14 يوليو 2021
السياسة الدولية... لا صديق دائماً ولا عدو دائماً
قد يتراءى لك يا صديقي أن السياسة الدولية في أيامنا هذه تدار بأدوات الإصطفاف الإيديولوجي الهووي والعقائدي، ما قد ينتج عن ممارستها بهذه الأدوات والآليات ردود فعل بافلوفية قائمة على من كان عدوّك سيبقى عدوّك أبد الدّهر، ومن كان صديقك سيظلّ صديقك إلى آخر الأزمان..
المسألة لم تعد تقرأ بهذا الشكل البسيط، بل أصبحت أشدّ تعقيداً وتشابكاً مع حدّة التغيرات الجيوسياسية التي شهدها العالم بداية من العشريّة الأولى للقرن العشرين، وخاصّة إثر الموجة الأولى للربيع العربي..
أميركا لم تعد أميركا التي نعرف والصين لم تعد الصين التي عهدناها، وفرنسا تتلاطمها الموجة إثر الأخرى، وروسيا وبريطانيا تجتر مرارة الدّفع بنفسها خارج دفء الحضن الأوروبي، تنتهز ما بقي من فتات الموائد، وهكذا الأمر بالنسبة لباقي القوى العظمى، على أن عقل الحاكم العربي لا يستوعب تلك التغيّرات وتعقيداتها الإبستمولوجية، لأنه بطبعه يخنع للتفسير والتأويل والتنبّؤ والتوقع الأسهل، فلا يرتكن أبداً لأبحاث ودراسات المعاهد ومراكز الأبحاث الاستراتيجية العالمية بحكم أنها لا تعني له شيئاً ما دام يفرض سلطته بحدّ السيف وقوّة العصا.
تجلت الرؤية المذكورة آنفاً وخاصة في ظلّ الرئاسات الجديدة، بداية من 2015 مع اعتلاء رجل الأعمال دونالد ترامب إلى سدّة حكم أقوى دولة في العالم، وإثر دخول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإيليزيه، وهكذا دواليك تقريباً في جميع دول أوروبا وأميركا وبعض الدول النامية، حيث انزاحت الوجوه السياسية التقليدية والمعروفة داخل أوساطها الحزبية لصالح وجوه أخرى لا تفقه في السياسة ولا علاقة لها بها أصلاً، فقط الأمر لا يعدو أن يكون وراء تلك الوجوه الجديدة مراكز مال وقوى بعينها راهنت عليها في ظل التجديد المستمر لعجلة السياسة والسياسيين، آخرها الوجه الكوميدي المعروف فلاديمير زيلينسكي الذي فاز بالانتخابات الرئاسية الأوكرانية بنسبة تفوق 70% في ظل ظروف معقدة ومتشابكة، رغم أنه لم يبرز على ناصية الحياة السياسية إلا قبل أربعة أشهر على أقصى تقدير.
ما وددت قوله، أن تلك التغيرات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة على مستوى ماسكي دواليب الحكم في العالم، لا تقتصر فقط على الوجوه الجديدة بل تتعداها نحو سياسات لم نعهدها سابقاً..
فقد تخلى العديد من رؤساء بعض الدول الكبرى عن فكرة أن الإيديولوجيا أو الاصطفاف الفكري، مرتكز أساسي في تسطير السياسة الدولية المعتمدة ولم تعد مقولة عدوّ عدوّي صديقي وصديق عدوّي عدوّي، بل إن الأمر أصبح يختلف كثيراً عن قبل بمجرد إطلالة عميقة عن الأزمات المختلفة التي يعيشها العالم هذه الأيام..
أصبح هؤلاء الذين يمسكون بتلابيب حكم العالم يبيعون كل شيء، بعد أن باعوا الأسلحة والمعدات الحربية والمخدرات وغيرها لدول بعينها حتى تتقاتل في ما بينها، فتوجهوا اليوم نحو إشعال بعض الحروب الأهلية في بعض الدول العربية من خلال تأييد طرف على حساب آخر ولو من وراء الستارة، بل تعدى الأمر ذلك لبيع التصريحات مقابل ملايين الدولارات لصالح الطرف الذي يحتاج إلى ذلك التصريح، كلما أراد الحشد الداخلي والخارجي له..
