن المقامات عنصراً حكائياً مهماً وجعل الجمهور يعيد اكتشافه من جديد. ثم، جاءت مسرحية "سيدي ياسين في الطريق"، التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي من إخراجه عام 1984، ومسرحية "كان يا ما كان" عام 1971.

التراث كان محرّكاً لأعمال شهيرة أخرى مثل "الفيل والسراويل" و"جنان الشيبة". كان اعتماد الصديقي على التراث ممنهجاً ومقصوداً عن طريق دمج تقنيات المسرح بفنون تراثية مغربية كالحكواتي وسلطان الطلبة وفن البساط والرقص، ما مكّنه من نحت هوية مسرحية مغربية خالصة.

بدأت شهرة صاحب "قفطان الحب"، منذ تأسيسه لفرقة "مسرح العمال" التي كانت تنشط قرب ميناء الدار البيضاء، وكان الصديقي يعرض كل ليلة مسرحية خاصة بطبقة عمال معينة. ومن الخشبة تنامى الفكر النضالي في صفوف العمال المغاربة وكان مسرحيات الصديقي، إضافة إلى مجموعة دوافع، حافزاً لالتفاتهم إلى المطالبة بحقوقهم.

لم يكن المسرح كل شيء في حياة الصديقي، فهو رجل متشعب الثقافة والميول كان كثير التأليف ومتعدّد الاهتمامات، بين الخط العربي والتشكيل والتأليف والتمثيل، انصرف في سنواته الأخيرة إلى التأليف فكتب بالفرنسية مجموعة من الكتب منها "بشكل فضفاض" و"نقطة فاصلة" و"المهووس النّصي".

جلبت له زيارته لإسرائيل بعد اتفاقية أوسلو الكثير من الانتقادات، خصوصاً بعد ارتباط الكثير من أعماله بالجانب النضالي والقضايا الوطنية، لكنه في الكثير من الحوارات برّر تلك الزيارة بأنها كانت بدعوة من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأنه لم يقدّم أي عمل فني هناك.


اقرأ أيضاً: نصوص المسرح العربي.. كتابة مطوّقة

دلالات
المساهمون