التوسّع العمراني يطارد غذاء الأردنيين

30 سبتمبر 2015
امتداد الأبنية على حساب الأراضي الزراعية (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يخفي وليد، أحد متابعي الصور القديمة، صدمته وهو يقلّب صورا فوتوغرافية لمنطقتي تلاع علي والغاردنز، في العاصمة الأردنية عمان، التي يعود تاريخها إلى السبعينيات من القرن الماضي، خصوصاً حين أخفق في إيجاد قاسم مشترك، بين بيادر القمح التي كانت تغطي مساحات واسعة من التربة الزراعية، وبين الكتل الإسمنتية الضخمة، التي انتزعت خلال السنوات الأربعين التي تلتها، كل البيادر، فارضة مكانها شوارع ومحلات تجارية وعمارات.


قبل خمسة عقود، كانت المملكة إحدى الدول التي تنتج الحبوب وتصدّرها، وبلغت كمية ما صدّرته في عام 1960 نحو 60 ألف طن، ثم ما لبث أن تطور إنتاجها، وفق الخبير الزراعي راضي الحيالي، حتى وصل في عام 1980 إلى 134.5 ألف طن، غير أن قصور الإنتاج الزراعي وانخفاض نسبة الأراضي الزراعية، أدّيا إلى تراجع إنتاج الأردن حتى وصل إلى نحو 20 ألف طن، وهي كمية لا تغطي أكثر من 5% من حاجة السوق المحلي، إذ يحتاج الأردن اليوم إلى أكثر من 900 ألف طن يتم استيرادها سنوياً، أي بمعدل 75 ألف طن شهرياً.

ويضيف الحيالي لـ"العربي الجديد"، أن اتساع الفجوة بين إنتاج الغذاء محلياً واستيراده، يعكس فشل الإنتاج الزراعي في إشباع الحاجات الغذائية للسكان. ويشير إلى أن لذلك أسبابا عدة، منها: صغر قاعدة الموارد الزراعية والطبيعية وتآكلها، وانخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة، مقارنة بالمساحة الكلية نتيجة التوسع العمراني.

هشاشة الأمن الغذائي
وحسب آخر تقرير أصدرته دائرة الإحصاءات العامة، حول حالة الأمن الغذائي في الأردن، فإن 0.3% من أسر المملكة غير آمنة غذائياً، و2.1% منها تعتبر هشة نحو انعدام الأمن الغذائي، فيما يعتبر 64% من الأسر غير الآمنة أسراً تحت خط الفقر، تستهلك جميعها الحبوب والنشويات يومياً، كالقمح والخبز بأنواعه والأرز أيضاً.

ومنذ عام 1945 توسّعت المناطق السكنية داخل العاصمة عمان بمقدار 30 ضعفاً، وتطورت مساحتها العمرانية من 4.4 كيلومترا مربعة إلى 144 كيلومتراً مربعاً في عام 1994، لكن هذا التطور ترافق مع انخفاض في مساحة المناطق الزراعية، بلغ حجمه نحو 82 كيلومتراً مربعاً.

اقرأ أيضا: خسائر الأردن من القلق وتوابعه تقدّر بالمليارات

وتعد مشكلة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية، واحدة من المشكلات التي تشكل مصدر قلق للأردن، فعلاوة على أنها حصيلة سنوات من غياب التخطيط التنموي الاقتصادي والاجتماعي المتكامل، إلا أنها تفاقمت أكثر بسبب سياسة التراخي، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في لجم التوسع العمراني، على حساب المناطق المحيطة بالمدن.

ويربط الخبير الاقتصادي، ينال الخليفات، نمو الظاهرة بتغير استعمالات الأراضي الحضرية، السريع والمستمر، حيث يخضع مجتمع المدينة للتطور.

ويضيف لـ"العربي الجديد": بسبب تزايد الازدحام في وسط المدن، بدأت عملية التوسع العمراني باتجاه الأطراف، فبنيت الإسكانات والمنشآت التجارية والصناعية، وتسبب هذا التوسع في انحسار مساحات واسعة من الأراضي الخصبة، دفع المزارعين إلى التخلي عن مهنتهم الأساسية، والهجرة نحو المناطق الحضرية من أجل العمل. ويلفت إلى أن "الفشل الحكومي في تحقيق التوازن بين مناطق الطرد الريفية ومراكز الجذب في المدينة، فاقم المشكلة أكثر، وأحدث فجوة في الإنتاج الزراعي والغذائي".

اقرأ أيضا: سرّ التفاوت: ثروات مناطق جنوب الأردن لا تغني سكانها

ويوضح أن "أهم معوقات تطور الزراعة تتمثل في الزحف العمراني والامتداد الأفقي للأبنية، وعدم تفعيل التشريعات المعنية بحماية الأراضي الزراعية، فضلاً عن عوامل التصحر والجفاف وارتفاع درجات الحرارة". ويشير إلى أن الحديث عن الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، يرتبط بقدرة القطاع الزراعي على الوفاء بالتزاماته تجاه المتطلبات الغذائية لسكان الأردن، لأن الفجوة الغذائية المرتبطة بالزراعة مرشَّحة للارتفاع، والجزء الأكبر منها يندرج ضمن مواد الحبوب.
المساهمون