عشرون سنة سجنا..

03 يوليو 2018
+ الخط -
كتبت قبل ستة أشهر، وبكثير من التشاؤم، أن الأحكام التي ستصدرها المحكمة في حق نشطاء حراك الريف لن تتجاوز سنتين. ما كنت لأتصور أنّ الأحكام ستصل إلى عشرين سنة في حق ناصر الزفزافي ونبيل احمجيق ووسيم البوستاتي وسمير أغيذ، و15 سنة في حق اضهشور بوهنوش واعمروش، و10 سنوات في حق محمد جلول.. وأحكام أخرى تمتد بين سنة وخمس سنوات في حق باقي المعتقلين. ولا أعتقد أن أحدا من متتبعي الملف تصوّر ذلك، حتى الذين كانوا ضد الحراك، وكانوا يرون في الزفزافي ورفاقه دعاة فتنة. قلت لا أحد كان يتصور، ولا يتوقع ذلك، لأن الأحكام الصادرة صادمة.
لن نناقش القضاء ولن نتدخل في تفاصيل القضية، لأننا نجهل ما دار في الجلسات، ونجهل الأدلة المعتمدة في الملف، إلا أنّ ذلك لا يمنع من الحديث عن قسوة الأحكام، وعن كونها منافية للاتجاه الجديد الذي راهن المغرب على أن ينتهجه، والبعيد عن عقلية الدولة الكلاسيكية التي كنا نعتقد أننا قطعنا معها وللأبد، غير أنّ هذه الأحكام تؤكد أن عقلية الدولة لا تتغير.. وأن الدولة فشلت في امتحان الديمقراطية، وفي امتحان مدى احترامها التزاماتها الدولية، وأيضا في امتحان مدى احترامها الحق الدستوري في الاحتجاج.
لهذه الأحكام رسائل أخرى كثيرة، نتوقف عند ثلاثة منها لفهم ما يحدث، وكيف تفكر الدولة، وكيف أنّها فوتت الفرصة مرة أخرى لتقنعنا بانفتاحها على عهد جديد، ولتثبت لنا حقيقة تبنيها مفهوما جديد للسلطة، والذي طالما ادعته.
أول الرسائل تتمثل فيما حدث قبل ثمانية أشهر، حين أعفى الملك محمد السادس وزراء ومسؤولين بسبب تأخر وفشل الأشغال بمشروع منارة المتوسط في الحسيمة، المدينة التي تعتبر مهد حراك الريف، إذ لولا هذا الحراك لما انتبه أحد لما يحدث في هذا المشروع الضخم الذي كان قد أعطى الملك انطلاقته قبلها بسنوات. أي أن إعفاء مسؤولين كبارا بسبب تأثيرات هذا الحراك أزعج الدولة. وهذا لا يعني أن هذه الأحكام كانت انتقاما أو رد دين، بل تحذير ضمني لكل من يفكر في الاحتجاج أو التظاهر أو المساس بمصالح وامتيازات مسؤولينا.
ثاني الرسائل: العلاقة بين ساكنة الريف والدولة المغربية ظلت عقودا علاقة متشنجة وقائمة على أساس من اللاثقة، وذلك نتاج لتراكمات كثيرة، يعود أصلها إلى فترة الاحتلال الإسباني للمنطقة. لكننا نتذكر أنه، بمجرد ما تولى الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، حتى حاول أن يصلح هذه العلاقة ويجدّد روابط الصلة بين الدولة والريف. وبالفعل هو ما تم عبر زيارات متتالية للمنطقة وإطلاق مجموعة من المشاريع التنموية. إلا أنه سرعان ما اتضح أن بعض المسؤولين لا يحبون هذه المنطقة، وهو ما تبيّن بالملموس بعد زلزال 2004 وما تعرضت له المنطقة من إهمال، وهو السيناريو نفسه الذي يتكرر اليوم، فهذه الأحكام تحمل رسالة لساكنة الريف تقول: "يكفي ما قدمناه لكم لليوم، نحن في الأصل لا نحبكم، نحن في الأصل لم ننس الماضي".
ثالث الرسائل: التأمل في الأحكام التي تدرجت تصاعدا من سنة إلى عشرين سنة يجعلنا نفهم أن الدولة تحاول الإساءة إلى حراك الريف، وأن تنحرف به عن مساره الاجتماعي نحو المساس بالدولة وأمنها واستقرارها، مزكية بذلك ما جاء في بيان الأغلبية الحكومية قبل أشهر، والذي كان قد وصف نشطاء حراك الريف بالانفصاليين والخونة، فهذه الأحكام تأكيد على الرغبة في تلطيخ صورة الحراك في مخيلة الرأي العام.
هي رسائل كثيرة إذن تؤكد على أن المغرب الآن في مفترق طرق، فإما أن نعود إلى السكة الصحيحة عبر تصحيح هذه الأحكام أو يستمر في الطريق نفسها الذي لا محالة سيؤدي إلى مزيد من التفرقة داخل المجتمع، وإلى توسيع الهوة أكثر فأكثر بين الدولة والشعب، فتكفي إلقاء نظرة سريعة على مواقع التواصل لفهم الصدمة التي أحس بها المغاربة، بمختلف تشكيلاتهم، حينما علموا بأمر الأحكام.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي