صناعة حسني مبارك جديد

07 فبراير 2019
+ الخط -
يصر الإعلام في مصر على العودة إلى ما قبل ثورة 25 يناير المجيدة، إنه يتجه بثبات نحو صناعة "حسني مبارك" جديد. مناسبة هذا الحديث فهو النقاش الدائر، هناك في أرض الكنانة، بشأن التعديل الدستوري المحتمل، والذي يسمح لرئيس الدولة بالترشح لفترتين متتاليتين، وأيضا بتمديد الفترة الرئاسية إلى ست سنوات بدل الأربع، وهو ما يعني السماح لـ "الرئيس" الحالي عبد الفتاح السيسي بالترشح مرة أخرى، مع العلم أنّ فترته الرئاسية من المفروض أن تنتهي عام 2022. لكنه في حالة الاتفاق على التعديل الدستوري (وهو أمر مفروغ منه) فقد تمتد الفترة الرئاسية للسيسي إلى حدود 2034 وربما أكثر.
يقول المدافعون عن التعديل الدستوري، وهم إعلام الدولة وأحزاب الدولة، إن الظروف السوسيواقتصادية التي تمر منها مصر تُحتّم على مكونات المجتمع المصري التكتل والتكاتف خلف السيسي الذي انشغل، خلال فترته الرئاسية الأولى، بإعادة بناء مؤسسات الدولة، بعد الفراغ الكبير الذي خلفته ثورة 25 يناير وانقلاب 30 يونيو، الأمر الذي يوجب منحه فرصة أخرى، من أجل إعادة بناء الاقتصاد الذي يقولون إنه سيكون سابع أقوى اقتصاد في العالم سنة 2030. يستحضر هؤلاء المدافعون عن طرح التعديل أيضا الوضع الإقليمي الذي تمر منه البلاد، والمتسم بنوع من اللاستقرار، وأيضا بتقلبات كثيرة وخطيرة يمكن أن يمتد تأثيرها إلى داخل مصر، وهو ما يقضي بحتمية استمرار السيسي رئيسا لأنه الأكثر اطلاعا على خلفيات هذا الوضع الإقليمي، ولأنه كذلك حقق قفزة نوعية في محاربة التطرف والإرهاب، خصوصا في منطقة سيناء.
أما الرافضون للتعديل الدستوري، وهم أغلبية الشعب، فيرون أن التمديد للرئيس هو توجه مباشر نحو العودة إلى الفترة السوداء من تاريخ مصر السياسي، أي تكرار لما حدث مع الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي ظل في الحكم نحو ثلاثين سنة، شيّد خلالها لنفسه ولأسرته مكانا مقدسا يُمنع على كل المصريين الاقتراب منه، في حين كان الشعب منشغلا بالتدافع من أجل قطعة رغيف وقنينة غاز. والواضح أنه مع السيسي، قد أضيف للتدافع على قطعة الرغيف وقنينة الغاز، تدافع على السكر وتدافع على البطاطس وتدافع على الكهرباء والماء.
سيظل عبد الفتاح السيسي في الحكم أطول مدة ممكنة، وأنه لن يغادر سنة 2022 لأنه مدعوم، ليس فقط من عمرو أديب وأحمد موسى، بل ومدعوم من تل أبيب، لذلك فهو لن يتزحزح من على كرسي الرئاسة إلا إذا اختار الشعب أن يُحدث الفرق كما أحدثه سنة 2011، فثورة ثانية وحدها الكفيلة بإعادة التوازن لمصر، فلتكن ثورة تصحيحية أو استعادة لمكاسب الثورة التي تم السطو عليها بـ 30 يونيو 2012.
المصريون حقا شعب رائع، لا أدري لما حظهم سيئ مع حكامهم، غريب أن بلاد نجيب محفوظ وأحمد زويل ويوسف السباعي ويوسف القرضاوي ومحمد أبو تريكة ومحمد صلاح، يحكمها شخص كالسيسي، وقبله حسني مبارك، وربما بعدهما من هو أسوأ.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي