الثورة العربية ودور المثقف

10 سبتمبر 2015
نحن كعرب أمة بلا وعي (فرانس برس)
+ الخط -
نحن كأمة عربية، وعبارة "نحن" هنا تعود على الجماعة السياسية الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، بمعنى هذه الأمة التي تحمل نفس المتخيل اللغوي، وعلى ذلك تستطيع أن تقرأ حاضرها وماضيها بشكل نمطي، نحن كعرب أمة بلا وعي، نكاد نكون خارجين عن سياق العقل والتاريخ، بما أننا كذلك، فـ"نحن" نتفنن في الخلاف لا بالاختلاف، لأننا مع الأسف، لا نملك ثقافة تقبل الآخر بل تتجذر في ثقافتنا معادلة تبدو في الغالب حتمية، وتلك المعادلة قائمة على أساس أنا وأنت وليس على معادلة نحن وهم، وهذا يعني أننا ننطلق من بنية فردانية لا من بنية جماعتية، وعلى أثر ذلك تصبح الانتهازية أيديولوجيا تبريرية، وبما أن الوطن العربي يعيش أساساً تحت ظل أزمة الدولة القطرية الحديثة ضد بناء الأمة، فهذا يعني أن الدول القطرية يغلب عليها الطابع البراغماتي في تحديد سياساتها تجاه بقية الدول العربية.


عندما بدأ الربيع العربي لم يأت بأسس سليمة، فالثورة التي تأتي بلا وعي تساوي الفوضى، وإذا افترضنا أن البناء الفوقي للمجتمع هو المحرك الرئيسي للمرحلة الانتقالية، فمن الواضح أن هذه الطبقة تكاد تكون معدومة الوعي في العالم العربي، ومن الملاحظ أن الطبقة السياسية والأكاديمية والثقافية، لا تملك القدرة على استيعاب الثورة، ومن الواضح أن المنخرطين في المجال العام، لم يستوعبوا أهمية المرحلة الانتقالية، ومع الضربات المتتالية من النظام القديم الخارج عن النص، نشاهد الصراع الأهلي بين الثوار أنفسهم، خصوصا في طرح تناقضات ثانوية -وهي مهمة بالتأكيد- مثل حسم مسألة العلمانية، ومشاركة الإسلام السياسي في العملية السياسية، والعلاقة مع الدول المجاورة لاعتبارات أيديولوجية، هذه التناقضات لا تأتي بثمار من غير وضع حل للتناقض الرئيسي الذي تعانيه الدولة العربية، وهو بناء نظام ديمقراطي تعددي يعيد إنتاج نفسه كل فترة من الزمن، مع ضمانات للمعارضة في المشاركة السياسية - تعتبر تونس مثالاً جيداً لذلك، خصوصاً أن حزب النهضة يتمتع بمرونة سياسية، على عكس بقية الإخوان المسلمين في العالم العربي-، ثم بعد ذلك يتم حسم مسألة هوية الدولة باعتبارها جزءاً من الأمة العربية، وكل المواطنين فيها لهم نفس الحقوق، بغض النظر عن هوياتهم الفرعية كانت دينية أو عرقية أو مناطقية، من هنا نستطيع أن ننطلق من حالة ثورية لحل جميع المشاكل الأخرى كانت اجتماعية أو اقتصادية.

رغم كل ما كتب قبل الربيع العربي في المسألة الديمقراطية و ضرورة الانتقال من وضع استبدادي مكتمل التكوين، إلى وضع ديمقراطي كامل الدسم، إلا أن الديمقراطيين أنفسهم أظهروا عدم جديتهم في تقبل الديمقراطية، وهذا الأمر ينطبق على المتصارعين الأساسيين في الوطن العربي، الإسلاميين والعلمانيين، هذا الاستقطاب الحاد أوجد حالة من خطاب النفي، بمعنى أن من يصل إلى السلطة يريد أن يقضي على الآخر بالضرورة، باعتبار أن كل طرف يهدد وجود الآخر، هذه المعادلة دليل قطعي على عدم فهم الديمقراطية من كل الأطراف، فالنظام الديمقراطي قائم على أساس المساومة السياسية، بحيث لا تخرج الأطراف المتصارعة بمعادلة صفرية، بل يخرج الكل رابحاً باختلاف النسب بينهم، هنا تستطيع الديمقراطية أن تتماسك لكي تعيد إنتاج نفسها بشكل مستمر كل فترة من زمن.

الوطن العربي يعيش أزمة كبيرة، يشكل المثقفون جزءاً كبير منه، خصوصاً هؤلاء المنخرطين في المجال العام أساساً، لذلك فإن الطريق قد يكون طويلاً ووعراً أيضاً، لكن هذا لا ينفي حتمية التقدم والنهضة، بل على العكس، دائماً ما تفرز المرحلة الانتقالية حالة من المتناقضات، لكن يبقى الأمل معلقاً على انتصار الثورة.

(الكويت)
المساهمون