ونفى الحريري في بيانه أي مسؤولية عن تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، محملاً إياها، ضمنياً، لحزب الله وحلفائه من دون تسميتهم، فيما يجد هذا الفريق نفسه في مأزق سيحاول الخروج منه في الأيام القليلة المقبلة من دون أن تكون الصورة حتى الآن واضحة حول مساعيه للقيام بذلك، وما إذا كان سيمضي، تحديداً حزب الله وحركة أمل، في خيار الدفع باسم النائب والوزير السابق بهيج طبارة لتشكيل حكومة جديدة تتماشى مع توجهاته السياسية، لا سيما بعدما أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن طبارة اعتذر عن قبول المهمة، أم سيعمد هذا المعسكر إلى تسمية شخصية لا يوجد عليها "فيتو" سياسي من الحريري، خصوصاً بعدما حضر اسم المدير العام لشركة "خطيب وعلمي" المهندس سمير الخطيب، ضمن قائمة الترشيحات لرئاسة الحكومة بعد موقف الحريري. مع العلم أن الحريري سبق أن زكا الخطيب لرئاسة الحكومة.
وقال الحريري في البيان الذي أصدره، إنه "بعد 40 يوماً على حراك اللبنانيات واللبنانيين، وقرابة الشهر على استقالة الحكومة استجابة لصرختهم العارمة، وإفساحاً في المجال لتحقيق مطالبهم المحقة، بات من الواضح أن ما هو أخطر من الأزمة الوطنية الكبيرة والأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها بلدنا، وما يمنع البدء بالمعالجة الجدية لهاتين الأزمتين المترابطتين، هي حالة الإنكار المزمن الذي تم التعبير عنه في مناسبات عديدة طوال الأسابيع الماضية". وأضاف الحريري أن "حالة الإنكار المزمن بدت وكأنها تتخذ من مواقفي ومقترحاتي للحل ذريعة للاستمرار في تعنتها ومناوراتها ورفضها الإصغاء إلى أصوات الناس ومطالبهم المحقة. فعندما أعلن عن استقالة الحكومة تجاوباً مع الناس ولفتح المجال للحلول، أجد من يصر على أنني استقلت لأسباب مجهولة. وعندما يصر الناس على محاسبة من في السلطة اليوم، وأنا منهم، وتغيير التركيبة الحكومية، وأنا على رأسها، أو بالحد الأدنى تحسين أدائها ومراقبته، يجدون من لا يريد إلا التصويب على من كانوا في السلطة قبل ثلاثين عاماً". وتابع: "عندما أعلن للملأ، في السر وفي العلن، أنني لا أرى حلاً للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة إلا بحكومة أخصائيين، وأرشح من أراه مناسباً لتشكيلها، ثم أتبنى الترشيح تلو الآخر لمن من شأنه تشكيل حكومة تكنو-سياسية، أواجه بأنني أتصرف على قاعدة (أنا أو لا أحد) ثم على قاعدة (أنا ولا أحد). علماً أن كل اللبنانيين يعرفون من صاحب هذا الشعار قولاً وممارسة"، وهو ربما يقصد به ميشال عون وحزب الله اللذين أبقيا البلد لعامين ونصف العام بلا رئيس جمهورية بهدف إيصال عون إلى المنصب.
وخلص الحريري إلى أنه "إزاء هذه الممارسات عديمة المسؤولية، والعديد من الأمثلة الأخرى التي لا مجال لتفصيلها اليوم، أعلن للبنانيات واللبنانيين، أنني متمسك بقاعدة (ليس أنا، بل أحد آخر) لتشكيل حكومة تحاكي طموحات الشبان والشابات والحضور المميز للمرأة اللبنانية التي تصدرت الصفوف في كل الساحات لتؤكد جدارة النساء في قيادة العمل السياسي وتعالج الأزمة في الاستشارات النيابية الملزمة التي يفرضها الدستور وينتظرها اللبنانيون ويطالبون بها منذ استقالة الحكومة الحالية". وأعرب عن أمله في أن يدعو رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد بتشكيل حكومة جديدة، "متمنياً لمن سيتم اختياره التوفيق الكامل في مهمته". وبالفعل لم يكد يصدر بيان الحريري حتى سربت أوساط رئاسة الجمهورية موعد الاستشارات، وسط ترقب للمسار الذي ستسلكه الأزمة السياسية وطريقة تعاطي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر معها، بما في ذلك إذا ما كانوا سيتوجهون لتشكيل حكومة مواجهة سياسية تقتصر على فريق 8 آذار بما لها من أثمان. وعلم "العربي الجديد" أن الحريري لا يزال متسمكاً بطرحه: إما حكومة تكنوقراط يشارك فيها تيار المستقبل حتى لو لم يترأس هو الحكومة، وإما فلا مشاركة بالمطلق، وبالتالي لا غطاء سياسياً للحكومة من قبله. كما يوجد توجه مماثل للقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. وبالتالي فإن الحكومة المقبلة، على الأرجح، ستكون مؤلفة من قوى 8 آذار، أي حزب الله وحلفائه، في ظل إصرارهم على حكومة تكنو-سياسية. وفيما تجعل هذه الأجواء من قبول المهندس سمير الخطيب بتسميته رئيساً للحكومة أمراً مستبعداً، ستكون الساعات المقبلة كفيلة بتوضيح ما إذا كان اسم بهيج طبارة سيصمد كمرشح لرئاسة الحكومة، وهو الذي ابتعد عن تيار المستقبل تدريجياً منذ 2006. كما أن علاقته مع الحريري مقطوعة منذ سنوات على الرغم من الصداقة العائلية. والمأزق الرئيسي لأطراف معسكر 8 آذار، أنهم لا يملكون أي مرشح جدي لرئاسة الحكومة، ذلك أن حلفاءهم من الطائفة السنية لا يملك أي منهم قاعدة شعبية تؤهله ترؤس الحكومة، وهو المنصب المخصص، في النظام الطائفي اللبناني، للمذهب السني.
وكانت مختلف المعطيات تفيد بأن "الخليلين"، أي علي حسن خليل وزير المالية، مستشار رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، هما اللذان يقفان وراء خيار تسويق طبارة (تجاوز الـ90 عاماً) قبل حسم الحريري لموقفه.
في موازاة ذلك، كان لافتاً الغياب الكلي لوزير الخارجية، رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، عن الترويج لاسم طبارة، الذي كان من المقرّبين من رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 فبراير/ شباط 2005، قبل أن يبتعد تدريجياً عن تيار المستقبل في مرحلة ما بعد الحريري الأب. حتى أن قناة "أو تي في" التابعة للتيار الوطني الحر كانت من بين المبادرين للإعلان، الثلاثاء، عن احتراق اسم طبارة قبل صدور موقف الحريري. وبدا من مجريات الساعات الماضية أن باسيل لا يريد تكرار تجربته الأخيرة مع الوزير السابق محمد الصفدي، بعدما طرح اسمه كمرشح لتولي الحكومة ليسقط في الشارع أولاً ثم سياسياً نتيجة التنصل من اسمه، ليجد الصفدي نفسه مضطراً لطلب سحب اسمه من التداول كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة.
وبينما كان البعض في فريق 8 آذار (يضم حزب الله وحلفاءه)، يروج أن الحريري سرّب اسم طبارة، الذي ينظر إليه من قبل هذا الفريق بأنه وجه غير استفزازي وغير متورط بملفات فساد، عن قصد من أجل إحراقه، كما احترقت قبله أسماء الصفدي، ورئيسي الحكومة الأسبقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، بفعل ملفات قضائية، بالإضافة إلى اسمي تمام سلام ونواف سلام، لكن أوساط تيار المستقبل نفت ذلك لـ"العربي الجديد"، فيما تحدثت معلومات عن أن التيار الوطني الحر هو الذي تولى عملية التسرب.
ولا يبدو أن أياً من الأسماء المطروحة من فريق السلطة، بما في ذلك اسم طبارة، إذا ما صمد، قادرة على أداء دور حكومي إنقاذي للبنان، بفعل تشبث حزب الله وحلفائه بحكومة تكنو-سياسية. وهي حكومة قد لا تلاقي تأييداً غربياً، خصوصاً بعد موقف الحريري الأخير. كما أن الحكومة الجديدة، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، لن ترضي الشارع، خصوصاً أن برنامجها المرتقب لن يتضمن تلبية مطالب أساسية للمحتجين بما في ذلك إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ولد بهيج طبارة في عام 1929 في بيروت، درس الحقوق، وحصل على بكالوريوس الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، ثم حصل على دكتوراه دولة في الحقوق من غرونوبل في فرنسا، وعمل محامياً وانضم إلى نقابة المحامين اللبنانيين سنة 1954، وتزوج من المحامية هدى كرياكوس سعد، ولهما 3 أولاد. عمل أستاذاً محاضراً في الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف. وفي 2013 انتُخب رئيساً للمنظمة العربية لمكافحة الفساد خلفاً لرئيسها السابق سليم الحص الذي كان قد طلب إعفاءه من مسؤولياته في المنظمة بانتهاء ولايته في 19 مارس/ آذار 2013. كان وزيراً للاقتصاد والتجارة بين 25 إبريل/ نيسان 1973 و8 يوليو/ تموز من العام نفسه، ووزيراً للعدل بين 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1992 و4 ديسمبر/ كانون الأول 1998، ووزير دولة بين 26 أكتوبر 2000 و17 إبريل 2003، وأخيراً وزيراً للعدل مجدداً بين 17 إبريل 2003 و26 أكتوبر 2004.