أنهى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أمس الإثنين، الجدل القائم حول موقف الحكومة التونسية غير الواضح من اغتيال الشهيد الزواري، وأكد إثر لقائه الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، "حرص الحكومة على تتبّع كل من أجرم أو تواطأ أو قصّر في هذه القضية، مجدداً تمسك الحكومة بحق الشهيد وبحق تونس".
من جهته، أكد وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، أنه "في صورة ثبوت ضلوع أطراف أجنبية في عملية الاغتيال الغادرة للمواطن التونسي محمد الزواري، فإن تونس لن تتوانى عن ملاحقة الضالعين فيها، سواء داخل أرض الوطن أو خارجه".
وأضاف الجهيناوي، أن السلطات المختصة، المتمثّلة في وزارتي العدل والداخلية، تولي القضية المذكورة أهمية كبرى لتقصي الحقائق ومعرفة ملابساتها الحقيقية، مضيفاً أن الوزارات المذكورة ستقدم ملفاً لوزارة الخارجية، لتقوم هذه الأخيرة بدورها في الدفاع عن حرمة تونس خارجياً، في حال ثبوت تورط أطراف أجنبية في انتهاك التراب التونسي.
وشدّد الجهيناوي، الإثنين، في كلمة خلال رئاسته الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بالقاهرة، على أن تونس "ستردّ بكل صرامة على كل من يستهدف أمنها واستقرارها ويعتدي على سيادتها، وستتخذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة التي تضمنتها المواثيق الدولية".
من جهته، دعا كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية، سفير ألمانيا بتونس، أندرياس راينيكي، لتقديم توضيحات حول هوية ووثائق سفر صحافي القناة العاشرة الإسرائيلية، الذي قام بتحقيق تلفزي أمام منزل المهندس محمد الزواري، وأكّد السفير الألماني، بحسب بيان للخارجية، أنه سيقوم فوراً بالمساعي اللازمة، وإعلام السلط التونسية.
ويشكّل التعاطي السياسي عموماً مع القضية، مدعاة للتساؤل حول عديد المحاور التي حفّت بها، وبرغم إجماع كل التونسيين وأحزابهم، على اختلاف توجهها، على إدانة الاغتيال ومرتكبه الصهيوني، فإن الأمر لم يسلم من تسجيل النقاط المعهودة بين الأحزاب والحكومة.
وكانت حدة الانتقادات للحكومة، قد ارتفعت بعد الندوة الصحافية لوزير الداخلية، الهادي مجدوب، الذي وصف الزواري بـ"المرحوم"، ولم يصدر موقفاً سياسياً واضحاً، بحسب منتقديه، ولم يوجه أصابع الاتهام مباشرة لتورط الكيان الصهيوني في اغتيال الزواري.
وفي المقابل، يعتبر آخرون أن الدولة لا يمكن لها أن تجازف باتهامات دون ملف قويّ ودلالات قطعية تؤكد تورّط إسرائيل، وهو ما ردده المجدوب باستمرار في ندوته الصحافية، برغم إشارته إلى أن المعطيات ترجح تورط جهاز أجنبي في الاغتيال.
ولم يكن "التحفُّظ" خاصاً بالحكومة هذه المرة، وإنما شمل عديد الأحزاب التي تأخرت بياناتها ومواقفها، وكان بعضها حذراً جداً في صياغة المفردات، وظل كثيرون ينتظرون موقف الداخلية من القضية للتحقق من جنسية الجاني وهويّته، ولم يصدر بيان عن الحزب الحاكم نداء تونس مثلاً إلا يوم أمس الثلاثاء.
ومع أن الأحزاب هذه المرة تعالت عن خلافاتها وحساباتها الأيديولوجية المعتادة، والتقت كلها حول القضية، فقد اقتصر رد فعلها على المواقف والبيانات والدعوة للتظاهر، باستثناء موقف الرئيس السابق، منصف المرزوقي، الذي بادر بالتوجه إلى منزل الشهيد وتقديم التعازي لعائلته، وتلاوة الفاتحة على قبره، وطالب باستقالة وزير الداخلية، وهو ما تسبب في موجة من الانتقادات له، لأنه كان أكثر تحفظاً إبان حكمه، بعد الاغتيالات التي حدثت آنذاك، بحسب منتقديه.
وكانت عدة أحزاب تونسية، مثل الحزب "الجمهوري" و"التحالف الديمقراطي" و"التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، قد دعت إلى تجمع شعبي بالعاصمة تونس، حضرته عديد الوجوه السياسية ووجوه من المجتمع المدني، ومن أبرز الشعارات التي رفعت "الشعب يريد تجريم التطبيع" و"يا حكومة عار عليكم صهيوني يدنس أراضيكم".
وفي تصريح لـ "العربي الجديد" قال الناطق الرسمي للحزب الجمهوري، عصام الشابي، إن "التعليق الذي جاء في الندوة الصحافية لوزير الداخلية عن اغتيال الزواري جاء متأخراً كثيراً وجاء بحيثيات تتعلق بالتحركات الأخيرة للقتلة، لكنه لم يرتق إلى مستوى الاستخلاص السياسي وتوجيه الاتهام صراحة للكيان الصهيوني، وجهاز الموساد الذي اعتدى على السيادة الوطنية"، وأكد الشابي أنهم لا يقبلون أقل من أن توجه السلطة التونسية الاتهام صراحة للكيان الصهيوني، وأيضاً بتدويل القضية والذهاب بها إلى أروقة الأمم المتحدة، داعياً إلى ضرورة "سن قانون لتجريم التطبيع".
من جهته قال القيادي بحركة الشعب، سالم الأبيض، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن موقف وزير الداخلية فيه كثير من التردد والخوف وعدم المعرفة بحيثيات القضية"، موضحاً: "توجد عديد المعطيات الخاطئة قدمت خلال الندوة الصحافية ليوم أمس".
وقال أمين عام حزب التحالف الديمقراطي، محمد الحامدي، إنهم "لا يطمعون من الدولة التونسية بإعلان الحرب على الكيان الصهيوني، لكنهم يطالبون على الأقل باستعمال الوسائل الدبلوماسية المتاحة للحكومة" بحسب تصريحه لـ"العربي الجديد".
واستغربت رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان، فيولات داغر، في تصريح لـ"العربي الجديد" الموقف الرسمي للحكومة التونسية، الذي اعتبرته "لا يرتقي إلى مستوى بلد شهد ثورة حقيقية ضد الظلم والطغيان".