واعتقلت قوات الشرطة عددا من المشاركين واقتادتهم إلى مراكز الأمن، فيما تمركزت قوات الشرطة في بعض النقاط وسط مدينة تيزي وزو تحسبا لأي تطور للأوضاع.
ولم يرفع المشاركون في المظاهرة العلم الجزائري، وتأتي هذه المسيرة بعد أسبوع من الأحداث العنيفة التي شهدتها مدينة بجاية المجاورة لتيزي وزو، منذ الثاني من يناير الجاري، تزامنا مع إضراب التجار الذي شمل أيضا مدينة البويرة.
وبقدر ما كان الحضور الشعبي لافتا، بقدر ما يعيد تمركز هذه الحركة طرح كثير من التساؤلات عن ظروف وملابسات هذا التمركز ودوافعه ومخاطره المستقبلية. ويقود هذه الحركة الفنان فرحات مهني من باريس، والذي أعلن في وقت سابق عن تشكيل حكومة زعم أنها تمثل منطقة القبائل، التي تضم ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة شرقي الجزائر.
وتستغل هذه الحركة الحساسية السياسية لسكان المنطقة إزاء السلطة، للتمركز، إذ بدا حضورها في المنطقة لافتا في السنوات الأخيرة. لكن أغلب سكان منطقة القبائل يرفضون الخيارات السياسية التي تطرحها هذه الحركة ويعتبرونها حركة انفصالية، تعمل لصالح أجندات غير توافقية، ويرفضون أية محاولة لوضع تقسيمات سياسية أو إثنية للجزائر.
لكن كثيرين يرون أن السلوك السياسي والإخفاقات الاجتماعية للحكومات الجزائرية، وشدة الاحتكاك السياسي المستمر بين الحركات الأمازيغية والسلطة منذ أحداث أبريل 1980، تلعب دورا في منح هذه الحركات فرصة التمركز في المنطقة.
ويعتقد الإعلامي، جيلالي يعقوبن، أن "الملاحظ أن سكان المنطقة يتسمون بطبائع النفور عما تدعو إليه السلطات المركزية، مثلا في مدينة عزازقة، وهي من كبرى المدن في منطقة القبائل، قابل السكان دعوة رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، إلى رفع العلم الوطني، برفع علم فرحات مهني على شرفات منازلهم وبشكل ملفت للانتباه."، ويعزو جيلالي يعقوبن هذا الموقف الى أن "هناك الكثير من مواقف السلطات المركزية للكثير من القضايا تجعل سكان المنطقة يلجؤون الى أحضان حركة فرحات مهني".
ويضيف نفس المتحدث "لا أحد في منطقة القبائل مقتنع أو يميل إلى الحكم الذاتي، لكن تصرفات السلطات المركزية تنفر كل من يتسم بالروح الوطنية، والتفسيرات السخيفة التي توجدها السلطة لأحداث، كالحديث عن إقحام أطراف خارجية في الأحداث الأخيرة، بدل الحديث بكل موضوعية عن انشغالات المواطن والأسباب الحقيقية لتلك الأحداث، تدفع الكثيرين إلى الاقتناع عرضا بالأفكار السياسية لحركة الماك".
ويعتقد الباحث في شؤون الحركة الأمازيغية، حسن خلاص، أن "حركة الماك تحاول احتواء وإعطاء طابع انفصال لحدث وحدوي، عليه إجماع مجتمعي يتعلق باحتفالات السنة الأمازيغية الجديدة"، مشيرا إلى أن "تمركز هذه الحركة في السنوات الأخيرة في منطقة القبائل، لا يعود مطلقا إلى قوة طرحها السياسي، بقدر ما يعود إلى ضعف الدولة".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت طروحات الحكم الذاتي التي تطلقها حركة الماك بقيادة فرحات مهني، تحظى بالقبول لدى سكان منطقة القبائل، يؤكد حسن خلاص قائلا "لا، طرح كهذا ليس متبلورا، لكن يمكن أن يجد بعض الصدى بالنظر إلى نفور السكان من السلطة المركزية، لكن حركة الماك لا تشكل مطلقا بديلا مقبولا بالنسبة لسكان منطقة القبائل."
ويحذر المتابع لتطورات منطقة القبائل، معمري ناصر، من مخاطر تمدد هذه الحركة على مستقبل الجزائر، خاصة في ظل الظروف الدولية، ومحاولات استغلال المعالم الإثنية والدينية والطائفية لتفتيت دول بأكملها، وقال: "صحيح أن هذه الحركة في تطور، وكل عام تزداد شعبيتها وأتباعها، لكنها تمثل خطرا قائما، وعناصر هذه الحركة قد يلجأون إلى أساليب أخرى تبدو الجزائر في غنى عنها وعن متاعبها ".
وترفض الأحزاب السياسية الكبرى، التي تتبنى المطلب الأمازيغي، كجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، طروحات هذه الحركة وتعتبرها طروحات انفصالية، لكنها تتهم في الوقت نفسه السلطات بالتسبب في تحطيم قوة هذه الأحزاب التمثيلية في المنطقة، ما فتح الباب أمام تغلغل هذه الحركات.
ومنذ فترة يطالب مراقبون السلطات الجزائرية بالإسراع في معالجة الأوضاع الاجتماعية والتنموية في المنطقة، تجنبا لمحاولات استدراج المنطقة إلى حالة من التوتر، يعيد التوترات السياسية السابقة التي كانت آخرها أحداث الربيع الأسود في 2001.