الطاعون اللبناني

25 يوليو 2015
تستقيل الدولة اللبنانية من كل مهامها (حسين بيضون)
+ الخط -
كان ينقص بيروت 22 ألف طن من النفايات في شوارعها ليكتمل مشهد الذل الذي يعيشه المواطنون يومياً في ظل استقالة الدولة من كل مهامها. مع هذه الكارثة المستجدة تبدو الكوارث السياسية والأمنية والاقتصادية السابقة والمتراكمة سهلة الفهم. يبدو الفراغ الرئاسي هيّناً ويمكن استيعابه، وكذلك التعطيل الحاصل في مجلسي الوزراء والنواب. في حين أنّ كل هذا يغذي واقع سيطرة الدويلات الموجودة أصلاً باسم حقوق الطوائف والمذاهب، وتصبح المطالبة بتشريع هذه الدويلات أمراً قابلاً للنقاش.
بالطبع كل هذا أكثر تعقيداً من تنظيم ملف جمع وكنس وحرق وطمر النفايات، فيصبح من المقبول أيضاً أن يموت مواطنون طعناً في الشوارع أمام عدسات الكاميرات وعلى مسمع أجهزة الأمن. يصبح من المنطقي أيضاً أن تشهد السجون اللبنانية ممارسات تعذيب منظّم، أو أن يصل القمع الاجتماعي إلى حد دفع أحد الشبان إلى الانتحار نتيجة خياراته السياسية.
يعجز طاقم سياسي متكامل في السلطة والمعارضة، وفي الاثنتين معاً، عن معالجة قضية النفايات. أصلا لا تبدو الحدود بين المعارضة والموالاة واضحة المعالم. في حين أن قسماً من هذا الطاقم يحسم معارك عسكرية ميدانية في سورية، فيجري تعديلاته على جغرافيا المنطقة ويلعب بحدودها ليتدخّل في الشؤون اليمنية والعراقية والسورية. كل هذا يحصل وأطنان النفايات تنتشر بين المواطنين. زعماء وأحزاب وسياسيون مستعدّون لمناقشة الشؤون الاستراتيجية العامة والخاصة في كل المنطقة، يحلّلون في الاتفاق النووي وفي تغيير اتفاقية سايكس-بيكو ومخاطر التفتيت السياسي والاجتماعي ومشاريع التقسيم. فتنتهي حفلات تحليلاتهم الصباحية والمسائية بملء أكياس النفايات ورميها بين الناس، مع التأكيد على ضرورة الانضمام إلى محاور "محاربة الإرهاب" وقتال "داعش".

لم يعد همّ اللبنانيين مواعيد فصل التيار الكهربائي أو انقطاع المياه، يريدون فقط التجوّل في عاصمتهم بقليل من الاحترام لا أكثر، لأن بيروت تحوّلت إلى مدينة للجرذان حيث يمكن لـ "الطاعون" أن يظهر من جديد، لكن ليصيب قوارض بشرية قادرة على الحكم والتنظير والسرقة وإدارة الفساد وإقناع جمهورها أنها لا تزال بشرية.