08 نوفمبر 2024
الصراع في ليبيا.. إلى الدين أيضا
بينما يعلن خليفة حفتر عن سيطرته على مدينة بنغازي في 5 يوليو/ تموز الجاري، ظهر اتجاه إلى إثارة الصراع الإثني والديني، حيث نشرت اللجنة العليا للإفتاء (الحكومة المؤقتة) فتوى بتكفير أتباع المذهب الإباضي في ليبيا، ظهرت في مطلع يوليو/ تموز الجاري من دون تاريخ محدد، غير أن تناولها ضمن السياق السياسي يثير الجدل بشأن انبعاث اتجاهاتٍ جديدة للصراع، من شأنها تقويض فرص الحل السياسي، وهو ما يثير الجدل بشأن دوافع هذه التوجهات والآثار السياسية المترتّبة عليها.
وعلى الرغم من أن إصدار "اللجنة العليا للإفتاء" آراء وفتاوى بشأن تياراتٍ فكريةٍ ودينية وسياسية تتسم بالطابع المحلي، مثل مريدي التيار الصوفي والنشطاء في التيار المدني والكتّاب والمثقفين وغيرهم، فإن صدور فتوى بتكفير الإباضية لا تقتصر آثاره على ليبيا، وإنما تشمل أتباع المذهب الإباضي في المغرب العربي، ومن ثم، اعتبر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، في 11 يوليو/ تموز الجاري، الفتوى بمثابة تحريض صريح على الإبادة الجماعية للأمازيغ في ليبيا، وانتهاك للمعاهدات والمواثيق الدولية.
وبغض النظر عن التقييم الديني لهذه الفتوى، تبدو آثارها السياسية مثيرةً للاهتمام، حيث لا تنصرف فقط إلى إثارة صراع مذهبي، ولكنها تقود المجتمع والدولة نحو انقساماتٍ سياسيةٍ أكثر حدة، فإنه بالنظر للترابطات والتحالفات القائمة، تزيد احتمالات الصراع بين المكونات الثقافية بشكلٍ يهدّد تكامل الدولة والاندماج الوطني، فمنذ بداية الأزمة السياسية، ظهر انحياز كثيرين من جماعة التبو لعملية الكرامة، فيما ساند الطوارق والأمازيغ المكونات السياسية والعسكرية والمناهضة لمشروع حفتر في غرب ليبيا.
تعزّز هذه الفتوى الانقسامات الدينية، بسبب ظهور الخلاف المذهبي، واحدا من عوامل الصراع، ما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار في السياسة الليبية، خصوصاً مع الاستبعاد السياسي لجماعة سكانية على خلفية مذهبية، وهو ما يشكل معضلةً بجانب العلاقات المتنافرة ما بين؛ الإخوان المسلمين، السلفية، والسلفية الجهادية، بحيث صار وجود هذه المكونات في بيئةٍ واحدةٍ يشكل تهديداً للاستقرار السياسي.
تبدو الفتوى ضد إباضية الأمازيغ متّسقةً مع الترتيبات العسكرية في الغرب الليبي، فبعد إعلان
السيطرة على بنغازي، ظهرت اتجاهاتٌ إلى استقطاب الكيانات العسكرية، أو الضغط عليها، لأجل التعاون مع مشروع "الكرامة"، غير أن رفض الأمازيغ، وكثير من المجالس العسكرية للمدن الغربية، دخول حفتر طرابلس، يساعد على قراءة الفتوى وتداعياتها في سياق تعميق الاستقطاب في تلك المنطقة المتعدّدة الانتماءات الجهوية والسياسية، ما يزيد من احتمالات تكرار تجربة انفلات الأمن في بنغازي منذ 2013، وهي فترةٌ لم تقتصر على تعميق الحرب الأهلية، وإنما لازمها اغتيال شخصيات عامة كثيرة.
كما أنها تتكامل مع صدور قائمة التصنيفات الإرهابية الصادرة عن لجنة "الأمن القومي" (مجلس النواب)، وذلك من وجهة تحديد نطاقات الصراع، في أشكالها السياسية والعسكرية والدينية، فخلال السنوات الماضية، كان المحور الأساسي للصراعات يتركّز في الصراع حول استبعاد الإسلام السياسي عن مؤسسات الدولة، وهو صراعٌ يدور بين النخب السياسية الجديدة وتلك التي تشكل امتداداً لنظام الفاتح من سبتمبر. وهنا ، يمكن الحديث عن تداخل الصراع، وظهور معوقات إضافية أمام المحاولات المحدودة للانتقال السياسي، وتضعف فاعلية الانتخابات التشريعية والرئاسية حلا سياسيا.
خلال مشوار الفترات الانتقالية، طالب الأمازيغ بإجراء تعديلاتٍ علي الإعلان الدستوري، (المادة 30) لتتضمن مبدأ التوافق في التصويت علي مشروع الدستور الجديد، بدلا من نظام الأغلبية (الثلثين)، وتشمل هذه التعديلات المادة 1 جاءت خالية من النص على حق الأمازيغ في ترسيم لغتهم، كما أن المادة 30 لا تتيح للأمازيغ التعبير عن هويتهم، وإزاء عدم الاستجابة لهذه المطالب، اتجه الأمازيغ إلى مقاطعة المؤسسات الليبية، وكان أهمها مقاطعة انتخابات كل من الهيئة التأسيسية ومجلس النواب، بالإضافة إلى الاتفاق السياسي، وعدم الاعتراف بشرعيتهم، وتأسس موقف الأمازيغ على ما اعتبره المجلس الأعلى للأمازيغ تمثيلاً شكلياً، لا يؤثر في السياسة الليبية.
ولذلك، وقف الأمازيغ على مسافةٍ بعيدةٍ عن المشاركة السياسية وتداعياتها، لكنهم أعلنوا لاحقاً استعدادهم للوقوف ضد تدخلات حفتر في منطقة الجبل الغربي، وقد يرجع هذا الموقف إلى قلقهم من عاملين؛ الترابط بين "الكرامة" و"التبو"، وتزايد احتمالات التحول نحو نظام عسكري متحيز ضد المكون الأمازيغي، وبشكل يماثل نظام معمر القذافي. وقد شكل هذا الواقع الدافع الرئيسي لانضواء الأمازيغ تحت مظلة عملية فجر ليبيا منذ تأسيسها، باعتبارها مشروعاً سياسياً مناهضاً لمشروع حفتر، وترجع أهمية هذه الجزئية إلى بسط الكيانات العسكرية الأمازيغية سيطرتها على طرق رئيسية غرب طرابلس وجبل نفوسة، ما يجعلها أحد الأطراف المؤثرة في المنطقة الغربية.
وبشكل عام، يمكن النظر إلى إعلان خليفة حفتر عن سيطرته على بنغازي، باعتباره التطور الأكثر ظهوراً في هذه المرحلة، فقد لقي ترحيب أطراف ليبية كثيرة، وكذا الأمم المتحدة،
باعتباره خطوة متقدمة في محاربة الإرهاب، غير أنه يواجه قيوداً أخرى، تتمثل في مصدرين. الأول؛ وجود كيانات عسكرية وسياسية، تعمل تحت مظلة حكومة الوفاق ومجلس الدولة، يصعب تهميشها أو استبعادها من المشهد السياسي. وبالتالي، فإن نقل نموذج بنغازي قد لا يكون خياراً سهلاً أو ممكناً. والثاني أن هذه التغيرات تحدث في ظل حالة فراغ دستوري، تلقي أعباء إضافية أمام محاولات حل الصراع أو عسكرة الإدارة المدنية، ما يزيد من احتمالات فتح آفاق الصراع المسلح.
كما أنه يمكن القول إن محاولة حفتر تكرار تجربة القذافي في إثارة الصراع الاجتماعي تواجه قيوداً كثيرة، في مقدمتها تفكّك مؤسسات الدولة، وغياب قوة حاسمة، أو تحالفات سياسية مستقرة، يمكنها فرض السلطة في أرجاء الدولة الشاسعة.
في هذا السياق، طرح رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، في 15 يوليو/ تموز الجاري، خريطة للخروج من الأزمة الحالية، بتصحيح الوضع الدستوري للمؤسسات، استناداً على الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وهي صيغةٌ أقرب إلى البحث عن تشكيل سياقٍ دستوري انتقالي، لكنه لا يضع حلولاً حاسمة للتناقضات الحالية، حيث يربط مشروع الدستور بالهيئة التأسيسية، على الرغم من الارتباكات المزمنة في مشوراها السياسي، ومن دون الأخذ في الاعتبار المناقشات بشأن بدائل أخرى لحل معضلة الدستورالدائم. ويشير أيضاً إلى أن التداعيات الحالية هي مسؤولية كل الأطراف، ومنها عدم وفاء كل مؤسسات اتفاق الصخيرات بالتزاماتها المرحلية. ولذلك يخلص إلى أن الخروج من الفراغ الدستوري يكون عبر إعادة تأسيس المشروعية السياسية، من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية تجرى في بداية 2018، وعلى الرغم من توافقها مع المبادرة المصرية (فبراير/ شباط 2017)، فإن هذه المبادرة لقيت صدى قليلا من مجلس النواب والحكومة المؤقتة، وهو ما يثير القلق بشأن التراضي على الانتخابات حلا للأزمة السياسية، حيث يشكل انتشار السلاح تحدياً لحرية الانتخابات.
