الحب سنة 2016

10 فبراير 2016

عشق (محمد أوزجاي)

+ الخط -

قرّرت أن تتخلى عن شرطها، الذي كان سبباً في تأخر زواجها عامين، بعد تخرجها طبيبة. هي جميلة، لكنها لا تملك القوام الممشوق الذي يرغبه رجال هذه الأيام، حسب قولها. لديها وظيفة بمرتب مغرٍ، وسيارة حديثة. تقدّم لخطبتها شاب ذو صلة قرابة بعيدة تربطهما. ولأن عائلتها صارمة في تقاليدها، لا تقبل سوى بزواج بناتها من الأقارب، حتى لو من بعيد، وجدت الشابة نفسها توافق عليه، لأن الأمل بالنسبة لها أصبح ضعيفاً بأن يتقدم لها طبيب من العائلة نفسها، كما كانت تشترط وتتمنى.

احتجاجها الأول بعد أيام الخطوبة أنه شاب جاف، بلا كلمات رومانسية ولا هدايا، ولا حتى" دبدوب" صغير من الفرو، يحمل قلباً أحمر اللون، وينظر لها نظرة بلهاء، لكي تعلقه بسيارتها مثلاً، أو تنشر صورته على حسابها في "فيسبوك"، وتكتب تحته "هدية من حبيبي". الفتيات يفعلن ذلك سريعاً، حتى حين يكون الزواج تقليدياً، وعن طريق أم فلانة أو علانة، ففي نهاية اليوم، وبعد عقد القران، يصبح هذا الشاب، الذي كان قبل ساعات غريباً، حبيباً، ومجنوناً بحبها، مثل قيس ليلى.

الغريب، أو المتوقع، أنه لم يفعل، لأنه رأى الحقيقة التي لم ترها، أو تعامت هي عنها، فالزواج بالنسبة له مشروع، فهو مهندس مشاريع بناء، ويريد أن يتزوج، بعد أن تجاوز الثلاثين عاماً. وهذا غير معتاد في مجتمعٍ، مثل مجتمعات غزة. وقد تدبر المهر وتكاليف الزواج بصعوبةٍ، كلفته العمل المتواصل سنوات، لم يكن يعود إلى منزل العائلة، لكي يوفر أجرة المواصلات اليومية. كان ينام في العراء، أي في مقر عمله أينما كان. وحين قرّر الزواج بها، فكّر بما لديها من إمكانات ومزايا سيتباهى بها، وستحولها إلى زوجة صالحة وواجهة اجتماعية، فهو مهندس وهي طبيبة. ولم ينظر إلى قوامها، فهي ممتلئة بصورة واضحة، جعلت أصحابه يتندرون عليه، في أول مرة رأوه يجلس بجوارها في سيارتها.

هي تريد أيام خطوبة رومانسية، وتتوقع منه أن يكون رومانسياً بعد الزواج. وقد بكت وأغلقت الهاتف في وجهه، بعد أن زارها مراتٍ في بيت العائلة، وجلس مع إخوتها ووالديها، وبدأ يحدثهم عن الوضع السياسي الغائم في غزة، وتأثيره على حركة الإعمار، وبالتالي، احتمال توقف عمله مستقبلاً. لم ينظر إلى طلاء أظافرها الذي أمضت ثلاث ساعات وهي ترسمه، ولم يمتدح قالب الجاتوه الذي أعدته أمها، وزيّنته هي، وحملته أمامه مع الأطباق والسكاكين، مدعية أنه "صنع أيديها وحياة عينيها"، بل التهم القطعة الكبيرة التي اختصته بها في هدوء، وواصل حديثه مع والدها.

تريد أن تفسخ خطوبتها، وتصبح مطلقة بلا زواج، لأنها لم تسمع "كلمة حلوة"، مثلما تخبرها صديقاتها المخطوبات حديثاً مثلها. وعللت قرارها بأنها تريد أن تعيش أيام خطوبة رومانسية، قبل أن يتغير الزوج بعد الزواج، ويصبح "أبو كشرة"، كما تسمع من النساء المتزوجات. طلبت منها أن تنظر إلى الأمر من زاوية أخرى، لأنه يرى أن المشاعر يتم التعبير عنها بطريقة مختلفة، وسوف يحافظ جيداً على امرأةٍ، تعب كثيراً حتى استطاع أن يتزوجها، وسيكون أباً رائعاً، يعلم أطفاله، منذ صغرهم، أن الحياة ليست كلماتٍ، وإنما عمل والتزامات وحقوق وواجبات. قلت لها إن الشاب الذي سيدير رأسها، في فترة الخطوبة، بكلمات الغزل، ويملأ أرفف خزانتها في بيت عائلتها بالهدايا، بزجاجات العطر وعلب الماكياج و"الدباديب إياها"، سيتخلى عن ذلك سريعاً بعد الزواج، لأن عليه أن يسدد أقساط الأثاث والأجهزة الكهربائية، وسوف تتبخر من عقله كل أسطوانات الغزل التي حفظها، لتحل محلها حسابات الراتب وإيجار البيت وفواتير الكهرباء والهاتف.

هذا الرجل، الذي لا يجيد تقديم "الدباديب الحمراء"، لن تعاتبه ذات يوم، والمخاط يسيل من أنفها، ورضيع على كتفها: ليه ما تتغزل فيني زي أيام الخطوبة؟

دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.