السوق السوداء في موريتانيا قاعدة لا استثناء

17 نوفمبر 2014
السوق الموريتانية تعاني من المخالفات (كريستوف بارا/فرانس برس)
+ الخط -
تُعتبر السوق السوداء في موريتانيا القاعدة لا الاستثناء؛ إذ تدخل كل المنتجات تقريباً ‏إلى البلاد عبر الوسطاء غير الشرعيين. لا بل تخضع المنتجات المحلية للسوق السوداء، ‏وصولاً إلى المواد الغذائية المدعومة حكومياً، من الذهب فالثياب والأحذية والمياه، وصولاً إلى الخدمات الصحية والسكر والزيت والدقيق. كل شيء خاضع للسوق السوداء، إلا ‏أن لتجارة العملات موقعها المحسوم داخل السوق الموريتانية، موقع أصبح يحسب له ألف ‏حساب، كونه يؤثر على مخزون العملة الصعبة في البلاد، لا بل يحكم فعلياً العمليات ‏المالية في موريتانيا.‏

تجارة العملات
إذ تزدهر تجارة العملات بشكل خاص عبر السوق الموازية الموريتانية؛ حيث تعتبر المصدر ‏الأساسي للحصول على "العملة الصعبة". ولم تفلح محاولات المصرف المركزي الموريتاني ‏للسيطرة على هذه التجارة، لتصبح ظاهرة منتشرة بين كل فئات المجتمع. ‏
في قلب العاصمة نواكشوط وأمام محلات الصرافة، يقابلك عشرات الرجال، يتفحصون في ‏وجوه القادمين، ‏يبحثون عمن يريد تصريف العملة. يعرفون فريستهم جيداً، ويقتربون منها ‏ويهمسون: "دولار. يورو. فرنك أفريقي...".‏
يُعرف هؤلاء محلياً بـ"التبتابه" و"حلابة السماء" و"تجار ديفيز". كلها أسماء ترمز ‏للشطارة وخطورة المهنة. ‏يتميز "التبتابه" بالتوجس والحذر. طبيعة مهنتهم علمتهم ذلك، ‏خصوصاً أنهم يخافون من الوقوع في شرَك اللصوص وعصابات السرقة. ‏
يقول محمد ولد أحمد ولد مصيدف، وهو متخرج من جامعة نواكشوط في اختصاص علم ‏الاجتماع، إنه اضطر إلى العمل في السوق السوداء بعد تخرجه "لأن الدولة لا تهتم ‏بحملة الشهادات، ولأن هذه ‏هي المهنة المتاحة أمام الشباب العاطل عن العمل. حتى ‏المتقاعدين يأتون إلى تجارة العملات بعد أن ‏يخسروا وظائفهم"‏.‏
وبالنسبة للدخل اليومي من تصريف العملات، يشرح ولد مصيدف أنه يحصل يومياً على ‏تسعة دولارات ‏تقريباً كربح، لأنه لا يتوفر على رأسمال كبير من العملات. "أما من ‏يتوفر على رأسمال، فإنه يحصد يوميا 30 دولاراً". ‏
ويضيف ‏أن "المستفيد الحقيقي من هذه التجارة هم أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، ‏فهم يحصلون على مبالغ ‏طائلة، أما بسطاء الباعة في السوق السوداء فهم ملاحقون، ‏برغم أرباحهم الضئيلة".‏
ويعتبر العديد من التجار أن الإجراءات التي تقوم بها الدولة للتضييق على تجار ‏العملات في السوق السوداء "هدفها التحكم في سعر ‏الصرف، وليس هدفها حل ‏المشكلة بشكل جذري". ويضيف مصدر مطلع لـ"العربي الجديد": "أن بعض النافذين ‏في الدولة ‏مستفيدون من هذه السوق. وقد تفجرت في شهر مارس/آذار الماضي فضيحة ‏تتعلق بمشاركة الوزير أحمد ولد النيني في تجارة العملات في السوق السوداء. وجاء ذلك ‏إثر خلاف بينه وبين شريكه الذي تحدث في هذا الموضوع إلى وسائل الإعلام. الوزير ‏نفى الأمر وقال إن الأموال ليست له وإنما ‏هي وديعة عنده. لكن الموضوع برمته ‏يكشف حجم التغطية الرسمية والتغاضي المقصود عن هذه التجارة".‏
وبالموازاة، نمت في السنوات الأخيرة ‏وتيرة تهريب السيارات المستعملة من الخارج إلى ‏موريتانيا عبر المنافذ الحدودية. ويقول صاحب معرض لبيع السيارات، يعقوب ولد ‏ايدومو، لـ"العربي الجديد": "إن السيارات المهربة هي الأكثر مبيعاً في ‏موريتانيا لأنها ‏أرخص ثمناً؛ حيث يمكن للمواطن الموريتاني مثلاً شراء سيارة مستعملة من نوع مرسيدس ‏‏‏190 بـ3000 دولار فقط، ثم يقوم بتسجيلها في الجمارك. وهكذا تكون التكاليف ‏الإجمالية في حدود ‏‏4000 دولار. أما إذا أراد شراءها من الميناء فلن يحصل عليها بأقل ‏من 7 آلاف دولار".‏
المساهمون