الحلّ السوري...مراعاة المعطى الروسي بلا تغييرات جذرية بمعسكر الثورة

26 سبتمبر 2015
لا تنفيذ لأي اتفاق بلا مراعاة الموازين العسكرية(فرانس برس)
+ الخط -


 

تكثر التحليلات المتعلقة بأحدث المواقف الغربية والإقليمية المتصلة بالملف السوري. تختلط المعلومة بالرغبات بحسب مصدرها. لكنّ الثابت يبقى أنه لا تغيير جذرياً طرأ على موقف معسكر الدول الداعمة للثورة السورية، قطر وتركيا تحديداً، وإن كانت هاتان الدولتان قد تكونان مضطرتين إلى مراعاة المستجدات المتصلة بالتدخل الروسي المباشر في الساحل السوري، والذي لا يجد حتى الشق السياسي الأكبر من المعارضة السورية، أي "الائتلاف" ورئيسه خالد خوجة، إلا تسميته "احتلالاً كل من يقبل به يكون عميلاً" على حد تعبيره. وتنبع مراعاة التصعيد الروسي الذي صار واقعاً على الأرض عسكرياً، وأخذه بعين الاعتبار بالنسبة للمعسكر المؤيد للثورة السورية، في أي كلام عن حلّ سياسي ما، وفق روحية "جنيف" أو خارجها، من واقع أن التفاوض باسم النظام، صار محصوراً بدولة عظمى، روسيا، لا مع النظام السوري المتدهور حد التقهقر، ولا مع إيران التي تبقى، على الرغم من كل شيء، غير قادرة موضوعياً، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، على التحدث وحيدة باسم النظام واتخاذ القرارات بالنيابة عنه.

في المقابل، روسيا قادرة على ذلك وراغبة فيه، وهو ما ترجمته بإرسال قوات عسكرية وخبراء (ضباط) إلى الساحل السوري. غير أنّ إرسال روسيا لفرقاطاتها وطائراتها وضباطها وذخيرتها المدججة بأحدث الأسلحة، يحمل إشارة معاكسة لما يرغب نظام بشار الأسد في تصويره، فانتقال موسكو من التحكم عن بُعد بالشق النظامي من الملف السوري، إلى النزول على الأرض، يقدم دليلاً على المدى الذي وصل إليه ضعف النظام، لا قوته بحسب ما يرغب فريق بشار الأسد في تصويره. فلو كان حكام دمشق قادرون على الاحتفاظ بعقر دارهم، و"غرفة نومهم"، أي الساحل، لما كانت موسكو أقدمت على هذه القفزة ــ المغامرة التي يجمع سياسيون ومحللون على أن الهدف منها هو منع سقوط النظام بالكامل لكي يكون قادراً على "التوقيع" في النهاية على اتفاق لن يكون له فيه الكلمة الكبيرة، المحجوزة للروس.

يدرك المطلعون على أجواء صناع القرار في العواصم الفاعلة بالملف السوري، أنه منذ اليوم الأول لـ"عسكرة" الثورة السورية، كان واضحاً أنّ الوقائع على الأرض سيكون لها الدور الرئيسي في وجهة الحلّ السياسي الذي سيحصل في النهاية، مهما تأخر. ويدرك هؤلاء أيضاً، أن أيّ تسوية أو اتفاق، ولو كان يحظى بتأييد أكبر دولتين في العالم اليوم، روسيا وأميركا، لا يمكن تنفيذه من دون مراعاة الموازين العسكرية أولاً، والدول الفاعلة "على الأرض" ثانياً، والأطراف الممسكة بالميدان ثالثاً. وتتزامن التصريحات الغربية الأخيرة، من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وأركان الإدارة الأميركية عن إمكانية إشراك بشار الأسد في المرحلة الانتقالية والمفاوضات الهادفة إلى الوصول لتلك المرحلة، أو عن "انعدام ضرورة رحيل بشار الأسد فوراً"، مع اتفاق الزبداني ــ الفوعة كفريا، ليتسبب هذا التزامن بإرباك لا يرى مطلعون على أجواء عواصم مؤيدة للثورة السورية، أنه مبرر.

لقد ترجم اتفاق الزبداني مكاسب للمعارضة السورية المسلحة جرى فرضها على المفاوض الإيراني في تركيا من دون أن يكون للنظام موقف من الموضوع. مكاسب تعكس الوضع العسكري العام للفصائل المسلحة التي كبّدت النظام وحزب الله وإيران مباشرة، خسائر كبيرة، أكان في الزبداني أم في الفوعة وكفريا وفي داريا التي تُباد منذ 3 سنوات، من دون الحديث عن غوطة دمشق التي يزداد خطرها على النظام مع مرور الأيام على عكس منطق حرب الإلغاء الذي تتعرض له منذ سنوات.

