الجزائر.. مواقف متباينة من مجزرة رابعة

13 اغسطس 2015
كانت الجزائر أول دولة تستقبل السيسي كرئيس بعد الانقلاب(Getty)
+ الخط -
كان لـ"مجزرة رابعة" وقع كبير على الجزائريين، الذين يعرفون جيداً معنى "المجازر" التي احترقوا بها على مدار قرن ونصف من الاستعمار، ثم عشرية كاملة من الإرهاب، ما جعلهم يسارعون إلى التعبير عن تضامنهم مع الشعب المصري، على إثر قيام السلطات العسكرية بفض اعتصام "رابعة" المؤيد للرئيس المصري حينها، محمد مرسي، والذي خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى، الذين بلغ عددهم حسب وزارة الصحة المصرية أكثر من ثلاثمئة قتيل، في حين صرحت منظمات أخرى بأعداد أكبر بكثير.


وقد عبر الجزائريون كشباب منخرطين في أحزاب سياسية، جمعيات، نقابات طلابية وعمالية أيضاً، عن إدانتهم استخدام السلطات العسكرية المصرية العنف والقوة ضد المعتصمين، وأصدرت العديد من البيانات الداعية إلى تنظيم وقفات احتجاجية ضد ما تعرض له الشعب المصري من سفك للدماء.

ولم يكتف الجزائريون بإعلان موقفهم الصريح بإدانة الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرون، إنما عملوا على الضغط على الحكومة الجزائرية من خلال تنظيم مظاهرات يدعون من خلالها الجزائر كدولة، لإعلان إدانتها "مجزرة رابعة" والانقلاب العسكري ككل باعتباره خرقاً للديمقراطية، وصولاً إلى وقف التعامل مع الانقلابيين المصريين ومحاسبة المسؤولين عن المجازر التي ترتكب في حق المدنيين، واستهداف المعتصمين السلميين.

وكان رؤساء أحزاب سياسية، قد شاركوا في هذه الدعوة، على غرار الرئيس السابق لحركة "حمس" أبو جرّة سلطاني، الذي لطالما اعتبر الانقلاب ضد مبادئ الديمقراطية التي يناضل من أجلها المصريون.

من جهتهم، لم يتأخر حقوقيون جزائريون عن إبداء مواقفهم من "المجزرة" وعلى رأسهم رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوجمعة غشير، فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، إلى جانب الناشطة الحقوقية سعيدة بن حبيلس وآخرين، ممن أجمعوا على أن فض اعتصام رابعة العدوية، جريمة وتعدٍ على حق المصريين في الاعتصام السلمي. وهو الاعتداء الذي يستوجب فتح تحقيق دولي من أجل محاسبة المسؤولين عن قتل الأبرياء، وذهبوا إلى اعتبار استقبال الحكومة الجزائرية ممثلين عن الحكومة الانقلابية في مصر، بمثابة سكوت عن جريمة حقيقية ارتكبها هؤلاء في حق الشعب المصري.

ومن المواقف التي أعلنها مثقفون جزائريون، اعتبار فض اعتصام رابعة "بالأعمال الإرهابية" التي تسببت في قتل مئات المتظاهرين السلميين، ما يحتم على الجزائر باعتبارها داعمة للقضايا الإنسانية قطع العلاقات الدبلوماسية وعدم الاعتراف بالحكومة المنبثقة عن الانقلاب حسبهم.

الحكومة الجزائرية "لكم مواقفكم ولنا مواقفنا" 
إجماع كل الطبقات السابقة على موقف واحد، أساسه أن ما حدث في رابعة العدوية كان مجزرة حقيقية في حق متظاهرين مصريين سلميين، لم يؤثر في موقف الحكومة الجزائرية، التي اتضح سريعاً أنها تتبنى منطق "لكم مواقفكم ولنا مواقفنا"، في تعاملها الدبلوماسي مع ما حدث في مصر، سواء الانقلاب أو المجازر وفض اعتصام رابعة، بعيداً عن مطالب الطبقة السياسية والحقوقيين والمثقفين وضغوطاتهم الرامية إلى موقف مماثل من الحكومة، التي كانت قد دعت إلى "انتقال سلمي" في مصر بعد الانقلاب الذي أطاح الرئيس، محمد مرسي، سنة 2013.

وفي الوقت الذي دعا فيه سياسيون، أمثال عبدالله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، السلطة الجزائرية إلى تعليق علاقتها مع الانقلابيين في مصر بعد جريمتهم في ميدان رابعة، وطرد السفير المصري وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، ورئيس حركة مجتمع السلم، عبدالرزاق مقري، الذي طالب بألا تعترف الحكومة الجزائرية بما انبثق عن "الانقلاب"، جاءت بعد سنة واحدة من "المجزرة" زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للجزائر في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيساً لمصر، لتثبت أن للحكومة موقفها الخاص بعيداً عن الإدانة التي رافقت مجدداً الزيارة، من بعض الأحزاب الجزائرية المتمسكة بمبدأ المقاطعة والتي ذهبت لاعتبار زيارة السيسي استفزازاً لمشاعر الشعب المصري الرافض للنظام العسكري حتى بعد الانتخابات، بينما تؤكد الحكومة الجزائرية خيار المصالح المشتركة والعمل وتنسيق المواقف مع مصر في العديد من القضايا المشتركة.

وبحلول الذكرى الثانية والستين لثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وجه الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بو تفليقة، رسالة تهنئة إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، معبراً من خلالها بشكل واضح على موقف الحكومة الجزائرية وآفاق تعاونها مع مصر "وأغتنم هذه السانحة الطيبة لأجدد لكم عزمي التام على العمل معكم من أجل تعزيز وتعميق علاقات التعاون القائمة بين بلدينا"، وهو ما يعكس بشكل قاطع تمسك الحكومة الجزائرية بموقفها القائم على التعاون مع مصر في إطار قضايا مشتركة، بعيداً عن ضحايا المجازر وما يسمى بـ"الجرائم الإنسانية".

(الجزائر)