الحريري يعود إلى الساحة اللبنانية: فراغ سياسي وإخفاق أمني

22 يوليو 2014
غاب الحريري وعاد إلى اللبنانيين بخطاب عادي (الوكالة الوطنية)
+ الخط -
تتراكم الأخطاء السياسية والأمنية في ملفات مسؤولي تيار المستقبل في لبنان، منذ انطلاق عمل حكومة الرئيس تمام سلام (فبراير/شباط 2014). يرتفع وهج الملف الأمني، ويتقدّم على سائر الأوليات الأخرى، بينما الكرة الأمنية في ملعب تيار المستقبل ووزيره نهاد المشنوق. بات الأخير يوقّع القرارات ويقطع الوعود والتعهدّات، ويعالج الأمن من دون الرجوع إلى أحد. كل ذلك أيضاً من دون وقوف قيادة "المستقبل" عند أداء المشنوق، في ظل غياب أي "مراجعة أو تصويب من قبل القيادة"، بحسب ما يقول مسؤول بارز في التيار لـ"العربي الجديد".

حرق الملف الأمني الكثير من مواقف "المستقبل" ومواقعه، تحديداً في ساحة "مكافحة الإرهاب" التي تعني البيئة المستقبلية (السنية) أولاً. لم يعد وزير الداخلية المشنوق، قادراً على التراجع حفاظاً على "الدولة ومؤسساتها وهيبتها"، وفي الوقت عينه يأتي كل هذا العمل الأمني الفوضوي "لضرب البيئة السنية". نجحت الخطة الأمنية في مدينة طرابلس (شمالي لبنان)، أبرز المناطق المستقبلية نفوذاً، وفشلت في البقاع (شرقي لبنان)، معقل حزب الله وخزّانه البشري.


أصبحت قراءة بعض مسؤولي "المستقبل" وعدداً من المقربين من المشنوق، متقاربة من قراءة حزب الله للملف الأمني، تحديداً في بلدة عرسال ومحيطها، وتحديداً أكثر في المجتمع العرسالي التي تسوّق الماكينات الإعلامية لفريق 8 آذار باحتضانه لـ"داعش" وغيرها من التنظيمات المتشددة، ربما تمهيداً لمحاصرته وضربه.

بالتأكيد، بات حزب الله مشاركاً على طاولة اجتماعات الأجهزة الأمنية الرسمية، من خلال حضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، وفيق صفا هذه الاجتماعات. وزراء ونواب ومسؤولون أمنيون سابقون في "المستقبل"، يتوقّفون عند كل ما يجري على الساحة الأمنية ويحافظون على صمتهم. يؤكدون أنّ العلاقة "كانت قائمة ومستمرة مع حزب الله طوال الفترة الماضية، لكن ليس بهذا الشكل". كان الطرفان يتواصلان وينسّقان في الملفات الأمنية، "من دون أن يكون لهذا التنسيق تغطية على ممارسات حزب الله الأمنية ولا شرعنة لتحركاته ومقاتليه". يحتفظ المسؤولون الأمنيون السابقون بهذه "الملاحظات" لأنفسهم، ويكررونها في مجالس ضيّقة. لم يسألهم أحد أساساً من فريق الرئيس سعد الحريري عن رأيهم حول ما يحصل. أما الحريري، وعند سؤاله عن الأمن في لبنان، فهو "لا يشدّد إلا على ضرورة مكافحة التشدّد ومحاولات تفشّي هذا النمط"، بناءً على ما ينقله أحد زوّاره في السعودية.

كلام مشابه ورد أيضاً على لسان الحريري في طلّته الإعلامية الأخيرة، خلال حفل الإفطار المركزي لتيار المستقبل، الذي طالب فيه بـ"إعداد خطة وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب". يبدو أنّ شهر رمضان كسر الحمية السياسية التي اتّبعها الحريري طوال السنتين الماضيتين. صام الرجل عن العمل السياسي الجدّي منذ خروجه من السلطة عام 2011، فغادر لبنان وترك ملفاته لغيره من مسؤولي تيار المستقبل. حافظ على مواعيد إعلامية في المناسبات، كذكرى اغتيال والده رفيق الحريري (14 شباط) وذكرى انطلاق ثورة 14 آذار. أما كل ما عدا ذلك، فأداره سياسياً الرئيس فؤاد السنيورة، وتنظيمياً الأمين العام للتيار، أحمد الحريري. احتفظ الحريري بأمر الـ"نعم" والـ"لا" فقط، تكريساً لزعامته ومركزية القرار ونهائيته في المستقبل. فهذا التيار أولاً وأخيراً هو تيار آل الحريري.

عاد الحريري والمستقبليون إلى الحركة خلال شهر رمضان: إفطارات مناطقية متفرقة أبرزها في طرابلس وإفطار مركزي في بيروت حمل معه عودة الرئيس إلى الشاشة لمخاطبة الناس. والأهم من كل ذلك ما كان ينتظره الجميع من مبادرة سيطلقها الرئيس لحلّ الأزمة اللبنانية الثلاثية، أي شغور رئاسة الجمهورية وتعطل مجلسي الوزراء والنواب. غاب الحريري وعاد إلى اللبنانيين وأنصاره بخطاب عادي لا مبادرة فيه ولا حلّ، فقط بعض الثوابت البديهية بالنسبة لتيار يحمل شعار الدفاع عن الدستور والدولة ومؤسساتها. قال ما قاله خلال الإفطار فأكد على انّ "الرئاسة أولاً" ومن ثم انتخابات نيابية، رافضاً التمديد للمجلس الحالي.


يعلم وزراء الحريري ونوابه أنّ لا شيء جديد في ما طرحه الحريري. يحاول الأخير فقط "إعادة تحريك تنظيمه السياسي"، بحسب ما يقول أحد وزراء التيار لـ"العربي الجديد". وينقل الوزير عن الحريري تأكيد بأنّ "لا جديد في ملف الرئاسة في القريب العاجل". يأتي ذلك بناءً على "أجواء العواصم العربية وديبلوماسيين أوروبيين لا تزال اللقاءات معهم مستمرة في بيروت وجدة وباريس". أجواء المستقبل تشير إلى أنّ "الرئاسة مؤجلة لحين انتهاء التمديد الحاصل لمعاجلة الملف النووي الإيراني، ولحين وضع حلّ للنار المشتعلة في كل من العراق وسوريا وفلسطين". تتعقّد الأمور إقليمياً، فيتراجع الملف اللبناني أكثر في سلّم الأوليات. يعي المستقبليون ذلك جيّداً، لتعود ورقة التمديد للمجلس النيابي الحالي، الممدّد له أصلاً، لتجد نفسها وحيدة على طاولة المستقبل وغيره من القوى السياسية اللبنانية.

حتى الساعة، "التمديد للمجلس واقع ولا مفر منه"، ولو أنّ رفضه علنياً وإعلامياً ضروري. لا مخرج آخر للمستقبل والكتل النيابية الأخرى في ظلّ الشغور الرئاسي. حتى أنّ التواصل بين المستقبل والرئيس نبيه بري وصل إلى هذا الملف، فاعترف الطرفان لبعضها البعض بصوابية هذا "الحلّ"، "لكن لا يزال الإخراج غير مكتمل". وينقل أحد المستقبليبن قول رئيس البرلمان، نبيه بري، خلال أحد اللقاءات، أنّه هو أي "بري والنائب وليد جنبلاط أخذا على عاتقهما التمديد الأول للمجلس النيابي، وأصبح على الكتل السياسية الأخرى كحزب الله والمستقبل تحمل مسؤوليتهما لإعلان التمديد الثاني".
سيتراجع الحريري عن موقفه الرافض للتمديد خلال أسابيع. سيرفع مجدداً شعار "أولوية الحفاظ على المؤسسات" ليوقع وحلفاؤه وخصومه على قانون التمديد للمجلس، لعامين ونصف العام. فيكون المجلس المنتخب لأربع سنوات عام 2009، نال ولاية ثانية على جزئين.