ولنأخذ بعض الأمثلة الواقعية على ذلك، إذ قالت وسائل إعلام أميركية بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أجرى مكالمة هاتفية مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تناول فيها الوضع في القطر الليبي، واعتبرتها بعض وسائل الإعلام السعودية والإماراتية إشارة خضراء للواء المتقاعد حفتر لمواصلة دك حصون العاصمة الليبية طرابلس، وظلت وسائل إعلام بعينها تلكلك الخبر لمدة أسبوع كامل، حتى نسخه خبر آخر صرح فيه المتحدث الخاص للبيت الأبيض بأن الرئاسة الأميركية تشدد على أن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا سلمياً وسياسياً، ما حدا ببعض الخبراء والمراقبين إلى التأكيد أن الرئيس الأميركي أضحى يبيع كل شيء، حتى تصريحاته لصالح من يدفع من ملايين الدولارات..
ادفع أكثر تتحصّل على تصريح لصالحك يحلحل مشاكلك الداخلية.. هذا ما درج عليه ترامب وأصبح ديدنه، التراجع في تصريحاته قد لا يتعدى 24 ساعة في بعض الحالات، فقد صرح منذ أيام قليلة أن من يعتدي على مصالح أميركا وحلفائها الخليجيين فسيقابل بردّ قاس لم يره في أسوأ كوابيسه، وبعد يومين تمّ تفجير ناقلات نفط إماراتية وسعودية وواحدة تحمل العلم النرويجي، وتوجهت كل أصابع الاتهام إلى إيران، ليفاجأنا السيد ترامب بتصريح غريب يحذف منه كلمة حلفاء ويقول بأن من يعتدي على مصالح أميركا (فقط) فسيقابل برد عسكري، في تخلّ واضح عن شركائه في الخليج.
نفس الأمر يعاد في تصريحات المسؤولين الفرنسيين على أعلى مستوى، حيث بدا حديثهم عن الأزمة الليبية في بداياتها وكأنه يؤيد الشق الحفتري، بل أكثر من ذلك قد أرسلوا خبراء وعملاء ومدربين لها يشرفون على عمليات الجيش الحفتري إبان غزو العاصمة طرابلس، ولكن مع تغير موازين القوى على الأرض لصالح حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، تغيرت معها أيضاً اللغة الماكرونية ومصطلحاتها نحو الجنوح إلى الحل السياسي السلمي، بل أكثر من ذلك استقبل الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه رئيس الحكومة الليبية السيد السراج لإقناعه بالحل السلمي وفق شروطه، وتعدى الأمر إلى استدعاء رئيس حركة النهضة التونسية الأستاذ راشد الغنوشي للتوسط لدى إخوان ليبيا لوقف القتال..
ربما داء التصريحات المتناقضة لم يقتصر على الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل تجاوز الأمر إلى ممثلي منظمة الأمم المتحدة ووسطائها، حيث لم ينبس الوسيط الأممي في الأزمة الليبية غسان سلامة ببنت شفة إبان هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، وحين غيرت أمواج الواقع الميداني في اتجاهها لصالح حكومة السراج وتلقي المليشيات الحفترية لضربات موجعة، فكت عقدة لسان الوسيط الأممي وأضحى يتحدث عن ضرورة انسحاب قوات حفتر من محيط العاصمة، إضافة إلى ارتكابها جرائم ترقى إلى مستوى فظاعات ضد الإنسانية.
وخلاصة لما تقدم، لا يمكن بأي حال أن يتغافل المثقف العربي عن هذه التحولات العميقة التي تشهدها الخريطة الجيوسياسية العالمية، التي لم تعد بأي حال تخضع للاصطفاف بقدر ما أصبحت تخضع لمصالح الدول، حتى وإن بدت في اختلاف فكري وإيديولوجي..
