الحملة التركية شرقي الفرات: تمهيد لتدخل لن يكون وشيكاً

01 نوفمبر 2018
أي عملية عسكرية تركية تستدعي حشد تعزيزات كبيرة (الأناضول)
+ الخط -


يحلو للسلطات التركية، خصوصاً بعدما أصبح الرئيس رجب طيب أردوغان هو الوجه البارز في السياسة الخارجية، أن تمارس سياسة تكثيف المواقف والتصريحات والتهديدات قبل أن تقدم على أي خطوة، بشكل تكون ممارساتها غير مفاجئة، نظراً لحجم التحضير الإعلامي الذي يسبقها. ويظهر ذلك اليوم في القصف التركي على مناطق غرب مدينة عين العرب السورية، التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، وتوظيفه إعلامياً من قبل أنقرة لتوجيه رسائل إلى واشنطن، أكبر حليف للمسلحين الأكراد في سورية، استباقاً لعملية عسكرية جديدة تستهدف المنطقة، لكن موعدها قد يطول لما بعد عام من اليوم.

فما إن نفذت مدفعية الجيش التركي عدة رشقات باتجاه مواقع يتحصن بها المقاتلون الأكراد بمنطقة زور مغارة الأحد الماضي، حتى بدأ التحشيد الإعلامي التركي، وقطعت وسائل الإعلام بثها لنقل تطورات الحدث، بالتعقيب والتحليل، مذكرة بتهديدات لطالما كررها أردوغان، بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي، حيال إنشاء كيان كردي، تصفه أنقرة بالإرهابي على حدودها الجنوبية. وأعقبت عملية القصف تصريحات من أردوغان، أول من أمس، أكد فيها أن تركيا أكملت استعداداتها لأي عمل عسكري شرق الفرات، وتبعتها تصريحات من وزير الدفاع، خلوصي أكار، شدد فيها على أن الدور جاء على شرق الفرات، الأمر الذي رفع من توقعات المتابعين بإقدام تركيا على هذه الخطوة في القريب العاجل. وتبعت قصف الأحد الماضي، اشتباكات حصلت في منطقة تل أبيض، وقصف متبادل بين الجيش التركي والمليشيات الكردية، إذ استهدفت "وحدات حماية الشعب" الكردية مدرعة تركية، من دون وقوع إصابات، فيما كثف الجيش التركي قصف المنطقة، ما أوقع قتلى وجرحى في صفوف تلك المليشيات. وواصلت القوات التركية قصف مواقع في منطقة عين العرب أمس الأربعاء، فيما ذكرت وكالة "الأناضول" أن القصف أدى إلى مقتل 4 مسلحين أكراد وإصابة ستة.

لكن مصادر تركية رفيعة المستوى أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن هناك توجهاً تركياً بالفعل لتنفيذ هذه العملية، التي لا تزال في مرحلة التحضيرات، وسط تركيز العمل حالياً على تشكيل رأي عام محلي ودولي داعم للعملية، ولربما تصل مرحلة التحضيرات لنحو عام. وذكرت بالعمليات السابقة التي جرت في "غصن الزيتون" مستهدفة منطقة عفرين، وقبلها "درع الفرات"، إذ استبق الجانب التركي العمليتين بمرحلة طويلة من التمهيد والحشد العسكري، وعشرات من التصريحات النارية. ولفت مصدر مسؤول إلى أن ما يدل على أن العملية العسكرية لن تكون وشيكة، وإنما يجري التحضير لها، أنه حتى الآن لا توجد حشود عسكرية مكثفة تنبئ بحصول العمل العسكري، فأي عملية هناك تستدعي تعزيزات كبيرة، وهذا لن يحصل بين ليلة وضحاها، خصوصاً في ظل وجود عدسات الإعلام التي تراقب المنطقة عن كثب. ورجحت المصادر أن تلجأ تركيا إلى عمليات قصف متواصلة، تصنفها وزارة الدفاع التركية بأنها رمايات روتينية، لكن الهدف الحقيقي منها هو إنهاك الخصم وإرهاقه للمرحلة اللاحقة. وقد جرى إتباع هذه الطريقة سابقاً في منطقة عفرين، إذ إن القصف التمهيدي، الذي كان يحصل على شكل روتيني، كان يهدف لتدمير الدفاعات والتحصينات، وإرهاق العدو، قبل الوصول إلى مرحلة من التفاهمات الدولية للعملية العسكرية.



واللافت أن وسائل الإعلام التركية المرئية التي تفاعلت مع الحدث الأحد والإثنين، تراجعت عن المتابعة المكثفة، فيما غابت التسريبات عن الصحف التركية المقربة من الحكومة، إذ اعتادت هذه الصحف نقل سيناريوهات وخرائط مستندة إلى معلومات ومعطيات من الجانب الرسمي. ولهذا ليس من المعلوم حتى الآن الجبهة التي ستنطلق منها العملية العسكرية، إلا أن قصف غرب عين العرب أكد هذه الجبهة، وحدوث قصف آخر على منطقة تل أبيض يوضح الجبهة الثانية، وإن صنفت المصادر عمليتي القصف بأنها ضمن الإطار الروتيني، وسياسة إرهاق "الوحدات" الكردية.

وفي ذات الإطار، أكدت مصادر تركية أخرى أنه حتى الآن لم تحصل لقاءات مباشرة مع الجانب الأميركي حول أي عملية شرق الفرات، إذ إن أي عملية عسكرية تركية يجب أن تحظى بموافقة من واشنطن، نظراً للتواجد الأميركي في المناطق التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، منعاً لحصول مواجهة مباشرة، كما أن الجيش الأميركي نشر أعلامه أكثر من مرة على خطوط التماس لردع أنقرة من التقدم، كما حصل في عملية "درع الفرات"، وفي مناطق تل أبيض وغيرها. وأكد مصدر تركي ان الخطة ستكون بعيدة المدى، وتهدف للدخول إلى مناطق لا تتواجد قوات أميركية فيها، وذلك من أجل إجبار واشنطن على التفاوض مع أنقرة. وأوضحت المصادر أن الأوساط تترقب في الأيام المقبلة، تسيير الدوريات التركية الأميركية المشتركة في منبج. ويبدو أن الجانب التركي ينتظر استكمال الخطوات الحقيقية في موضوع خارطة الطريق حول منبج الموقعة في يونيو/حزيران الماضي، والانتقال لشرق الفرات من أجل التنسيق المشترك، وفي حال عدم حصول ذلك التنسيق فإن تركيا قد تتخذ خطوات أحادية الجانب، وهذا إن لم يحصل في الفترة القريبة أو المتوسطة المدى، فإنه سيحصل على المدى البعيد، وما يؤكد ذلك، العمليات العسكرية التركية الجارية شمال العراق، مستهدفة مناطق حزب العمال الكردستاني. وخلصت المصادر إلى تأكيد حصول العملية العسكرية التركية شرق الفرات، ولكن ذلك يحتاج لوقت قد يصل إلى عام، إلا أن أردوغان والقيادة التركية حازمان في هذا الأمر، وستعمل القيادة منذ الآن على التمهيد ميدانياً وعسكرياً وإعلامياً للموضوع.