هذه الموازين العسكرية المائلة لغير مصلحة النظام بالتأكيد، أتت باتفاق الزبداني مثلما جاءت بنوده لفائدة الفصائل المعارضة وناسها، وهو ما يعتبر كثيرون أنه لا بدّ أن يكون عيّنة عن الاتفاق العام حول الملف السوري، ليعكس موازين القوى الموجودة على الأرض، وإلا فإنّه لن يبصر النور أو بالأحرى لن يجد طريقه إلى التنفيذ.

يدرك متابعو الملف السوري أنّ أزمة اللاجئين المهجرين من السوريين خصوصاً، إلى أوروبا تحديداً، حرّكت المياه الراكدة في القارة العجوز على الأقل لناحية استعجال البحث عن أفكار بعضها قديم وبعضها الآخر جديد للملف السوري. لكن الأكيد أن ما رأى فيه بعضهم انقلاباً أميركيا في الموقف، لناحية قبول فكرة بقاء بشار الأسد و/أو نظامه في مرحلة انتقالية ما، ليس بجديد بتاتاً، وأرشيف التصريحات الأميركية المتضاربة في هذا السياق، خصوصاً على لسان وزير الخارجية جون كيري، مفتوح للعموم ليدركوا أن واشنطن لم تقل يوماً غير ما تقوله اليوم. لكن الربط بين التصعيد الروسي الميداني، والنبرة الأميركية القديمة ــ الجديدة في التصريحات، هو الذي أثار ولا يزال، مخاوف لدى عدد من المعارضين السوريين من احتمال حصول تغيّر ما في الموقف المتمسك برحيل النظام ورأسه على حساب كل الخراب الذي حصل منذ أعلن النظام حربه على شعبه. أما الموقف الأوروبي، فهو أيضاً ليس سوى تكرار لكلام مسؤولين في القارة لم يخفوا أنهم يجتمعون مع رموز من النظام السوري منذ 2011 من دون انقطاع انطلاقاً من أنهم مع أي حلّ يوقف الحرب، واليوم يوقف موجة اللجوء ــ الهجرة، ولو كان على حساب الثورة والشعب السوري. من هنا، يضع كثيرون كلام ميركل وقبلها تصريحات مسؤولين آخرين أوروبيين، في خانة تسريع وتيرة موجودة أصلاً على جدول أعمالهم، أي التفاوض على شكل المرحلة الانتقالية، مع الأسد أو من دونه، لحسم من هي رموز النظام التي يمكن أن تبقى، ومن هي تلك التي يجب ألا يشملها أي تفاوض أو حوار أو أفكار.

اقرأ أيضاً: أردوغان يؤكد أن السياسة التركية تجاه سورية لم تتغيّر

أما كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الخميس، عن الأسد والمرحلة الانتقالية، فقد فسره كثيرون انطلاقاً من انتزاعه من سياقه. وتفيد قراءة هادئة لكلام أردوغان، أنه لم يقل سوى نصائح للمعارضة السورية برفض أن يكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية، من دون أن يلغي احتمال أن يكون للأخير دور بالفعل نظراً للتطورات المرتبطة بالتدخل الروسي. ومن أجل إزالة أي لبس قد لحق بكلام أردوغان، نورد الترجمة الحرفية لكلامه بعد انتهاء صلاة الأضحى في إسطنبول يوم الخميس: "يجب أن تكون هذه المرحلة من دون الأسد، لكن قد يكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية. لكن الذي يجب أن يحصل هو عدم قبول المعارضة لأي دور له في سورية المقبلة، وهكذا لن تقبل المعارضة شخصا وديكتاتوراً قتل بين 300 و350 ألفاً من شعبه. ومن كل الشخصيات التي نقابلها من السوريين، نأخذ هذا الانطباع، طبعاً الدعم الروسي والإيراني لسورية لم يعد خافياً بل هم يجاهرون به، نأمل من روسيا تعديل موقفها، وقد قلتُ لهم إن الأسد يريد اقامة دويلة من دمشق وحمص وحماه واللاذقية بمساحة 15 بالمائة من سورية تطل على البحر المتوسط، وهذا كل هدفه. لكن السؤال: هل تقبل المكونات السورية الأخرى بذلك؟".

من ترجمة نص الكلمة يظهر أن الشق المتعلق باحتمال مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، على لسان أردوغان، يدخل في خانة التوقع أو التحليل بناءً على الدورين الروسي والإيراني، لا كما فسره بعضهم بأنه موافقة تركية على مشاركة الأسد في تلك المرحلة.