فما الذي يدفع أميركا الحرية والديمقراطية، إلى أن تدافع بكل قواها عن دول ذات حكم تسلطي ديكتاتوري تيولوجي مثل السعودية ومصر والإمارات، سوى المال المتدفق عليها من قبل هذه الدول.. إنه ديدن الدول الكبرى الجديد؛ بع كل شيء ما دامت أنابيب المال والنفط لا ينقطع تدفقها.. البقاء ليس للأقوى بقدر ما كان للذي يدفع أكثر..
المسألة لم تعد تقرأ بهذا الشكل البسيط، بل أصبحت أشدّ تعقيداً وتشابكاً مع حدّة التغيرات الجيوسياسية التي شهدها العالم بداية من العشريّة الأولى للقرن العشرين، وخاصّة إثر الموجة الأولى للربيع العربي..
أميركا لم تعد أميركا التي نعرف والصين لم تعد الصين التي عهدناها، وفرنسا تتلاطمها الموجة إثر الأخرى، وروسيا وبريطانيا تجتر مرارة الدّفع بنفسها خارج دفء الحضن الأوروبي، تنتهز ما بقي من فتات الموائد، وهكذا الأمر بالنسبة لباقي القوى العظمى، على أن عقل الحاكم العربي لا يستوعب تلك التغيّرات وتعقيداتها الإبستمولوجية، لأنه بطبعه يخنع للتفسير والتأويل والتنبّؤ والتوقع الأسهل، فلا يرتكن أبداً لأبحاث ودراسات المعاهد ومراكز الأبحاث الاستراتيجية العالمية بحكم أنها لا تعني له شيئاً ما دام يفرض سلطته بحدّ السيف وقوّة العصا.
تجلت الرؤية المذكورة آنفاً وخاصة في ظلّ الرئاسات الجديدة، بداية من 2015 مع اعتلاء رجل الأعمال دونالد ترامب إلى سدّة حكم أقوى دولة في العالم، وإثر دخول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإيليزيه، وهكذا دواليك تقريباً في جميع دول أوروبا وأميركا وبعض الدول النامية، حيث انزاحت الوجوه السياسية التقليدية والمعروفة داخل أوساطها الحزبية لصالح وجوه أخرى لا تفقه في السياسة ولا علاقة لها بها أصلاً، فقط الأمر لا يعدو أن يكون وراء تلك الوجوه الجديدة مراكز مال وقوى بعينها راهنت عليها في ظل التجديد المستمر لعجلة السياسة والسياسيين، آخرها الوجه الكوميدي المعروف فلاديمير زيلينسكي الذي فاز بالانتخابات الرئاسية الأوكرانية بنسبة تفوق 70% في ظل ظروف معقدة ومتشابكة، رغم أنه لم يبرز على ناصية الحياة السياسية إلا قبل أربعة أشهر على أقصى تقدير.
ما وددت قوله، أن تلك التغيرات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة على مستوى ماسكي دواليب الحكم في العالم، لا تقتصر فقط على الوجوه الجديدة بل تتعداها نحو سياسات لم نعهدها سابقاً..
فقد تخلى العديد من رؤساء بعض الدول الكبرى عن فكرة أن الإيديولوجيا أو الاصطفاف الفكري، مرتكز أساسي في تسطير السياسة الدولية المعتمدة ولم تعد مقولة عدوّ عدوّي صديقي وصديق عدوّي عدوّي، بل إن الأمر أصبح يختلف كثيراً عن قبل بمجرد إطلالة عميقة عن الأزمات المختلفة التي يعيشها العالم هذه الأيام..
أصبح هؤلاء الذين يمسكون بتلابيب حكم العالم يبيعون كل شيء، بعد أن باعوا الأسلحة والمعدات الحربية والمخدرات وغيرها لدول بعينها حتى تتقاتل في ما بينها، فتوجهوا اليوم نحو إشعال بعض الحروب الأهلية في بعض الدول العربية من خلال تأييد طرف على حساب آخر ولو من وراء الستارة، بل تعدى الأمر ذلك لبيع التصريحات مقابل ملايين الدولارات لصالح الطرف الذي يحتاج إلى ذلك التصريح، كلما أراد الحشد الداخلي والخارجي له..
