الدولة الإسلامية والدولة القومية

10 يونيو 2014
+ الخط -
يقول المرحوم محمد عابد الجابري: "يمكن القول، من دون تردد، إننا لم نشعر يوماً، نحن المغاربة، بأن هناك فرق بين العروبة والإسلام". لم يسبق أن قرأت لكاتب مغربي، باستثناء الجابري، حول هذه القضية، ولم يحالفني الحظ بحضور ندوة علمية تناقش علاقة الإسلام بالعروبة، أو أيهما يجب أن يكون أولاً، وأيهما يجب أن يكون ثانياً. لكننا، في المقابل، نعطي أهمية لموضوع الإسلام منفرداً، أو العروبة منفردة. وهذا مرده كما يقول الجابري، هو نتيجة لغياب المُشَكِل بين ثنائية العروبة والإسلام في المغرب، أي أنهما يتعايشان بطريقةٍ مسلمٍ بها، ومن دون أدنى اصطدام على مدى القرون الماضية.

غياب هذا المُشَكِل هو نتيجة، أيضاً، لغياب التركيب الديني، فالإسلام استطاع أن يوحد كل المغاربة، على الرغم من الاختلاف الاجتماعي واللغوي، حتى أن التيار الأمازيغي لسنواتٍ وهو يطالب بترسيم لغته، وإقرار حقوق المواطن الأمازيغي، لكنه يفعل ذلك داخل إطار الإسلام، أي باعتبار أن الدولة والمجتمع المغربيان إسلاميان.

إذن، الدين جمع بين العربي والأمازيغي، وأطر صراعهما، فلا يحق للمغربي العربي أن يقول إن المملكة المغربية مملكة عربية، ولا يحق للأمازيغي أن يقول إنها مملكة أمازيغية. نحن مضطرون لأن يكون الإسلام الأساس، أي أننا نعطي للدولة بعداً دينياً، من دون أن تكون دولة دينيةً، بالمعنى المتعارف عليه. إن كون أمير المؤمنين هو رئيس الدولة أمر ساهم في تجاوز إشكالية ثنائية الإسلام والعروبة، وأعطى للمواطنة تعريفاً مرتبطاً بالإسلام أولاً، وليس بالعروبة. يحدث هذا في المغرب، لكن، إذا ما انتقلنا إلى مصر، سنجد الأمر مختلفاً تماماً. هناك تطرح قضية الإسلام والعروبة بقوة، ليس باعتبارها قضيةً راهنةً، بل قضية تعود جذورها إلى فترة الحكم الإسلامي العثماني، والذي حاول أن ينتهج سياسة التتريك، فقامت حركات قومية عربية طالبت بالعروبة، وبالاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على الكيان العربي، لغةً وتراث.

انتهى التواجد العثماني في مصر، ولكن، لم ينته نقاش علاقة العروبة بالإسلام، وأيهما الأحق بالأسبقية، خصوصاً مع ظهور أحزابٍ ذات مرجعيةٍ إسلامية، تطالب بالدولة الدينية، القائمة على أسس الشريعة الإسلامية، رافعة لشعار "الإسلام هو الحل"، مصطدمة في ذلك مع القوى العلمانية. والأهم أنها تصطدم بالمصريين الأقباط، الذين يشكلون نسبةً مهمة من النسيج المجتمعي والسياسي في مصر، أي أن في الحديث عن الدولة الدينية الإسلامية نوعٌ من الدعوة إلى المواجهة، ليست عنيفة بالضرورة، فليس للقبطي أن يلتزم، أو يقبل، بالعيش تحت راية الدولة الإسلامية، بمعناها العميق، والتي تطبق الشريعة الإسلامية، وتجبر غير المسلم على دفع الجزية. يحدث هذا في وقتٍ تعالت فيه أصوات أقباطٍ وعلمانيين، تطلب ترشح قبطي لرئاسة مصر.  لذلك، الصحيح في حالة مصر هو الحديث عن الدولة القومية، الدولة العربية المدنية التي لا تنتبه للفرق بين المسلم والمسيحي، ففصل الدين عن الدولة ضرورة ملحة في مصر، ليتم تجنيب الدولة عقوداً أخرى من الصراعات الجوفاء، التي لا تخدم الديمقراطية في شيء، فالمواطنة هناك يجب أن تقترن بالعروبة، وليس بالإسلام.

ما أريد قوله، إننا في المغرب نحتاج دولة ذات بعد ديني، وفي مصر يحتاجون دولةً قوميةً عربية علمانية. بهذا المفهوم، يصير مستحيلاً أن نتحدث عن الوحدة العربية، أو ما يحب بعضهم تسميتها "الجمهورية العربية المتحدة"، لأن ما يصلح لهم في المشرق لا يصلح لنا في المغرب الكبير، أي أنه قد نتحدث عن الجمهورية العربية، ولكن محددة في مصر، سورية، لبنان، ويمكن أن نضيف فلسطين. وفي المقابل، يمكن الحديث عن الجمهورية الإسلامية الكبيرة، ونحددها في المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا، إيران، أفغانستان، باكستان...أقصد كل الدول التي ليس فيها أقليات دينية أخرى.
 
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي