الشعراوي وهّابيا!

12 نوفمبر 2019
+ الخط -

نشر الفنان خالد أبو النجا تغريدةً يصف فيها الشيخ متولي الشعراوي بالجهل والوهابية والعكّ. من حقه، نظريا، أن يرى في الشعراوي جاهلا. ومن حقه أن يرى في حالة الشعراوي محض عكّ. أحكام قيمة مجانية، والجميع يقترفونها ليل نهار. أما الوهابية فهي دعوة لها سياقها التاريخي ومآلاتها وأفكارها ونتائجها، ولها خصومها الفكريون والسياسيون، وأبرز الخصوم الفكريين هم الصوفية، فالوهابي والصوفي أبيض وأسود، يمين ويسار، شيوعي ونيوليبرالي، أهلي وزمالك. ووصف الشعراوي المتصوّف بالوهابي يشبه وصف عبد الفتاح السيسي بأنه من نشطاء يناير، أو لعله يشبه وصف إعلام السيسي خالد أبو النجا نفسه بأنه "إخوان".
استخدم الفنان، صاحب الموقف، لفظة وهابي بدلالتها الفيسبوكية. رآها قرينة لكل تشدّد، فأتى بها ليصف بها الشيخ الذي يراه متشدّدا. إلى هنا، نحن نتعامل مع "فنان" ليس من شواغله تيارات الفكر الإسلامي، والتمييز الدقيق بينها. المدهش هو ما فعله الوهابيون، سواء بالانتماء المباشر للفكرة أو هؤلاء الذين تولوا "وهبنة"حواضنهم التي نشأوا فيها، فتحوّلت، على أيديهم، إلى فروع للوهابية، وهابية في الأزهر، وهابية في السلفية المصرية (تجربة مختلفة عن نظيرتها السعودية)، وهابية في جماعة الإخوان المسلمين (لم تكن حركة وهابية كما يتصور بعض خصوم الإخوان على طريقة أبو النجا). هؤلاء الوهابيون، بالأصل أو بالوكالة، ذهبوا يدافعون عن الشيخ الشعراوي العظيم، وعلمه وفضله وحلاوته وجماله، في مقابل المؤامرة العلمانية السيساوية على الإسلام، وليس على الشعراوي، لأن استهدافه يعني استهداف الإسلام عن طريق استهداف رموزه، إي والله العظيم. فجأة تحول الشعراوي، البعيد كل البعد عن السنة، هو وكل علماء الأزهر، كما وصفهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، إلى الرمز الإسلامي الذي يتآمر عليه الأشباح. فجأةً تحول الشعراوي، منحرف العقيدة، الوصف أيضا للألباني، إلى رمز العقيدة، والوصف الجديد لوكلاء الألباني، فجأةً تحوّل الشعراوي الذي لا ينتمي تفسيره إلى تفسيرات أهل السنة، الصوفي، المحترق، المؤول، المخرّف، والأوصاف كلها لمشايخ الوهابية، (وأهل العلم الثقات!)، إلى شمس المعارف في التفسير، بل وفي الفقه والحديث وكل العلوم الشرعية والإنسانية والطبيعية والماورائية. فجأة تحول النقاش إلى فرح العمدة، والأولوية لصاحب النقوط الأكبر، وتحوّل الشعراوي بالفعل، لا بتغريدة أبو النجا، إلى رمز وهابي.
لا يحتاج الأمر إلى إثبات. الشعراوي خصم السلفيين، كما أنه خصم الجماعات الإسلامية، وفي مقدمتهم الإخوان، وهو القائل: "الانتماء إلى حزب ديني ليس من ركائز الإسلام، ولا يضير إسلامي شيء إن لم أنتم لهذا الحزب، فأنا مسلمٌ قبل أن أعرفكم، وأنا مسلمٌ قبل أن تكونوا حزبا، وأنا مسلم بعد زوالكم، ولن يزول إسلامي بدونكم، لأننا كلنا مسلمون، وليسوا هم وحدهم من أسلموا". وفي السياق، يقول الشعراوي: "أرفض أن أنتمي إلى حزبٍ يستجدي عطفي، مستندا على وازعي الديني، قبل أن يخاطب عقلي، لأنني أرفض أن أستجدي ديني في صندوق انتخاب، وديني لا أستجديه من غير خالقي". ولولا المساحة هنا لأتيت بمزيد من كلامه عنهم، وكلامهم وردودهم عليه.
حين يتحوّل الدين إلى حزب سياسي لا يتوقف الأمر عند توظيف العاطفة الدينية بوصف الشعراوي، بل يتجاوز إلى تحويل الدين نفسه إلى لعبة، النصوص والآراء الدينية إلى "كروت" على طاولة قمار، "اللي تكسب به العب به". يعاديه القوم طوال حياته، وحياتهم، حتى إذا تحوّل الشعراوي إلى فرصة لـ "فش الغل" وتصفية الحسابات وتجديد الشرعيات، بدفاعٍ متخيلٍ عن الدين، يتحوّل الوهابيون إلى شعراويين، ويتجرّدون لحمايته من العلمانيين الأشرار. ولا مانع، في السكة، الادعاء بأن الدولة بدورها تتآمر. عمرو أديب يدافع عن الشعراوي، تامر أمين يفعل، الحبيب علي الجفري، ومعه خالد الجندي وعبد الله رشدي ومخبرون آخرون، كلهم دافعوا عن الشيخ. لكن لا يهم، السيسي أيضا يتآمر، والعالم يتآمر، ونحن وحدنا من يحمي الشيخ، يا مصريين. ألا تتابعونا، ألا تصدّقونا، ألا تساعدونا، ألا تكبّرون. 

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان