ذكر أحد المشرفين الرسميين على دائرة عمل تطوعي في إحدى وزارات الشؤون الاجتماعية العربية، أنه قام بزيارات عديدة إلى أكثر من حرم جامعي والتقى الطلاب وحاورهم ودعاهم إلى المشاركة في المخيمات الصيفية التي تقيمها الوزارة في عدد من القرى سنوياً. وشرح لهم نظام إدارة برنامج المخيم بما يضمه من إقامة في مدرسة أو دار البلدية أو ناد وما شابه، وسماع محاضرات غالباً ما تتناول أدوار الشباب وأهمية العمل التطوعي في تنمية المجتمع، ولا سيما الريفي منه، وكيف يتوجه نحو تحقيق مشاريع غالباً ما تعجز البلديات المحدودة القدرات عن القيام بها، نظراً لكلفتها المرتفعة، ولقاءات مع الأهالي في بيوتهم وزيارات للمنطقة للاطلاع على معالمها السياحية والأثرية والطبيعية، وتنفيذ أشغال من نوع تعبيد أو شق طرقات زراعية وبناء قنوات تصريف المياه الشتوية، ومساعدة الفلاحين على جني محاصيلهم الصيفية، وتنظيم ورش عمل ثقافية أو بيئية لأبناء القرية حول اختصاصات الطلاب الجامعيين ومجالات اهتمامهم، وختاماً سهرة فنية بمشاركة الأهالي. بالطبع الدعوة للمشاركة موجهة للجامعيين والجامعيات لا فرق ولا تتطلب من المشارك دفع أي كلفة، باعتبار أن الوزارة هي المسؤولة عن توفير الموازنة بما فيها أعمال البنية التحتية.
تجدر الإشارة إلى أن التجاوب كان مقبولاً وسجل العشرات أسماءهم. حدث هذا في شهر نيسان/ إبريل أي قبل نهاية العام الدراسي بشهرين على الأقل. قبل الشروع في وضع اللمسات الأخيرة على البرنامج وتحديد عدد المساهمين، جرى الاتصال بالطلاب لتأكيد حضورهم، لكنه فوجئ بأن العدد المقدر انخفض إلى النصف، ما دعاه إلى القيام بجولة ثانية على عدد من الكليات استطاع بعدها تأمين العدد المطلوب وهو بالعشرات فقط لتنفيذ مخيم ناجح.
القصة تتعدى الواقعة لتصل إلى التفكير في أسباب إحجام الجامعيين العرب، معظمهم على الأقل، عن تنمية مجتمعاتهم التي هي أحوج ما تكون إلى دورهم هذا. مصدر مثل هذه المشكلة قد يكون متنوعاً يتداخل فيه السياسي بالأمني بالاجتماعي، بالإحباط من القدرة على التأثير إيجاباً في تقدم المجتمع أو شرائح منه. لا يعني ذلك أن القاعدة عامة بالانسحاب من المساهمة، إذ هناك عشرات الألوف من الشباب يعمدون سنوياً إلى وضع أنفسهم بتصرف جهات رسمية أو مدنية معنية بالتنمية، أو مشاركة عائلاتهم حرفها وأعمالها. العشرات والمئات من المشاريع جرى تنفيذها وانعكست إيجاباً على فئات اجتماعية لم يكن بإمكانها دون هذا الرافد من الدعم تحقيق نقلة في نوعية حياتها اليومية. ينطبق ذلك في الأحياء الفقيرة والمهمشة في المدن وكذلك في الأرياف البعيدة أيضاً.
يمكن التوقّف عند أسباب التراخي، علماً أن تمضية أسبوعين أو أكثر في مخيم صيفي تنموي هي بمثابة اكتشاف لعوالم ليس بالإمكان اكتشافها بمبادرة فردية مهما كانت جرأتها، إذ هي مناسبة لبناء صداقات وعلاقات مع بعضهم البعض، ومع أبناء هذه القرى وحصول تفاعل يكسر الكثير من المحرمات التي تعمد بعض الجهات إلى بثها عبر وسائلها اليومية. والحصيلة ليست سوى تحويل المناطق إلى ما يشبه المعازل التي لا ترتبط بسواها سوى بعلاقات الضرورة. بالتأكيد يستطيع الشباب الجامعيون اكتساب خبرات تدعمهم في بناء حياتهم العلمية والأكاديمة من خلال الانخراط في ميدان العمل، ومساعدة أسر هي أشد ما تكون إلى الدعم، وتحويل أوقات فراغهم إلى كنز من المعارف والعلاقات الإنسانية والوطنية.
*باحث وأكاديمي