في سياق هذه التغيرات، لا يمكن النظر إلى وضع الأمازيغ ضمن سياسات حقوق الإنسان، لكنها مسألة تتعلق ببناء الدولة وتحديد العلاقة بين مكوّناتها الدينية والثقافية. وهذا ما يشكل جانباً جوهرياً في الأزمة السياسية، خصوصاً مع إثارة النزاعات الدينية والاستبعاد الاجتماعي، فيما تحتدم الخلافات والصراعات السياسية، ولعل المعضلة التي تواجه السياسة الليبية تكمن، بشكل أساسي، في أن بناء سياسات الصراع ظلت متفوقة، في الفترة الماضية، على محاولات بناء السلام. ومن ثم، يشكل عدم الوصول إلى إطار سياسي يستعيد مشروعية المؤسسات، ويثبط الصراعات الأيديولوجية، سوف يضع البلاد أمام خياراتٍ متباينةٍ، قد لايكون من بينها الحل السياسي.
وعلى الرغم من أن إصدار "اللجنة العليا للإفتاء" آراء وفتاوى بشأن تياراتٍ فكريةٍ ودينية وسياسية تتسم بالطابع المحلي، مثل مريدي التيار الصوفي والنشطاء في التيار المدني والكتّاب والمثقفين وغيرهم، فإن صدور فتوى بتكفير الإباضية لا تقتصر آثاره على ليبيا، وإنما تشمل أتباع المذهب الإباضي في المغرب العربي، ومن ثم، اعتبر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، في 11 يوليو/ تموز الجاري، الفتوى بمثابة تحريض صريح على الإبادة الجماعية للأمازيغ في ليبيا، وانتهاك للمعاهدات والمواثيق الدولية.
وبغض النظر عن التقييم الديني لهذه الفتوى، تبدو آثارها السياسية مثيرةً للاهتمام، حيث لا تنصرف فقط إلى إثارة صراع مذهبي، ولكنها تقود المجتمع والدولة نحو انقساماتٍ سياسيةٍ أكثر حدة، فإنه بالنظر للترابطات والتحالفات القائمة، تزيد احتمالات الصراع بين المكونات الثقافية بشكلٍ يهدّد تكامل الدولة والاندماج الوطني، فمنذ بداية الأزمة السياسية، ظهر انحياز كثيرين من جماعة التبو لعملية الكرامة، فيما ساند الطوارق والأمازيغ المكونات السياسية والعسكرية والمناهضة لمشروع حفتر في غرب ليبيا.
تعزّز هذه الفتوى الانقسامات الدينية، بسبب ظهور الخلاف المذهبي، واحدا من عوامل الصراع، ما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار في السياسة الليبية، خصوصاً مع الاستبعاد السياسي لجماعة سكانية على خلفية مذهبية، وهو ما يشكل معضلةً بجانب العلاقات المتنافرة ما بين؛ الإخوان المسلمين، السلفية، والسلفية الجهادية، بحيث صار وجود هذه المكونات في بيئةٍ واحدةٍ يشكل تهديداً للاستقرار السياسي.
تبدو الفتوى ضد إباضية الأمازيغ متّسقةً مع الترتيبات العسكرية في الغرب الليبي، فبعد إعلان
كما أنها تتكامل مع صدور قائمة التصنيفات الإرهابية الصادرة عن لجنة "الأمن القومي" (مجلس النواب)، وذلك من وجهة تحديد نطاقات الصراع، في أشكالها السياسية والعسكرية والدينية، فخلال السنوات الماضية، كان المحور الأساسي للصراعات يتركّز في الصراع حول استبعاد الإسلام السياسي عن مؤسسات الدولة، وهو صراعٌ يدور بين النخب السياسية الجديدة وتلك التي تشكل امتداداً لنظام الفاتح من سبتمبر. وهنا ، يمكن الحديث عن تداخل الصراع، وظهور معوقات إضافية أمام المحاولات المحدودة للانتقال السياسي، وتضعف فاعلية الانتخابات التشريعية والرئاسية حلا سياسيا.
خلال مشوار الفترات الانتقالية، طالب الأمازيغ بإجراء تعديلاتٍ علي الإعلان الدستوري، (المادة 30) لتتضمن مبدأ التوافق في التصويت علي مشروع الدستور الجديد، بدلا من نظام الأغلبية (الثلثين)، وتشمل هذه التعديلات المادة 1 جاءت خالية من النص على حق الأمازيغ في ترسيم لغتهم، كما أن المادة 30 لا تتيح للأمازيغ التعبير عن هويتهم، وإزاء عدم الاستجابة لهذه المطالب، اتجه الأمازيغ إلى مقاطعة المؤسسات الليبية، وكان أهمها مقاطعة انتخابات كل من الهيئة التأسيسية ومجلس النواب، بالإضافة إلى الاتفاق السياسي، وعدم الاعتراف بشرعيتهم، وتأسس موقف الأمازيغ على ما اعتبره المجلس الأعلى للأمازيغ تمثيلاً شكلياً، لا يؤثر في السياسة الليبية.
ولذلك، وقف الأمازيغ على مسافةٍ بعيدةٍ عن المشاركة السياسية وتداعياتها، لكنهم أعلنوا لاحقاً استعدادهم للوقوف ضد تدخلات حفتر في منطقة الجبل الغربي، وقد يرجع هذا الموقف إلى قلقهم من عاملين؛ الترابط بين "الكرامة" و"التبو"، وتزايد احتمالات التحول نحو نظام عسكري متحيز ضد المكون الأمازيغي، وبشكل يماثل نظام معمر القذافي. وقد شكل هذا الواقع الدافع الرئيسي لانضواء الأمازيغ تحت مظلة عملية فجر ليبيا منذ تأسيسها، باعتبارها مشروعاً سياسياً مناهضاً لمشروع حفتر، وترجع أهمية هذه الجزئية إلى بسط الكيانات العسكرية الأمازيغية سيطرتها على طرق رئيسية غرب طرابلس وجبل نفوسة، ما يجعلها أحد الأطراف المؤثرة في المنطقة الغربية.
وبشكل عام، يمكن النظر إلى إعلان خليفة حفتر عن سيطرته على بنغازي، باعتباره التطور الأكثر ظهوراً في هذه المرحلة، فقد لقي ترحيب أطراف ليبية كثيرة، وكذا الأمم المتحدة،
كما أنه يمكن القول إن محاولة حفتر تكرار تجربة القذافي في إثارة الصراع الاجتماعي تواجه قيوداً كثيرة، في مقدمتها تفكّك مؤسسات الدولة، وغياب قوة حاسمة، أو تحالفات سياسية مستقرة، يمكنها فرض السلطة في أرجاء الدولة الشاسعة.
في هذا السياق، طرح رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، في 15 يوليو/ تموز الجاري، خريطة للخروج من الأزمة الحالية، بتصحيح الوضع الدستوري للمؤسسات، استناداً على الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وهي صيغةٌ أقرب إلى البحث عن تشكيل سياقٍ دستوري انتقالي، لكنه لا يضع حلولاً حاسمة للتناقضات الحالية، حيث يربط مشروع الدستور بالهيئة التأسيسية، على الرغم من الارتباكات المزمنة في مشوراها السياسي، ومن دون الأخذ في الاعتبار المناقشات بشأن بدائل أخرى لحل معضلة الدستورالدائم. ويشير أيضاً إلى أن التداعيات الحالية هي مسؤولية كل الأطراف، ومنها عدم وفاء كل مؤسسات اتفاق الصخيرات بالتزاماتها المرحلية. ولذلك يخلص إلى أن الخروج من الفراغ الدستوري يكون عبر إعادة تأسيس المشروعية السياسية، من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية تجرى في بداية 2018، وعلى الرغم من توافقها مع المبادرة المصرية (فبراير/ شباط 2017)، فإن هذه المبادرة لقيت صدى قليلا من مجلس النواب والحكومة المؤقتة، وهو ما يثير القلق بشأن التراضي على الانتخابات حلا للأزمة السياسية، حيث يشكل انتشار السلاح تحدياً لحرية الانتخابات.
في سياق هذه التغيرات، لا يمكن النظر إلى وضع الأمازيغ ضمن سياسات حقوق الإنسان، لكنها مسألة تتعلق ببناء الدولة وتحديد العلاقة بين مكوّناتها الدينية والثقافية. وهذا ما يشكل جانباً جوهرياً في الأزمة السياسية، خصوصاً مع إثارة النزاعات الدينية والاستبعاد الاجتماعي، فيما تحتدم الخلافات والصراعات السياسية، ولعل المعضلة التي تواجه السياسة الليبية تكمن، بشكل أساسي، في أن بناء سياسات الصراع ظلت متفوقة، في الفترة الماضية، على محاولات بناء السلام. ومن ثم، يشكل عدم الوصول إلى إطار سياسي يستعيد مشروعية المؤسسات، ويثبط الصراعات الأيديولوجية، سوف يضع البلاد أمام خياراتٍ متباينةٍ، قد لايكون من بينها الحل السياسي.