طيلة أسبوعين لم تنبس حكومة الوفاق الليبية، المرضي عنها دولياً، بكلمة حول التحركات العسكرية لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر جنوب البلاد، بكل تداعياتها وأبعادها، خصوصاً المستوى الإنساني المتأزم. لكن ما إن وصل رصاص حفتر إلى حقول النفط حتى تحركت دولياً ومحلياً لوقف تقدمه.
الفريق علي كنه، قائد أبرز مليشيات القبائل جنوباً وصاحب الحظوة لدى ضباط الجنوب، أثار استهداف طائرته السبت الماضي حفيظة الحكومة، واستنكرت بأشد العبارات الحادثة، بل أوعزت إلى مندوبها لدى الأمم المتحدة بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن، رغم أن تلك الطائرة قصفت قبل ثلاثة أيام حياً سكنياً في مرزق، غير البعيدة عن حقل الشرارة، وألحقت أضراراً بممتلكات المدنيين. كان بمقدور حكومة الوفاق تنفيذ وعود رئيسها فائز السراج، خلال زيارته للمحتجين، الذين لم يسمع أصواتهم إلا بعد أن أغلقوا حقل الشرارة مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، لإبعاد شبح الحرب عن الجنوب الذي تفاقمت أزمات أهله بشكل كبير، لكنه في كل مرة لا يتحرك إلا إذا كان الأمر يتعلق بحقول النفط، وكأنه حامي مصالح الدول المرتبطة بالنفط الليبي.
خطة الاستعانة بكنه ذكية ومحكمة، فقد تمكنت الحكومة، كونها لا تملك السلاح والرجال في الجنوب لمواجهة حفتر، من خلال نفوذ كنه القبلي وبين ضباط الجيش في الجنوب، من إقناع حفتر بالقبول بمبدأ إعلان المجموعة المسلحة المسيطرة على الحقل، والتي يقودها العقيد آغلس التارقي، وهو أحد رجال قبيلة الطوارق التي ينتمي إليها كنه بل أحد المقربين منه، بتبعيتها لحفتر إسمياً، مقابل أن تبقى السيطرة على الحقل في يدها. كثير من المراقبين كانوا ولا يزالون يتساءلون: حكومة السراج حكومة لمن؟ فمعالجاتها للأزمات خارج طرابلس لا ترتبط إلا بمواقع النفط، وتبرز قوتها حتى، ولو كانت في مواجهة حفتر، إذا كان الأمر مرتبطاً بالنفط. فبعد أكثر من سنتين وهو يُنكل بأهالي مناطق الهلال النفطي لم يعلُ صوت السراج وحكومته إلا بعد أن أعلن في يونيو/حزيران الماضي عن نقل تبعية موانئ النفط إلى مؤسسة نفطية موازية في بنغازي، فأجبرته على التراجع، بعد خمسة أيام فقط، عن قراره، وأبقته منذ ذلك الوقت مجرد حارس مسلح لموانئ النفط دون أن يدخل جيبه دينار واحد من موارده.