الرسائل المجهولة

22 يناير 2015
الكاتب (تصوير: صوفيا مورو)
+ الخط -

كان ساعي البريد قد أحضر له رسالة؛ سلّمه الخادم إيّاها مُقدّمةً على الصينيّة الفضيّة، وليقرأها اقترب من النافذة ووقف إلى جوار إطارها. كان شخصٌ مجهول الهويّة يقول فيها: "آخر من يعلمون بخيانة زوجاتهم هم الديُّوثون المغفّلون، وأنت مغفّلٌ كبير".

مزّق تلك الورقة حانقاً، ورمى بها إلى لهب الموقد، غير أنّ رغبة في صفعِ أحدٍ ما اعتملتْ في نفسه طيلة المساء، وأثناء العشاء ظلّ ينظر إلى زوجته بإمعانٍ، بينما استرسلت هي تتحدّث عن الزيارات التي تفكّر في القيام بها.

في اليوم التالي، أتى له البريد برسالة ثانية لا تحمل إمضاءً، كانت مُهينة بالقدر نفسه كالأولى، تقول إنّ مغامرات زوجته معروفة من قِبل الجميع، وربما من قِبله إذ كان يتغاضى عنها.

طفق يذرع المكتب فريسةً للقلق والشكوك. كان يعرف أنه من الممكن أن توجد مغازلةٌ بينها وبين أحد الضبّاط، لكنه كان على يقينٍ أنّ الحدّ لن يبلغ بها أن تخونه مع رجل آخر. بيد أنّ اللاطمأنينةَ وكُرهاً وليداً تجاهها وتجاه صاحب الرسائل، كانا يشبُّان في أعماقه.

ولما تسلّم الرسالة الثالثة، المدوّنة مثل السابقتين، لم يتردّد في الذهاب إلى زوجته كي يُريها الورقة ويشاهد كيف سيكون ردّ فعلها أمام اتّهام كهذا. وجدها في مخدع اللبس والتزيين، كانت تُمشّط شعرها؛ أمرَ الوصيفتَين بالخروج؛ وهي، أنصتتْ مستاءةً، بلامبالاة على الإطلاق، إلى محتوى الرسالة وكلمات زوجها. كانت تُوليه انتباهاً أقلّ من انهماكها بتسريحة شعرها الشاقّة أمام المرآة. بأنَفةِ امرأةٍ في مقامها، أنكرت لمزات الرسالة، وقطعتِ المحادثة طالبةً منه أن يخرج من بهوها الصغير، وأن يكفّ عن إهانتها.

كان عليه أن ينصاع لها. لكن تقلّصاً في شفتيها أثار بَهتته، وبدا له كأنّما يشي بها. تعاظم الشكُّ في نفسه، وراودته فكرة أن يتحرّى الأمكنة التي تقصدها زوجته؛ أن يتبيّن البيوت التي من المحتمل أنها تستخدمها كمسارحَ لنزواتها، فلا بد أن أفعالها تلك قد صارت علنيّة على نحوٍ واسع عندما قرّر شخص لئيم - أو صديق ما - أن يُخبر عن أمرها ويفضحها. لقد أصبح يتوق إلى الانتقام من الشخص الذي تقصّد إهانته؛ وبينما كان مستغرقاً في تخمين من يمكن أن يكون، كانت فكرة الإقدام على قتله تشفي غليله.

خلال أيام لاحقة، وصلته رسائلُ أخرى مجهولة التوقيع، جميعها متشابهةٌ، مدوّنة باختلافاتٍ بسيطة، تُلمِّح إلى سلوك زوجته الصفيق في مغازلاتٍ سريّة، لكن دون تسهيل أيّة معلومة معيّنة يمكن أن تنفعه كيقينٍ مطلق.

ذات مساء، إذ وصلته الرسالة الأخيرة، جارحة على نحوٍ خاص، كان يمسكها بيده المسندة على سطح المكتب حيث كان مسدسٌ محشوٌ يستقرّ فوقه. كان ينظر إليه مُتطلّعاً إلى استخدامه كوسيلة وحيدة لوضع نهاية لعاره ذاك. حينما أخفض عينيه، وجد نفسه يُقارن الرسالة مع الورقة التي كانت لِصقَ أدوات الكتابة: اللون نفسه، والقياس نفسه، والحبر الذي في المحبرة وذلك الذي استخدمه المجهول كانا متطابقين. وحتى أنّ الرسالة كانت مُغطاةً بالألياف الدقيقة البرّاقة لمسحوق تجفيف الحبر، المحتوى في العُلبة التي كانت هناك أيضاً، إلى جانب ريشات الكتابة.

اتّجه بعينيه صوبَ الباب: خطر في رأسه أنّ أحداً ما، نظرةً غريبةً، من الممكن أيضاً، أن تكتشف أمر هذا التشابه غير المنتظر الذي يُعادل بين الرسائل المجهولة وتلك التي كان يكتبها هو كلّ يوم.

على الرغم من أنه عجّل في حرق الرسالة على نار الشمعدان لتصير رماداً، فإن قناعته بأنها كانت مُطابقة للورقة التي كانت فوق مكتبه جعتله مُبلبلاً. إلا أنّ ذلك لم يُثنه عن قراره بالإجهاز على ذلك الشقاء الوساوسيّ.

قبض على المسدّس، وتوجّه صوب حُجرات زوجته. دخل، فألفى صورته منعكسةً في المرآة الكبيرة لأثاثِ أدوات التبرُّج؛ كان يقف مُصوّباً المسدّسَ، وملامحُ وجهه يعتريها السُّخط. في تلك اللحظة، لم يُساوره شكٌّ في أنّ عليه الآن أن يقتل صاحب الرسائل المجهولة. أطلق رصاصتين، فتحطّمتِ المرآة مُتشظّيةً ألفَ قطعة، وسقط هو على الأرض. بقعةٌ من الدم أخذت تتفشّى على صدر قميصه الأبيض.



خوان إدواردو ثُونِّيغا (مدريد، 1929)، روائيّ وقاصّ ومترجم إسبانيّ، والعنوان الأصلي للقصة "الرسائل المجهولة". 

** ترجمة عن الإسبانية: كاميران حاج محمود

المساهمون