ولنأخذ بعض الأمثلة الواقعية على ذلك، إذ قالت وسائل إعلام أميركية بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أجرى مكالمة هاتفية مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تناول فيها الوضع في القطر الليبي، واعتبرتها بعض وسائل الإعلام السعودية والإماراتية إشارة خضراء للواء المتقاعد حفتر لمواصلة دك حصون العاصمة الليبية طرابلس، وظلت وسائل إعلام بعينها تلكلك الخبر لمدة أسبوع كامل، حتى نسخه خبر آخر صرح فيه المتحدث الخاص للبيت الأبيض بأن الرئاسة الأميركية تشدد على أن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا سلمياً وسياسياً، ما حدا ببعض الخبراء والمراقبين إلى التأكيد أن الرئيس الأميركي أضحى يبيع كل شيء، حتى تصريحاته لصالح من يدفع من ملايين الدولارات..
ادفع أكثر تتحصّل على تصريح لصالحك يحلحل مشاكلك الداخلية.. هذا ما درج عليه ترامب وأصبح ديدنه، التراجع في تصريحاته قد لا يتعدى 24 ساعة في بعض الحالات، فقد صرح منذ أيام قليلة أن من يعتدي على مصالح أميركا وحلفائها الخليجيين فسيقابل بردّ قاس لم يره في أسوأ كوابيسه، وبعد يومين تمّ تفجير ناقلات نفط إماراتية وسعودية وواحدة تحمل العلم النرويجي، وتوجهت كل أصابع الاتهام إلى إيران، ليفاجأنا السيد ترامب بتصريح غريب يحذف منه كلمة حلفاء ويقول بأن من يعتدي على مصالح أميركا (فقط) فسيقابل برد عسكري، في تخلّ واضح عن شركائه في الخليج.
نفس الأمر يعاد في تصريحات المسؤولين الفرنسيين على أعلى مستوى، حيث بدا حديثهم عن الأزمة الليبية في بداياتها وكأنه يؤيد الشق الحفتري، بل أكثر من ذلك قد أرسلوا خبراء وعملاء ومدربين لها يشرفون على عمليات الجيش الحفتري إبان غزو العاصمة طرابلس، ولكن مع تغير موازين القوى على الأرض لصالح حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، تغيرت معها أيضاً اللغة الماكرونية ومصطلحاتها نحو الجنوح إلى الحل السياسي السلمي، بل أكثر من ذلك استقبل الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه رئيس الحكومة الليبية السيد السراج لإقناعه بالحل السلمي وفق شروطه، وتعدى الأمر إلى استدعاء رئيس حركة النهضة التونسية الأستاذ راشد الغنوشي للتوسط لدى إخوان ليبيا لوقف القتال..
ربما داء التصريحات المتناقضة لم يقتصر على الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل تجاوز الأمر إلى ممثلي منظمة الأمم المتحدة ووسطائها، حيث لم ينبس الوسيط الأممي في الأزمة الليبية غسان سلامة ببنت شفة إبان هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، وحين غيرت أمواج الواقع الميداني في اتجاهها لصالح حكومة السراج وتلقي المليشيات الحفترية لضربات موجعة، فكت عقدة لسان الوسيط الأممي وأضحى يتحدث عن ضرورة انسحاب قوات حفتر من محيط العاصمة، إضافة إلى ارتكابها جرائم ترقى إلى مستوى فظاعات ضد الإنسانية.
وخلاصة لما تقدم، لا يمكن بأي حال أن يتغافل المثقف العربي عن هذه التحولات العميقة التي تشهدها الخريطة الجيوسياسية العالمية، التي لم تعد بأي حال تخضع للاصطفاف بقدر ما أصبحت تخضع لمصالح الدول، حتى وإن بدت في اختلاف فكري وإيديولوجي..
فما الذي يدفع أميركا الحرية والديمقراطية، إلى أن تدافع بكل قواها عن دول ذات حكم تسلطي ديكتاتوري تيولوجي مثل السعودية ومصر والإمارات، سوى المال المتدفق عليها من قبل هذه الدول.. إنه ديدن الدول الكبرى الجديد؛ بع كل شيء ما دامت أنابيب المال والنفط لا ينقطع تدفقها.. البقاء ليس للأقوى بقدر ما كان للذي يدفع أكثر..