الدولار "المغسول" يتسبب بأزمة جديدة في غزة

01 يوليو 2018
السكان يعانون من تزايد الضغوط المعيشية(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

وافق الفلسطيني بشار طالب على مضض بعد محاولات بائسة على تحويل مبلغ من الدولار الأميركي بسعر أقل من قيمته الرسمية، نظير الحصول على عملة الشيكل الإسرائيلي المتداولة في الأسواق الفلسطينية، تحت ذريعة أن الدولارات قديمة و"مغسولة".

وتحمل طالب فارق التكلفة المالية بالرغم من تسلمه سابقا المبلغ بالدولار الأميركي من أحد البنوك العاملة في قطاع غزة، المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2006.

وتعددت الشكاوى خلال الفترة الأخيرة في القطاع، من رفض البنوك تسلم الدولار منهم أو حسم مبلغ مالي يصل في بعض الأحيان إلى 20 شيكل (الدولار يساوي 3.6 شواكل)، في الوقت الذي يقوم به أصحاب محال الصرافة بحسم مبالغ مالية تتفاوت حسب طبيعة كل ورقة من العملة الأميركية والتي تتراوح في بعض الأحيان من 10 إلى 50 شيكل.

ويجري تداول ثلاث عملات رئيسية في الأراضي الفلسطينية، وهي الشيكل الإسرائيلي، والدولار الأميركي، والدينار الأردني، وبنوك غزة تعاني من أزمات متعددة نتيجة التضييق الإسرائيلي والحصار وصلت في بعض الأوقات إلى فقدانها الأوراق من فئة الدولار بشكل شبه كلي.

وعلى الرغم من إعلان سلطة النقد الفلسطينية التي تقوم مقام البنك المركزي في مناطق السلطة الفلسطينية أنها قامت بجهود مكثفة خلال الفترة الماضية من مختلف الجهات والأطراف من أجل القيام باستبدال العملات المختلفة وتحديداً التالف منها الموجودة في القطاع، إلا أن الأزمة لا تزال مستمرة وفقاً لرصد مراسل "العربي الجديد".

ويقول بشار طالب لـ"العربي الجديد" إنه تحمل خلال الفترة الماضية خسائر مالية مقابل تحويل الدولار الأميركي إلى الشيكل الإسرائيلي الذي يعتبر العملة الرئيسية في الأراضي الفلسطينية، في ظل رفض الصرافين تصريفه إلا مقابل حسم عمولات على كل ورقة من فئة المائة دولار.

ويوضح أن الأمر تكرر معه في مرتين وفي محال صرافة مختلفة تعمل في القطاع بالرغم من كون هذه المبالغ جرى أخذها من البنوك المحلية الموجودة بغزة، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تخزين ما لديه من عملة الدولار إلى حين حل هذه الإشكالية.

ويصف المواطن الغزي ما يجري بأنه أشبه بعملية "احتيال ونصب" على الغزيين في القطاع من قبل البنوك وأصحاب محال الصرافة الذين يقومون بالحسم من قيمة سعر الصرف الأصلي تحت ذرائع في بعض الأحيان واهية ولا أساس لها من الصحة.

ويدعو طالب إلى ضرورة تحمل سلطة النقد مسؤوليتها تجاه ما تقوم به البنوك وأصحاب محال الصرافة في القطاع والعمل على توفير عملات جديدة من الدولار تتناسب واحتياجات الغزيين، واستبدال التالف منها كي تنتهي هذه الأزمة المتفاقمة منذ عدة أسابيع.

غير أنّ الصراف الفلسطيني أحمد، وهو صاحب محل للصرافة بمدينة غزة يقول إن ما يجري حالياً لعبة بين بعض كبار التجار في سوق العملة بغزة وبعض البنوك حتى يحققوا استفادة وأرباحا، بحيث يتم أخذ الدولار من المواطنين بأقل سعر ثم يقوم البنك بإعادة إخراجه بسعره الأصلي.

