تضاربت البيانات الرسمية في السودان حول حجم الديون الخارجية، وسط غموض في التعامل مع الملف، رغم تجاوز الديون للحدود الآمنة، وفق تقرير لصندوق النقد الدولي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن رئيس الحكومة معتز موسى، أن الدين الخارجي وصل إلى 47.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي، 2017، قبل أن يعلن عن رقم آخر لدى إعلانه عن الموازنة العامة للدولة في مؤتمر صحافي بمجلس الوزراء في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، يتمثل في تفاقم الديون إلى 56 مليار دولار.
في حين أشار تقرير نتائج مراجعة حسابات العام المالي 2017 الصادر عن المراجع القومي لحكومة السودان أخيرا، إلى أن القيمة المقدرة زادت إلى 47 مليار دولار، فيما قدر بنك السودان المركزي الديون بنحو 151.9 مليار جنيه سوداني (ما يعادل 3.2 مليارات دولار وفق سعر الصرف الحالي البالغ 47.5 جنيها للدولار الواحد).
وجاءت تقديرات لوزارة المالية وصندوق النقد الدولي في تقرير مشترك، مختلفة عن المعدلات التي أفصحت عنها رئاسة الحكومة والبنك المركزي وتقرير المراجع القومي، حيث وصل الدين الخارجي إلى 54 مليار دولار، 85% منها فوائد على الدين الأصلي.
ولفت التقرير، الذي تم استعراضه أخيرا في ورشة بالمجلس الوطني (البرلمان) حول استراتيجية خفض الفقر، إلى أن الارتفاع المتواصل في فوائد الديون يشكل هاجساً للحكومة، واصفا نسبة الدين الخارجي بأنها أعلى من الحدود الآمنة، ببلوغها نسبة 166% من إجمالي الناتج المحلي، مشيرا إلى ضرورة إيجاد آليات لتخفيف الديون للحد من الفقر.
وقال عزالدين إبراهيم، وزير الدولة الأسبق بالمالية، لـ"العربي الجديد"، إن "الديون الخارجية متراكمة منذ العام 1970، ولم تتمكن الحكومة من السداد، ما ترتب عليها فوائد تأخير ارتفعت قيمتها بشكل مضطرد، ما يصعب معه تحديد مبلغ محدد للدين".
وأشار إبراهيم إلى ضرورة قيام الحكومة بدراسة لتحديد مبلغ الدين وإزالة التضارب في أرقامه وتفصيل حجم الديون القديمة المتوارثة منذ السبعينيات، عن الديون الحديثة، والتي تتضمن ديون الشركات المنتجة للنفط وديون صناديق التنمية، وأن تركز الدراسة على التفرقة بين أصل الدين والفوائد الجزائية على التأخير.
وحددت موازنة العام المقبل، 2019، بنودا تقديرية لسداد الالتزامات الخارجية بحوالي 222.2 مليون دولار، منها 166.6 مليون دولار لسداد أصل القروض.
وقال الرشيد أبوشامة، الخبير الاقتصادي، إن تباين أرقام ومبالغ حجم الديون الخارجية سببه الرئيسي هو عدم وجود حصر دقيق وموثق لها، لافتا إلى أن تراكمها يرجع إلى الفوائد الجزائية عن التأخير في السداد.
وكان الممثل المقيم للبنك الدولي في السودان، إكسافير فارتادوا، قد دعا الحكومة في مارس/ آذار الماضي، إلى توفير البيانات والمعلومات حول الديون الخارجية، من أجل عرضها على اجتماعات البنك.
ويواجه اقتصاد السودان صعوبات منذ انفصال الجنوب في 2011، مستحوذا على ثلاثة أرباع إنتاج النفط، ليحرم الخرطوم من مصدر حيوي للعملة الصعبة. ولكن تأمل الخرطوم في مساهمة عودة ضخ نفط جوبا عبر أراضي السودان في حل الأزمة المالية، بالحصول على جزء من احتياجاته من الوقود، بالإضافة إلى رسوم الصادرات النفطية.
وكان صندوق النقد الدولي قد ذكر في تقرير له في نهاية 2016، أن "السودان لا يزال في وضع حرج، ومنخفض الدخل، ويواجه قيوداً محلية ودولية شديدة، واختلالات اقتصادية كبيرة".
وحسب التقرير، فإن ديون السودان الخارجية الكبيرة تعوق إمكانية حصوله على التمويل الخارجي، وتشكل عبئاً ثقيلاً على آفاق التنمية.
وتمر الدولة حاليا بأزمة اقتصادية حادة، وضعف في السيولة، ونقص في العملة الأجنبية، ودفعت الأزمة الحكومة لاتخاذ قرارات لمعالجتها، في ظل مخاوف من تأثيرات سلبية لها على المواطن والأسواق، خاصة مع ارتفاع التضخم الذي وصل إلى مستوى قياسي، إذ بلغ، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلى نحو 68.9% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ولم يخف مسؤولون حكوميون أن توقف تدفقات المؤسسات الدولية والإقليمية والدول المانحة أدى إلى توقف مشروعات التنمية وتباطؤ تنفيذ المشروعات الممولة من تلك التمويلات، ما أثر على قدرة السودان على سداد الالتزامات وتفاقم مشكلة استدامة الديون المتراكمة.
وفي ظل تراجع مؤشرات الاقتصاد، شهدت البلاد خلال الأشهر الماضية، نقصا في موارد النقد الأجنبي، وتراجعا في السيولة المحلية، ما ساهم في ارتفاع الضغوط المعيشية، وساهم في اندلاع احتجاجات شعبية، منذ يوم الأربعاء الماضي، في العديد من المدن.
وتدهورت قيمة العملة المحلية (الجنيه) بشكل متسارع خلال العامين الأخيرين، ليبلغ سعره في السوق الموازية (غير الرسمية) أكثر من 60 جنيها مقابل الدولار الواحد. وتقول المصارف إنها تعجز عن توفير السيولة النقدية، بسبب سحب المواطنين لمدخراتهم وتحويلها إلى دولار.
ولم تعد في العاصمة سوى ماكينات آلية معدودة لصرف النقود، وهي تعمل بصورة متقطعة، في حين لا تسمح المصارف للمواطنين بسحب أكثر من عشرة دولارات يومياً. ويشكو السودانيون منذ وقت طويل من عدم توفر الوقود والسيولة النقدية، إذ تمتنع المصارف عن تمكين الناس من الحصول على السيولة.