في هذا السياق، يستغرب كثيرون تفسير الكلام عن المرحلة الانتقالية ودور النظام الأسد فيها، على أنه مكسب لروسيا أو للنظام في دمشق، ذلك أن المرحلة الانتقالية منصوص عليها أصلاً في "جنيف 1" و"جنيف 2"، ومن الطبيعي أن يكون النظام مشاركاً فيها، وإلا لما كان اسمها مرحلة انتقالية. لكنّ الإشكالية التي تؤكد أنه لا يزال من المبكر الحديث عن اتفاق وشيك حول رؤية موحدة لهذه المرحلة، تبقى في تفسير المصطلحات العامة؛ فماذا يعني أن يكون نظام الأسد مشاركاً في المرحلة الانتقالية طالما لا تزال موسكو متمسكة ببقاء الأسد شخصياً في منصبه، ولو بلا صلاحيات عملياً، إن تألفت حكومة وحدة وطنية انتقالية تمتلك السلطات التنفيذية التي يحتكرها الأسد بموجب الدستور البعثي؟

هذا من الجهة التركية؛ أما قطرياً، فتفيد مصادر في الدوحة، بعدم حصول تغيير أيضاً حصل إزاء الملف السوري. بالتالي، وفي ظلّ الكلام الكثير عن توقعات بأن يتوصل كل من باراك أوباما وفلاديمير بوتين إلى اتفاق ما في لقائهما يوم الإثنين المقبل أو بعد هذا التاريخ، يبقى تنفيذ أي اتفاق رهن موافقة تركيا وقطر. هنا، لا يستبعد بعض المتابعين أن تطرأ مرونة ما في الدوحة وأنقرة في حال كان هناك احتمال اتفاق جدّي يجري العمل عليه، من دون أن يعني ذلك تطبيعاً مع فكرة بقاء رأس النظام، لكن شكل المرحلة الانتقالية ورموزها من جانب دمشق، تبقى عناوين قابلة للتفاوض بالنسبة للمعارضة السورية، السياسية والمسلحة، وكذلك بالنسبة للعواصم الإقليمية التي تدعمها، علماً أنّ المعارضة السورية سبق لها أن طرحت أسماء محسوبة على النظام لتكون ممثلة عنه في تلك المرحلة الانتقالية.

في هذا السياق، لا جواب رسمياً حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه "التنازل" الممكن تقديمه من المعارضة السورية والدول الإقليمية الداعمة لها. لا جواب تحديداً على الجزئية المتصلة باحتمال "بقاء الأسد" في المرحلة الانتقالية، ذلك أن الأسد هو النظام السوري، والنظام السوري هو الأسد، وهنا تكمن المهمة الشاقة بالنسبة للطرف المصرّ على ألا يكون للنظام، أي للأسد، أثر في "سورية الجديدة".

الإطار أعلاه يتضمن، من ضمن أشياء أخرى، حتمية أن تضطرّ أطراف سورية وإقليمية إلى قبول ما كانت لا تقبل له بخصوص المرحلة الانتقالية أو الاتفاق السياسي الشامل الذي بات بالإمكان التوصل إليه اليوم، بين موسكو وواشنطن، أكثر من أي يوم مضى، بحسب مصادر عربية متابعة عن كثب للملف السوري، من دون أن يعني ذلك بأي حال مساومة على "الخطوط الحمراء" التي وضعتها الأطراف السورية المعارضة والإقليمية الداعمة لها، لجهة ضرورة رحيل نظام لم يعد يتحكم، مع حلفائه، من دول ومليشيات، بأكثر من 20 في المائة من مساحة سورية.

وبخصوص خلفيات التصريحات الأخيرة في الغرب خصوصاً، والمواعيد المرتقبة كقمة أوباما ــ بوتين في نيويورك يوم الإثنين، والتي أشاعت أجواء توحي بالنسبة لبعضهم وكأن الأمور أصبحت جاهزة لعقد اتفاق أميركي ــ روسي حول سورية، فإنّ قناعة تسود لدى أوساط صناع القرار في الإقليم وفي المعارضة السورية، بأن لا مسودة اتفاق تم التوصل إليها بعد، ولا مشروعاً مكتمل الأفكار، لكن الأكيد أن التدخل الروسي العسكري المباشر، فضلاً عن انفجار أزمة المهجرين ــ اللاجئين بهذه الوتيرة، جعلا من احتمال التوصل إلى تسوية ثنائية أميركية روسية، أو تحت أجنحة الأمم المتحدة ومبعوثها ستيفان دي ميستورا، "أمراً محتملاً للمرة الأولى عملياً منذ اندلاع الثورة".

اقرأ أيضاً: ميركل والتفاوض مع الأسد...اللاجئون يسرّعون البحث الأوروبي عن حل

المساهمون