السيستاني يحضّ العراقيين على النأي بالنفس في صدام إيران ـ أميركا

15 مايو 2019
جال الحكيم على الرؤساء الثلاثة (مكتب عبد المهدي)
+ الخط -
أثارت اللقاءات المفاجئة في بغداد، الأسبوع الماضي، بين قيادات عراقية مختلفة والنائب السابق عبد الهادي الحكيم المقرب من المرجع علي السيستاني، الكثير من التكهنات حولها، خصوصاً بعد لقاءات له عقدها بشكل متسلسل مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ثم رئيس الجمهورية برهم صالح والبرلمان محمد الحلبوسي، تم الإعلان عنها رسمياً من دون تناول فحوى اللقاءات والسبب منها وحتى الصفة التي قابل بها الحكيم الرئاسات العراقية الثلاث. وأكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن "الحكيم نقل رسالة بالغة الأهمية من المرجعية الدينية في النجف إلى الرئاسات الثلاث في بغداد، أهمها تلك التي كانت موجهة إلى عبد المهدي". ووفقاً لقيادي في تحالف الإصلاح، فإن "الحكيم أوصل خلال لقائه الأول بعادل عبد المهدي رسالة من المرجعية دعته فيها إلى أن يكون أكثر صرامة وحزماً في اتخاذ القرارات، وعدم التراجع أمام ضغوط الأحزاب التي تصبّ في مصالحها الخاصة"، مؤكداً أن "الحكيم أوصل لرئيس الوزراء رسالة بشأن الأزمة الحالية بين طهران وواشنطن وهي ضرورة تجنيب العراق شظايا الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، كون الشعب العراقي تعب جداً ولا يريد أي مشاكل أمنية أخرى". وكشف عن أن "الفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بإيران، فهمت موقف المرجع علي السيستاني أيضاً لكن من غير المؤكد أنها ستلتزم به".

وأشار أيضاً إلى أن "اللقاءات ناقشت وجود ضغوط من قبل قيادات سياسية على المرجعية الدينية بهدف استبدال عبد المهدي، وذلك بسبب ما يشاع عن تدخل المرجعية في اختياره لرئاسة الحكومة الحالية"، مشيراً إلى أن "رئيس الوزراء طلب دعماً إضافياً لحكومته من قبل المرجعية الدينية في النجف. كما أوصلت المرجعية إليه ما مفاده أنها غير راضية عن الأداء الحكومي في عدد من الملفات ولا سيما الخدمية منها".

بيانات الرئاسات الثلاث التي أعقبت اللقاءات مع عبد الهادي الحكيم، جاءت على نحو واحد تقريباً. ففي بيان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قال إنه "تمّت مناقشة شؤون داخلية مختلفة، كملفات الخدمات والتخطيط الحكومي للقضايا المتعلقة بالفيضانات والسيول والزراعة ومكافحة الفساد، وصولاً إلى العلاقات الخارجية والاتفاقيات والشراكات التي وقعها عبد المهدي خلال زيارتيه الأخيرتين إلى فرنسا وألمانيا".

كما تطرق المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب إلى أسباب زيارة الحكيم لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، موضحاً في بيان، أن "الزيارة ناقشت تطورات الأوضاع السياسية في البلاد، وجهود مجلس النواب في دعم الحكومة لتنفيذ برنامجها الحكومي من أجل تقديم أفضل الخدمات للمواطنين لتحسين الواقعين الخدمي والاجتماعي".

في المقابل، أكد المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية برهم صالح، أن "اللقاء مع النائب السابق عبد الهادي الحكيم استعرض بشكل تفصيلي الأوضاع السياسية الداخلية الراهنة في ما يخص الحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية والمجتمع المدني والأحزاب والمنظمات، إضافة إلى التنسيق الملحوظ بين الرئاسات، وكذلك التصعيد والتوتر الحاد الذي تشهده المنطقة والدور الأساسي الذي يمثله العراق في حلحلة الأمور المعقدة فيها".



من جهته، اعتبر القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، فتاح الشيخ، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "زيارة عبد الهادي الحكيم إلى الرئاسات الثلاث جاءت لتعبر عن رسالة مفادها أن العراق يجب أن لا يكون طرفاً في معادلة يمكن أن يخسر أحد طرفيها، ولمطالبة الحكومة العراقية بالنأي بنفسها عن الأزمة الأميركية الإيرانية، من أجل الحفاظ على العلاقات الخارجية المتوازنة مع جميع الأطراف". وأكد أن "بقاء العراق متوازناً في علاقاته مع دول الجوار يصب في مصلحة البلاد".

ودعا الشيخ بدوره "السياسيين الذين لديهم صلة بإيران إلى أن يكونوا أكثر وعياً وحذراً، وعدم الانجرار والاستفزاز لإقحام الحكومة العراقية في أمور لا تحمد عقباها"، مضيفاً أن "من أقصدهم هم السياسيون الموجودون في هيكل الحكومة، والسياسيون الذين لديهم صلة مع الدولة المجاورة إيران".

إلى ذلك، ذكر النائب عن تيار الحكمة الوطني جاسم البخاتي، في حديثٍ لوكالات محلية، أن "الرسائل التي بعثتها المرجعية الدينية للرئاسات الثلاث عبر الحكيم، جاءت من أجل تنبيه السلطات العراقية بشقيها التشريعي والتنفيذي من امتعاض المرجعية من الإرباك الحاصل في الحكومة من خلال تأخر إكمال التشكيلة الوزارية، ورئاسات اللجان النيابية، وعدم الاهتمام بالتشريعات التي لها علاقة بتقويم الدولة".

وأشار إلى "عدم رضى المرجعية عن آليات عمل الحكومة بكل توجّهاتها"، معتبراً أن "الزيارة أكدت القلق الشديد الذي يراود المرجعية تجاه الحكومة وما كانت تأمله من خلال الاهتمام بالخدمات وتقديم الأفضل للمواطنين".

الخبير بالشأن السياسي علي غالب، أوضح أن "أحد الخلافات غير المعلنة بين النجف وطهران قد يظهر قريباً للسطح، وهو أن موقف المرجع علي السيستاني عدم زج العراق بأي صفقات تصفية أو مساومة من قبل الإيرانيين. وظهر هذا الأمر في موجات تجنيد العراقيين من قبل أطراف إيرانية للقتال الى جانب بشار الأسد في سورية، والرسائل اليوم وإن كانت متوقعة من النجف لكنها تعبر عن الخلاف بين الجانبين بصورة أكبر". وأضاف أن "العراقيين اليوم لا يجدون رغبة في الاستماع لأصوات الدفاع عن إيران، تحديداً من سياسيين وزعماء فصائل مسلّحة، خصوصاً سكان الجنوب، لذلك فإن موقف المرجعية سيلاقي دعماً كبيراً من الشارع، وإن كان غير معلن. فالإعلان الصريح عن هذا الموقف غير ممكن في الوقت الحالي لأسباب كثيرة، منها أنه سيُفهم كانحياز للطرف المقابل على حساب إيران".

وعبد الهادي الحكيم هو ابن رجل الدين محمد تقي الحكيم، دخل مضمار السياسة في العراق عقب الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، وعُيّن عضواً في لجنة كتابة الدستور الجديد، إلا أنه اعتزل بالسنوات الأخيرة العمل السياسي. وهو ما جعل زياراته الأخيرة إلى بغداد بتوجيه من النجف مثار جدل واسع.