أعلن رئيس الوزراء السوداني وزير المالية، معتز موسى، عن دراسة لخفض سعر الدولار الجمركي، والذي شهد زيادة ثلاثة أضعاف من 6.6 جنيهات إلى 18 جنيهاً، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017.
وجاء القرار قبيل بدء تنفيذ الموازنة العامة للعام 2019، والتي أجيزت من قبل الأجهزة الرسمية والتشريعية من دون أي زيادة جديدة في الدولار الجمركي. إلا أن موسى صرّح بعد ذلك أنه مقتنع بأن أي شيء يرتفع يصعب خفضه.
ويرى مراقبون مختصون في العمل الجمركي، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن تصريحات موسى ما بعد إعلان دراسة خفض الدولار الجمركي، تشير إلى أن رئيس الحكومة يرغب في إمساك العصا من نصفها، بمعنى عدم رفع سقف التطلعات من باب استحالة خفض الزيادات الحكومية التي تطاول الرسوم.
وتشهد السودان حاليا تظاهرات واسعة اعتراضا على زيادة الأسعار خاصة السلع الرئيسية، وزيادة التضخم لمعدلات قياسية بلغت نحو 70% في شهر نوفمبر الماضي، وتهاوي قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، ونقص السيولة المحلية، ووعد الرئيس السوداني عمر البشير، الاثنين، باستمرار الدولة في إجراء إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة، وذلك لدى لقائه بهيئة قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
واقترحت هيئة الجمارك السودانية، الشهر الماضي، على وزارة المالية ومجلس الوزراء، خفض قيمة الدولار الجمركي نتيجة تراجع مساهمة الاستيراد في موازنة الدولة إلى 46 في المائة، بعد تقليل الواردات بنسبة 20 في المائة نتيجة لرفع الدولار الجمركي، وأشار المقترح إلى خفض الدولار مقابل زيادة الرسم الإضافي على بعض السلع في موازنة عام 2019.
ونفّذت وزارة المالية السودانية في عام 2016، زيادات مفاجئة على سعر الدولار الجمركي ورسوم الموانئ، ورفعت سعر الدولار إلى 6.3 جنيهات بدلاً من 6.1 جنيهات. فيما زادت سعر اليورو في الموانئ إلى 7.25 جنيهات بدلاً عن 7.14 جنيهات. وشهد الشهر ذاته زيادة على الدولار الجمركي من 6.3 جنيهات إلى 6.4 جنيهات، ليقفز أخيرا في نهاية 2017 إلى ثلاثة أضعاف إلى 18 جنيهاً.
والدولار الجمركي، هو قيمة ما يدفعه المستورد من رسوم جمركية بالعملة المحلية بما يوازي الرسوم الدولارية المفروضة عليه، نظير الإفراج عن البضاعة المستوردة والمحتجزة في الجمارك.
وقال المدير العام الأسبق للجمارك السودانية، الفريق صلاح الدين الشيخ، لـ "العربي الجديد"، إن خفض الدولار الجمركي ستكون له آثار إيجابية في خفض أسعار السلع، وسالبة على التجارة الداخلية، لتسببه في تآكل رؤوس أموال التجار، بسبب الاستيراد بسعر دولار جمركي عال بقيمة 18 جنيهاً، ليبيعوا بضائعهم بسعر الدولار الجديد المتوقع بعد خفضه.
ولفت إلى أثر الخفض على إحداث اضطراب في قيمة الضرائب والقيمة المضافة، مشيراً إلى اعتماد الدول الخارجية المتقدمة على الإيرادات الضريبية أكثر من الرسوم الجمركية في تمويل خزينتها العامة، حيث لا تتعدى إيرادات الجمارك 3 في المائة من إجمالي ما يتم تحصيله، بينما تعتمد الحكومة السودانية على الإيرادات الجمركية بنسبة تصل إلى أكثر من 50 في المائة.
ودعا الشيخ إلى خفض الدولار الجمركي الذي يتم على أساسه محاسبة المستورد من 18 إلى 12 جنيهاً، مشيرا إلى ضرورة وجود دراسة وتقييم حقيقي للعملة الوطنية والدولار الجمركي، وشكك في أن تكون الزيادة الأخيرة المضاعفة التي طاولت الدولار الجمركي، قد استندت إلى دراسة لتبعاتها ونتائجها الاقتصادية.
وطالب مدير مكتب تخليص في الخرطوم، في حديث مع "العربي الجديد"، بخفض الدولار الجمركي إلى 9.5 جنيهات، واصفاً هذا المبلغ بالمعقول جدا مقارنة بالحالي، الذي تسبب في حدوث ارتباك في تخليص السلع المستوردة، وتراجع الإيرادات بنسبة كبيرة، وأدى إلى تكدس البضائع في الموانئ، لعجز أصحابها عن تخليصها بسبب الرسوم الجمركية العالية.
وقال المحلل الاقتصادي الأكاديمي في الجامعات السودانية، عبد الله الرمادي، إنه دفع بمقترح سابق، في فترة إعداد الموازنة العامة للدولة للعام 2019، يحث على خفض الدولار الجمركي بنسبة 10 في المائة، لتخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين، ولزيادة الإيرادات الجمركية للخزينة العامة وخفض التضخم، مشيراً إلى ضرورة المراقبة اللصيقة للأسعار بعد خفض الدولار لمنع استغلال التجار.
ولفت مخلص جمركي لـ "العربي الجديد" إلى تسبب زيادة الدولار الجمركي في تراجع الإيرادات اليومية بالمحطة، وفقدان ما بين 10 إلى 12 مليون جنيه يومياً، لافتا إلى أن خفض الدولار الجمركي سيعيد تنشيط عملية التخليص وزيادة الإيرادات.
وأثرت الزيادة الأخيرة في الدولار الجمركي على أصحاب العمل والواردات ومدخلات الإنتاج والسلع الاستراتيجية الهامة والحيوية التي تعتبر أساسية بالنسبة إلى المواطنين. وأدت إلى ارتفاع التضخم وانحسار عمليات الاستيراد وارتفاع معدلات التهريب للسلع، مع نمو نشاط تجارة الظل وارتفاع تكلفة أسعار السلع على المواطنين.