انتعاشة شعبية شعر بها الأردنيون مع فتح معبر جابر- نصيب الحدودي منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبدء عودة السوريين تدريجيا إلى بلادهم.
إلا أن تلك الخطوة خلقت حالة من الرعب لدى آلاف اللاجئين السوريين المقيمين في المملكة من إعادة قسرية لهم؛ رغم تأكيد أردني رسمي بأن ذلك لن يحدث مع تشجيع للعودة الطوعية في الوقت ذاته.
الإحصائية الأخيرة لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أظهرت أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في المملكة هو 671 ألفا و579 حتى منتصف يناير/كانون الثاني الماضي.
لكن عمان تُعلن باستمرار عن استضافتها نحو 1.3 مليون سوري، وهو العدد الإجمالي لمن يحملون صفة "لاجئ"، إضافة إلى من دخلوا الأردن قبل بدء الثورة في بلادهم بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.
11 ألفا و198، هو عدد السوريين العائدين إلى بلادهم منذ إعادة فتح المعبر في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى العاشر من فبراير/ شباط الجاري، وفق أرقام مفوضية شؤون اللاجئين، ما يعني أن نسبة العائدين هي 0.068 بالمائة من العدد الكلي لهم (1.3 مليون).
وعزا عدد من اللاجئين السوريين المقيمين في مدينة الرمثا شمالي الأردن، بالقرب من الحدود السورية، سبب عزوفهم عن العودة إلى الوضع الأمني، وتهدم البيوت ونقص المؤن، إضافة إلى مسألة التجنيد الإجباري والخدمة الاحتياطية في جيش النظام، التي تقدمت عن سابقاتها.
وقال أبو خالد (33 عامًا)، الذي رفض التعريف باسمه الكامل، خوفًا على أشقائه الموجودين في سورية: "لا معنى للعودة الآن، كل من عادوا نادمون، لا غاز ولا كهرباء والبيوت مهدمة".
وأضاف: "لن أعود إلا إذا أجبروني على العودة، هنا نعمل ونستطيع أن نؤمن طعام عائلاتنا، لكن إن عدنا إلى سورية في الوقت الحالي، سنموت من البرد والجوع، أين سنسكن والدمار في كل مكان؟".
وأشار عبد الرحمن الصفدي (55 عامًا) إلى أنه يُعاني من أمراض عدة، ولن يجد علاجه في سورية، قائلًا: "الحياة صعبة ومقومات الحياة لا تتوفر، وإن توفرت فهي غالية الثمن ولا نملك المال".
ولم يختلف إسماعيل الخشارفة (41 عامًا) عن سابقيه، إذ قال: "بيتي تهدم، شو رح أرجع أسوي (ماذا سأفعل عندما أرجع)، كلنا هيك (الجميع كذلك)، قرايبي هون (أقربائي هنا) وما سمعت عن حد منهم رجع (لم أسمع بعودة أحدهم)".
نضال القصاب (43 عامًا) من الخالدية التابعة لمحافظة حمص، قال في بداية حديثه: "ما بفكر ارجع نهائيًا، البلد مدمرة وما في شيء بنوب (نهائيًا).. لم أسمع بعودة أحد من أقاربي". وأضاف: "تم اعتقالي أثناء وجودي في سورية مرتين، ولو عدت سيتم اعتقالي على الفور".
وزاد: "من يعود وعليه شيء (مطلوب للنظام) لا نعلم عنه وربما تتم تصفيته، وقد سمعنا عن بعض الحالات، ومن لا توجد عليه طلبات يتم سحبه للعسكرية (التجنيد الإجباري أو الاحتياط في جيش النظام)".
وتابع القصاب موضحًا: "أنا بدون عمل هنا وأعيش على المساعدات إن وجدت، ورغم ذلك العودة مستبعدة بالنسبة إليّ.. لا أحد يموت من الجوع، لكنني لن أذهب للموت".
محمد الحمد (64 عامًا)، كان له رأي آخر، فقد اعتبر أن العودة واجبة على جميع السوريين؛ حتى "لا تختل التركيبة الاجتماعية للبلاد وتفرغ سورية من سكانها".
وأضاف: "قبل كل شيء يجب أن يكون هناك عفو عام؛ وخاصة عن أبنائنا الذين كبروا خارج البلاد، حتى لا يتم سحبهم للعسكرية".
وأردف: "عندما يتحقق ذلك نعود، ولكن في ظل الأوضاع الحالية لن نستطيع تأمين متطلبات الحياة، لذلك لا بد للأمم المتحدة أن تحول مساعداتها للداخل".
الخدمة العسكرية والتقارير الأمنية
التجنيد الإجباري بالجيش، وإعادة الاحتياط، من أكثر الأسباب التي تقلق السوريين في الأردن من العودة، فقد طغى ذلك على أحاديثهم.
في هذا الصدد، قال إبراهيم الزعبي إن "أولادنا كبروا هنا، وهربنا بهم من الموت، فهل نعود بهم لنسلمهم للموت بأيدينا؟ لو لم تكن سورية في حرب الآن، فلا مشكلة لدينا بالخدمة العسكرية، ولكن في ظل هذه الظروف، لن نعود بهم ونسلمهم للموت بأيدينا".
واستدرك الزعبي: "كل العائدين أو غالبيتهم من كبار السن، لأنهم حريصون على أن يعودوا إلى بيوتهم؛ أملاً في أن يموتوا على تراب سورية بعد أن وصلوا لهذا العمر، لكن الشباب لا يفكرون نهائيًا في ذلك".
وأضاف: "لدينا مشكلة كبيرة جدًا، وهي التقارير الأمنية المزيفة التي كُتبت عن الكثيرين منا، ورغم قناعتهم بأنها مزيفة، إلا أنه لا يتم تجاهلها، ويتعاملون معها(أجهزة أمن النظام)، ما يعني أن الكثيرين سيطلبون للجهات الأمنية، ومصيرهم لا يعلمه إلا الله".
وتُشير إحصائية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى أن أعداد السوريين الذين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا من المدرجين في سجلاتها، تبلغ 25 ألفًا و836، بنسبة تصل إلى 3.8 بالمائة من إجمالي المسجلين.
بينما يبلغ عدد من تتراوح أعمارهم ما بين 18 و59 عامًا نحو 307 آلاف و340، بنسبة تصل لـ45.8 بالمائة.
واتفق الأردن وسورية في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على فتح معبر جابر- نصيب الحدودي بينهما، بعد إغلاق دام 3 سنوات.
ويرتبط البلدان بمعبرين حدوديين رئيسين، هما "الجمرك القديم"، الذي يقابله معبر "الرمثا" من الجانب الأردني (وهو مغلق)، و"نصيب" الذي يقابله معبر "جابر".
وبدأت العلاقات الأردنية-السورية بالعودة التدريجية إبان فتح المعبر، وتمثلت في إجراء زيارات متبادلة من النقابات العاملة في البلدين، وأخرى برلمانية للجانب الأردني، كما رفعت عمان مستوى تمثيلها الدبلوماسي مع سورية إلى درجة "قائم بالأعمال بالإنابة".
(الأناضول)