أزمة المدون التونسي في ظل الحكومة الثورية

23 ابريل 2020
+ الخط -
يمكنك أن تتجاوز كل الحدود في شتّى المجالات، وأن تعبث بما شئت وكيف شئت، وبمجرد توضيح موقفك، ستجد العفو والتسامح من جميع أطياف الشعب التونسي. فقط متى حاولت تكميم فم مدون، أو تعسفته في التعبير عن رأيه، فلن يسامحك أحد، ولن يتعاطف معك أحد. المواطن التونسي يعتبر المدون ضمير أمته. لهذا، من الممكن أن تسقط حكومة بتدوينة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد حدث هذا مع رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، الذي تميّز عهده بإيقافات عديدة للمدونين واعتقالهم، بل تعدى الحد إلى تهديدهم في العديد من الأحيان. وعليه، فإن المدونين قاموا بحملة شرسة في أثناء الانتخابات، فكان أن جنى حزبه الفشل الذريع، ووجد نفسه خارج الحكومة.

قد يعتقد بعض السياسيين أن مجرد إيقاف مدون سيمرّ في الخفاء وبسلاسة معهودة كما بدا الأمر في عهد الاستبداد، حيث لا تعلم حتى عائلة المدون أنه اعتقل. اليوم تعتبر أغلب مكونات الشعب التونسي ومجتمعه المدني أن المدون صاحب الفضل في هزّ أركان الحكم الاستبدادي وإسقاطه.


بل الأمر أكثر من ذلك. فالمدون التونسي ليس فقط جدار الدفاع الأول عن الكلمة الحرة، بل هو فاتحة الثورة العربية وفارسها، لهذا لا تتوقف العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية التونسية أبداً عن رعايته وحمايته. إذ مثلاً، تخصصت منظمة "مدونون بلا قيود عن الدفاع عن الكلمة الحرة والقلم الشرس" في كشف الفساد والفاسدين، وكان شعارها الدائم: "جاهزون للدفاع عنه أينما كان"، ونبراسها هاشتاغ دارجة تونسي #سيب_المدونين، أي بمعناه أطلق المدونين.

ومع تطبيق إجراءات الحجر الصحي والحظر العام في البلاد بسبب تفشي فيروس كورونا، خرج المدونون كعادتهم إلى الشوارع لتسجيل حالات الاحتكار والبيع المشروط وذهاب المساعدات الغذائية إلى غير محتاجيها باستعمال كاميراتهم وأقلامهم، ما راعهم إلا الشكاوي تنهال عليهم من كل حدب وصوب، بل الأمر تجاوز ذلك نحو الإيقاف الفوري بالاستعانة بعصا النيابة العمومية، وهو أمر لم يعهده المدون التونسي، حيث في كل مرة ترفع ضده دعوى، وإلا أُحضر في حالة سراح.

في خلال أسبوع واحد أُوقف ثمانية مدونين في السجون على ذمة التحقيق، ما سبب صدمة حقيقية في صفوفهم وفي صفوف المواطنين العاديين، بل إن من المدونين من تندّر مازحاً بأن الحكومة الثورية تصطاد مدونيها.

هذا الأمر أثار استهجاناً واسعاً أيضاً على مستوى المنظمات الوطنية والدولية، إذ أشارت منظمة حقوق الإنسان في العديد من تقاريرها إلى خطورة ما ترتكبه الحكومة التونسية تجاه المدونين، ما سيؤدي مباشرة إلى تأخر التصنيف العالمي لتونس في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير.

ولعل الأمر يصبح أكثر من مضحك متى تعلق بمساعدة هؤلاء المدونين لمصالح الدولة التونسية في مكافحة المحتكرين والضرب على أياديهم، فنجد ذات الدولة تجازيهم بالإيقاف والاعتقال والتهديد والوعيد.

ولولا نزاهة القضاء التونسي ورفعته وتميزه باستقلاليته عن أجهزة الدولة الأخرى، لأصبح واقع المدون التونسي كارثة حقيقية بأتمّ معاني الكلمة، حيث درج القضاء على إطلاق سراح أي مدون كائناً من كان، متى كانت تهمته رفع قلمه في وجه المفسدين، وحتى إن تجاوز المدون الحد المسموح به أحياناً، فإن القضاء يسعى إلى حمايته من خلال تسليط عقوبة مالية عليه ويتجنب سجنه بشتى الطرق.

وتلخيصاً لما سبقت الإشارة إليه، يمكن القول إن الهبّة الحقوقية التي تشهدها تونس اليوم استنكاراً لاعتقال المدونين، قد تجعل الحكومة تخفف من قيودها، خاصة أن الحجر الصحي قد شارف على النهاية، ومعه يصبح اللجوء إلى قانون الطوارئ نوعاً من العبث.