ويوضح الصراف أحمد لـ "العربي الجديد" أنه ورغم ذلك فإن هناك أزمة حقيقية موجودة إذ ترفض البنوك إيداع الدولار وتسلمه، وما يجري أنه يتم تخزينه وتحويله للأردن ومصر ويُدفع عليه رسوم وجمارك، ويتم الحصول عليه بثمن أقل من ثمنه الأصلي.

ويؤكد الصراف الغزي أن هناك كمية كبيرة من الدولارات المغسولة والتي تظهر عليها علامات وتعفن بفعل سوء تخزين واستخدام الناس وكثرة تداولها، وهو ما يدفع بالتجار لغسلها بمحلول من مادة الكلور ونشرها في الشمس، إلا أن ذلك يفقد الورقة ملمسها الأصلي.

ويبين أن البنوك ترفض تسلم هذا النوع من الدولار، حيث إن المغسول منه يكون ناعم الملمس وذا لون باهت للغاية، أما الدولار العادي والذي لا يرفض أو يتم فرض خصومات من سعر صرفه الأصلي، فتكون الورقة منه خشنة ومتماسكة ولا يظهر عليها أي طبع.

من جانبه، يقول المستشار المالي الدولي والخبير الاقتصادي الحسن بكر لـ"العربي الجديد" إن ما يجري حالياً هو نتاج الإجراءات الإسرائيلية والتي تجعل جميع الأطراف فيها مظلومة فلا يوجد أحد مجبر على تحمل الخسارة الناتجة عن الدولار الموجود بغزة.

ويوضح بكر أن البنوك بغزة لا تستطيع استلام الدولار الأميركي القديم المتوفر في القطاع بكثرة بسبب عدم قدرتها على ترحيله للخارج واستبدال التالف منه بالجديد، لا سيما في ظل العراقيل الإسرائيلية التي يضعها الاحتلال وصعوبة عملية نقل النقد.

ويشير مستشار المال الدولي والمختص الاقتصادي إلى أن عملية نقل النقد أضحت معقدة للغاية حالياً وصعبة، مقارنة مع الفترة التي سبقت فرض الاحتلال للحصار على غزة حين كان يجري استبدال النقد بشكل يومي، في الوقت الذي تتم فيه عملية الاستبدال على فترات متباعدة تصل لشهور.

ويلفت إلى أن الصعوبة في استبدال النقد أدت إلى التسبب في بعض الأحيان في تكدس السيولة أو الشح فيها في أحيان أخرى، لا سيما الدولار المغسول والمتعفن منه والذي يلجأ الصرافون إلى القيام بغسله في خطوة ملتوية لا ينبغي أن تتم من أجل إقناع الناس بحمله.

وعن إمكانية أن يكون هناك تواطؤ بين بعض الصرافين وبعض البنوك، لم يستبعد بكر أن يكون ذلك موجوداً إلا أن الرقابة والمختصين لا يستطيعون الإعلان عنه بشكل رسمي ما لم يتم فتح طريقة لاستبدال النقد المتوفر حالياً وإدخال عملات جديدة تحل الأزمة.

في الأثناء، قال محافظ سلطة النقد عزام الشوا في تصريح صحافي مؤخرا إنه تم استبدال ما مجموعه 155 مليون شيكل و4.3 ملايين دولار و1.1 مليون دينار أردني واستبدالها بفئات حسب احتياجات المواطنين في قطاع غزة، مشيرا إلى أن سلطة النقد تمكنت من إدخال 15 مليون دولار والعملة المعدنية من فئة النصف شيكل إلى القطاع ضمن سلسلة من الجهود التي قامت بها مؤخراً من أجل التخفيف عن الغزيين.

ويعاني القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الثاني عشر على التوالي من أزمات اقتصادية ومالية مستفحلة أصابت القطاع المصرفي، ففي الوقت الذي لا تتوفر في الآونة الأخيرة سيولة مالية كافية لدى الفلسطينيين بفعل الإجراءات والعقوبات المفروضة من السلطة الفلسطينية على القطاع إلى جانب تفشى البطالة وارتفاع معدلات الفقر، يتأثر القطاع المصرفي بهذه الأزمات التي انعكست بشكل واضح على أدائه في ظل تحكم الاحتلال بالسيولة النقدية الواصلة للقطاع.

دلالات
المساهمون