السودان... آن الأوان للحلول الشاملة

27 يونيو 2016
+ الخط -
أوردت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، قبل أيام، نبأ مقتضباً أن الرئيس عمر البشير أعلن وقفاً جديداً لإطلاق النار في مسارح العمليات في جنوب كردفان والنيل الأزرق أربعة أشهر، ابتداءً من السبت 18 يونيو/حزيران 2016، كبادرة حسن نية لإعطاء الفرصة للحركات المتمردة غير الموقعة على وثيقة الدوحة لإلقاء السلاح واللحاق بالعملية السلمية في السودان. وذكرت الوكالة أن ذلك أيضاَ تجديد "لدعوة رئيس الجمهورية لجميع القوى السياسية والحركات المسلحة الانضمام للحوار الوطني، قبل انعقاد الجمعية العمومية للحوار الوطني في السادس من شهر أغسطس المقبل". 
استوقفت الإشارة التي ربطت بين القرار ووثيقة الدوحة كثيرين، ما يعني أن الأمر، وبشكل رئيسي، يفترض أنه معني بقضية الأزمة في دارفور. والحال كذلك، يبدو غريباً أن يتجاهل قرار بوقف إطلاق النار القوى المسلحة المعارضة للحكومة السودانية في إقليم دارفور، وهي المعنية مباشرة بالوقف، طالما كان الحديث عن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور. وإذا ما وضعنا في الاعتبار العلاقة الوثيقة التي تربط بين حكومتي السودان ودولة قطر، صاحبة المبادرة وحاملة العبء الأكبر في قضية إحلال السلام وتعمير دارفور، فإن قرار الخرطوم يكون مستغرباً وغير مبرّر. وفوق ذلك، هو يغفل المساعي القطرية التي أحدثت، أخيراً، اختراقاً حقيقياً أزال جموداً كثيراً يكاد يقتل وثيقة دارفور نفسها. ولذا يبدو أن قرار الخرطوم ذهب في وجهةٍ معاكسةٍ، لا تبدي اكتراثاً لمساعي الدوحة بإسراع الخطى لضم الحركات المسلحة الكبرى في دارفور لمسيرة السلام، الغاية الأسمى لوثيقة الدوحة.
وكانت الدوحة قد شهدت، قبل شهر رمضان، اجتماعاتٍ مطولةً بين فصيلين من حركات دارفور المسلحة مع المسؤولين القطريين، أهم ما خرجت به التأكيد على النيات الإيجابية التي توفرت لقوى دارفور المسلحة بالمضي في الحوار على طريق السلام. وإلى جانب ذلك، يبدو التحول الواضح في موقف حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد نور، ونظرة إيجابية أولى صريحة نحو وثيقة الدوحة، مع استمرار الحركة في حالة عدم الثقة الذي لا تخفيه بشأن مواقف الحكومة السودانية. لهذا كله، يبدو مستغرباً أن تحصر حكومة الخرطوم قرارها في منطقتين، وتستبعد إقليم دارفور المضطرب، والبؤرة التي يتطاير منها الشرر على كل السودان. وكان شمول دارفور بالقرار سيحمل إشارة إيجابيةً صريحةً، ودعماً من الخرطوم للمساعي القطرية.
بينما يثير غياب هذه الإرادة الأسئلة عن مدى اعتبار حكومة الخرطوم المساعي القطرية والدولية بإحلال السلام. ومن ناحيةٍ أخرى، من شأن غياب هذه الإرادة زيادة اتساع الهوة القائمة من عدم الثقة بين القوى الدارفورية تجاه مواقف الحكومة السودانية التي تقيم الدليل على عدم اكتراثها بإحلال السلام في دارفور.
أكثر ما يدلل على ذلك بيان حركة تحرير السودان/ جناح مناوي، في 20 يونيو/حزيران الجاري، على خلفية هجمات "مليشيات موالية للحكومة السودانية على مناطق في دارفور"، ضمنته تفسيرها معنى قرار الحكومة في الخرطوم، "نؤكد أن ما يجري الآن من حشودٍ عسكرية واجتياح لمناطق الآمنين في ولاية شمال دارفور لهو أمرٌ خطير، وهو ما يُفسِّر إعلان البشير وقف إطلاق النار في جبال النوبة والنيل الأزرق، والذي لا يعني انحيازه وتشجيعه لجهود السلام في تلك المناطق، بقدر ما يعني تحويل تلك المليشيات إلى دارفور، لارتكاب مجازر جديدة في ولاية شمال دارفور، أشبه بالتي ارتكبت في منطقة جبل مرة مطلع هذا العام".
وفوق هذا كله، ثمّة من يرى أن قرار الحكومة في الخرطوم وقفاً أحادياً لإطلاق النار في المنطقتين يضمر شيئاً آخر أقرب ما يكون هدفه إحداث شرخٍ في جدار الجبهة الثورية الذي يجمع بين الحركة الشعبية المعنية مباشرة بالقرار والحركات الكبرى في دارفور. ويدعم هذه الرؤية رد فعل الحركة الشعبية على القرار الذي ترى فيه "نوعاً من العلاقات العامة"، وفقاً لبيان أمينها العام ياسر عرمان، حيث مضت بالقرار إلى وجهةٍ تبدو أكثر عمليةً بدعوتها الحكومة لتفعيل القرار عبر الوساطة الإفريقية في أديس أبابا، ومن "ثم الاتفاق على آليات مراقبة لوقف العدائيات". و"في إطار عملية سلمية شاملة، أول أغراضها مخاطبة القضايا الإنسانية في جبال النوبة- جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور".
ومهما كان، وعلى افتراض صدق نيات الحكومة السودانية وجدّيتها بشأن القرار، من المفترض أن ينقل القرار النظر إلى نقطةٍ متقدمةٍ تتسع لتشمل قضايا أكبر باتت تقلق السودان ومستقبله، تتعلق بإنهاء حالة الحرب والاحتراب السياسي، ومخاطبة جذور الأزمة الحقيقية. ولتحقيق ذلك، لا بد من المضي بجديةٍ في حوارٍ حقيقي غير شكلي يجمع كل القوى السياسية، شامل كل قضايا السودان السياسية والاقتصادية، وإطلاق الحريات السياسية والصحافية وحرية التعبير. ومثل هذا الحوار الشامل الذي يخاطب قضايا السودان بشموليتها وحده القادر على الخروج بالبلاد من قاع الأزمة التي سقط فيها السودان. وقناعتي أيضاً بأن الثقل الأكبر في هذا الشأن يقع على عاتق الحكومة السودانية بإبداء حسن النيات، والتأكيد على جديتها وصدق نياتها بما هو أكثر من قرارٍ بوقف هش لإطلاق النار.

دلالات
0CD72F94-2857-4257-B30C-7F645EA599D7
طارق الشيخ

كاتب وصحفي سوداني، دكتوراة من جامعة صوفيا، نشر مقالات وموضوعات صجفية عديدة في الصحافة العربية، يعمل في صحيفة الراية القطرية، عمل سابقاً رئيس تحرير ل "الميدان" الرياضي السودانية.